أعلنت فرنسا أمس تدخلها عسكرياً في أفريقيا الوسطى بعد تدخلها في مالي، وتستعد باريس لارسال الف جندي الى افريقيا الوسطى مدعومة بمشروع قرار من الامم المتحدة يقترح ارسال قوات دولية الى هذا البلد الذي تسوده الفوضى.
وقال وزير الدفاع الفرنسي، جان ايف لودريان، إن هدف نشر القوة العسكرية هو ارساء الأمن من خلال دعم قوة إفريقية.
كان من المرجح أن تبدو الصورة كما كانت عليه لعقود، جنود أجانب في زي المعركة يحملون حقائب الظهر وبنادق الهجوم، يواجهون الفوضى.
لكن عندما يعزز الجنود الفرنسيون حاميتهم الصغيرة الموجودة فعلا في جمهورية إفريقيا الوسطى في الأسابيع المقبلة، فمن المحتمل أن يُفهم وجودها على أنه نابع من تقليد طويل من اعتبار القوة العسكرية كآداة رئيسية في مرحلة ما بعد الاستعمار.
جمهورية إفريقيا الوسطى هي مساحة من الأرض أكبر من مساحة فرنسا، لكن بجزء بسيط من عدد سكانها. احتلت مكانة مختلفة منذ استقلالها عن باريس في ١٩٦٠، حكمها مجموعة من الطغاة بل وحتى إمبراطور (بوكاسا الأول) الذي اتُهم ليس فقط بتبذير أموال الدولة وإنما بأكل لحوم البشر!!
لكن خلال الأسابيع الأخيرة، كان أحدث اهتمامات الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند أن يعيد تشكيل أو أن يعيد إحياء تأثير فرنسا في القارة حيث طُعن نفوذها في مقتل بسبب الهيمنة المتنامية للصين وغيرها من الدول التي تتطلع بنهم للموارد الطبيعية في إفريقيا من النفط وحتى الماس.
بشكل مختلف عن التدخل التقليدي أو الاحتلال أحادي الجانب، يُبنى النهج الجديد على مفهوم “الدولتين التوأم” بموافقة دولية، ويفضل لو كانت رخصة من الأمم المتحدة، وأيضا مع احتضان القوات الإفريقية للفرنسيين ليتولوا القيادة، مثلما حدث تماما في وقت سابق هذا العام في مالي، المستعمرة الفرنسية السابقة كذلك.
يقول صحفي فرنسي “إن التحدي الحقيقي في التدخل الفرنسي، يكمن في عودة فرنسا إلى القارة السمراء بعد عقود من التدخل تلتها فترة من اللامبالاة والأخطاء”
ويتابع بيير هاسكي، مؤسس موقع “شارع ٨٩” الإخباري الفرنسي، “لو نجحت مهمة فرنسا في إفريقيا الوسطى، فسيكون جزءا كبيرا من النفوذ الفرنسي قد استُعيد، حيث ستضع فرنسا نفسها كشريك لا غنى عنه في هذه المناطق حيث خاطرت سابقا بأن تجعل نفسها جزءا من ذاكرة على وشك النسيان”
قبل عام فقط، رفض هولاند توسلات الحكومة المتأرجحة في العاصمة بانغي، للحصول على دعم عسكري فرنسي، واكتفى بإرسال قوة رمزية من ٤٠٠ جندي لحماية الجالية الفرنسية الصغيرة وتأمين المطار الدولي، طريق الهروب المحتمل.
لعل استحضار أعراض “متلازمة نابليون” Napoleon syndrome التي تعني محاولة الرجل الذي يشعر بالنقص اتخاذ قرارات خطيرة يفسر لنا سر التحول في موقف الرئيس هولاند الذي كان معارضا من قبل للتدخل الفرنسي في أفريقيا. لقد أضحت فرنسا في ظل حكم الاشتراكي هولاند مثقلة بأعباء الركود الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة والإجراءات التقشفية.
هذا الأسبوع، قادت فرنسا الجهود داخل الأمم المتحدة لإنشاء قوة أكثر قدرة على التعامل، تقودها القوات الفرنسية التي ستصل إلى أكثر من ١٠٠٠ جندي، وهو ما دفع مجموعات حقوقية إلى القول أن ذلك النهج هو سقوط في حالة الفوضى.
بول ميللي، من مركز تشاثام هاوس في لندن، يقول “إن التدخل الفرنسي في مالي كان موضع ترحيب بطريقة لم تكن موجودة سابقا”، وربما يكون هذا هو ما دفع الفرنسيين للتفكير في الاستمرار في هذا النهج
وعلى عكس ما حدث في مالي، حيث ظهرت فرنسا في صراع ضد القاعدة وفروعها التي سيطرت على مساحات كبيرة من البلاد، يأتي الواقع في جمهورية إفريقيا الوسطى، حيث أطاح ثوار مسلحون مسلمون من تشاد والسودان بالحكومة السابقة ، تدعمهم الآن فرنسا بسبب ارتفاع احتمالات حدوث حرب أهلية.
المهمة الأسهل بالطبع هي نشر الجنود فيما تبدو المهمة الصعبة هي سحبهم مرة أخرى، فرنسا اكتشفت ذلك في مالي حيث لا يزال لديها ٣٠٠٠ جندي منتشرين على الأرض.
لا شك أن هناك مصالح إستراتيجية واقتصادية هائلة لفرنسا في إفريقيا، وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس في 14 يناير/كانون الثاني 2013 صرح لتبرير الهجوم على مالي “لقد كانت المصالح الأساسية بالنسبة لنا ولأوروبا ولأفريقيا على المحك، لذلك كان علينا التحرك بسرعة”.
ولعل على رأس تلك المصالح الفرنسية مسألة الوصول إلى اليورانيوم في الصحراء الأفريقية. إذ تعتمد فرنسا في تلبية نحو 75% من احتياجاتها من الكهرباء على الطاقة النووية.
ويشير بعض المراقبين إلى أن شركة أريفا الفرنسية (Areva) ظلت على مدى قرون أربعة ماضية تهيمن على حقوق استغلال اليورانيوم في النيجر إلى أن قامت حكومة النيجر مؤخرا بمنح تراخيص للتنقيب لشركات هندية وصينية وأميركية وكندية وأسترالية.
الخوف الفرنسي من النفوذ الصيني وغيره هو المحرك إذا!