رغم انتشار المكتبات في كامل أنحاء التراب التونسي وارتفاع معدل إقامة معارض الكِـتاب في جل مدن البلاد، فإن الجميع يلاحظ تراجع نسب القراءة لدى التونسي، الأمر الذي أكدته عدة دراسات محلية ودولية.
وحسب إحصائيات ودراسات وتقارير صادرة عن عدة مؤسسات عربية ودولية معنية برصد مستويات التنمية الثقافية في العالم منها مؤسسة الفكر العربي ومنظمة اليونيسكو، فإن متوسط القراءة الحرة للطفل التونسي خارج معدل ما يقرأه من الكتب الدراسية لا يتجاوز دقائق معدودة في السنة مقابل 12 ألف دقيقة للطفل في العالم الغربي، ولا يتجاوز معدل قراءته الصفحة سنويًا فيما يبلغ معدل قراءة الأمريكي 11 كتابًا، ومعدل كل من البريطاني والألماني 7 كتب سنويًا.
تعكس هذه الأرقام المتدنية واقع المطالعة في تونس في وقت أكد فيه العديد من المتابعين لهذا الشأن على خطورة هذه الأرقام وإنذارها بعواقب وخيمة على البلاد في المستقبل القريب.
تمتلك تونس أكثر من 380 مكتبةً عموميةً مُوزعةً على كافة المحافظات (بصفة متفاوتة تتراوح بين 8 و26 مكتبةً في كل محافظة) منها مكتبات جهوية بمراكز المحافظات (24 مكتبةً) ومكتبات محلية بالمناطق البلدية أو في ضواحي المدن الكبرى (317 مكتبةً) ومكتبات متنقلة عبارة عن حافلات مهيأة لتأمين خدمات الإعارة للمستفيدين في الأرياف والتجمعات النائية (31 وحدةً تغطي 1736 تجمعًا سكنيًا)، ويضم مجموع هذه المكتبات أكثر من 7 ملايين كتابًا عربيًا وغير عربي (بنسبة كتاب لكل 1.55 ساكنًا).
يُرجِع متابعون تراجع نسب القراءة رغم انتشار المكتبات العامة في المدارس والجامعات إلى عدة أسباب منها ما هو تربوي وما هو اجتماعي واقتصادي ومنها ما يتعلـق بطريقة التعليم.
ويربط مراقبون بين تدني هذه النسب وتراجع جودة التعليم، الذي انعكس على جدية الدراسات والبحوث، وضعف مناهجه التي تعلم التلقين والحفظ واستدعاء الذاكرة عند ضرورة الامتحان وعدم إشاعة حب القراءة كثقافة مهمة في حياة الطالب مدى الحياة، ويشير آخرون إلى أن ضعف القدرة الشرائية لدى الطلاب بسبب ضعف المنحة وعدم تعميمها وضعفها عند المواطن وعجز ميزانيته عن توفير مدخرات لشراء كتب للمطالعة والترفيه، إلى جانب اكتساح القنوات التلفزيونية للبيوت، أدى إلى تدني نسبة القراء، وتفاقم معاناة الكتاب.
بحسب بيانات مركز المكتبة الرقمية على الإنترنت (منظمة عالمية لخدمات أبحاث ومعلومات المكتبات)، توجد لدى الصين أكثر من 50 ألف مكتبة عامة، وروسيا بها 46 ألف مكتبة، والولايات المتحدة لديها تسعة آلاف و107 مكتبات عامة، وفي إيطاليا 7 آلاف مكتبة، وفي ألمانيا توجد 6 آلاف و313 وإنجلترا بها 4 آلاف و39 مكتبةً.
ويرى آخرون أن اهتمامات القارئ التونسي تحولت في القراءة الحرة نحو التقنية والفضاء؛ فقد بلغت نسبة قرّاء الكتاب الإلكتروني في تونس نسب متقدمة.
إن اقتران المطالعة في الوسط المدرسي بالواجب والفرض يُفقد التلميذ جانب الإقبال والمتعة، إضافة إلى قلةَ الكتب ونُدرتها في المؤسسات التربوية التي يفتقد أغلبها لقاعات مطالعة وكذلك ضغط الزمن المدرسي الذي أثقل كاهل التلميذ والمربي بأعباء تطبيق البرامج وتفشي ظاهرة الدروس الخاصة.
ويحمل بعضهم الدولة وسياستها الرسمية مسؤولية انتشار هذه الظاهرة فهي لا تشجـع المواطن على التـصالح مع الكِـتاب حسب اعتبارهم، فالدولة تخصص الأموال الطائلة لإقامة المهرجانات والحفلات ولا تخصص بعض هذه الأموال لإقامة حملات إعلانية للحد من هذه الظاهرة.
وتتواصل حتى الثالث من الشهر الحالي الدورة الـ 32 من معرض تونس الدولي للكتاب، ويشارك فيه 810 ناشرين من 23 دولة، وتشارك في المعرض 23 دولة هي: مصر ولبنان وسوريا والسعودية وليبيا والكويت والمغرب والإمارات وعُمان والأردن وقطر وفلسطين والسودان والجزائر وتركيا وإيران وإيطاليا والصين وإسبانيا والأرجنتين والسنغال وفرنسا، إضافة إلى تونس.
يحبذ العديد من الشباب في المدارس والجامعات التونسية تخصيص أوقاتهم للبحث عن فرصة عمل لتحسين أوضاعهم المعيشية بدلاً من دخول المكتبات لاعتقادهم بعدم جدوى القراءة من وِجهة نظرهم.
وأشار خبراء إلى الدور السلبي للأسرة في تعليم القراءة وتعويد أبنائها وبناتها عليها، حيث لا تشجع عليها ولا تساهم في توفير المناخ الملائم لها؛ فالطفل الذي تنمو لديه قابلية القراءة كلما لاحظ ميلاً من والديه إليها، باعتباره يتعلم في البداية عن طريق التقليد، والذي يمتلك غريزة الاستطلاع والفضول، يسعى إلى الكشف عن عوالم الكتب والمجلات إذا وجدها في وسطه،غير أن انعدام القراءة وانعدام الطقوس المرتبطة بها، يسبب له ركودًا في المواهب ويعطل لديه قابلية القراءة.
وتؤكد النتائج المؤسفة التي انتهت إليها مختلف الدراسات والتقارير لواقع المطالعة في تونس ضرورة إيجاد حلول للتصدي لتراجع نسب القراءة في البلاد وإنقاذ أبناء تونس من التصحر الثقافي.