بعد أن تناول المؤلف طبيعة الدولة القومية الحديثة ومؤسساتها وكيف طورت أدواتها لتحقق سيادتها وتطوع مواطنها لهذه السيادة، محددًا نطاقها المركزي الرئيسي ونطاقاتها الثانوية المرتبطة به، وكيف تشكلت الذات الحديثة من خلال الدولة، وصار انتماؤها لها كالطبيعة الثانية، ينتقل المؤلف إلى تناول نموذج الدولة الإسلامية، وكيف يستحيل أن يتلاقى مع نموذج الدولة القومية، ويقوض كل الأحلام الوردية للإسلاميين في بناء دولة إسلامية على غرار دولة الحداثة الغربية، داعيًا إياهم للنظر من جديد إلى تراث دولتهم الأخلاقية، علهم ينقذون أنفسهم، وربما باقي العالم معهم من التنين الحداثي الذي دمر نهوضهم، أحال العالم إلى موئل للصراع والحروب والاستهلاك الذي طال حتى المشاعر الإنسانية، بعد أن أشرف على تدمير البيئة الطبيعية بعد استنزافها.
نموذج الحكم الإسلامي
ثم يناقش المؤلف نموذج الحكم الإسلامي عبر فصول الكتاب السبعة ليقارنه بهذا النموذج الأوروبي للدولة الحديثة ليرى إمكانية التلاقي أو الفراق بينهما، وليوصل رسالته إلى المهتمين ببعث جديد للنظرية السياسية في عالم الإسلام في أفق وزمن الثورات العربية وأزمة الدولة الحداثية، ومدى استعدادهم العلمي والنفسي وإرادتهم الجهادية للمساهمة في بناء عالم جديد بعد أن وصلت أزمة الدولة الأوروبية والحداثة إلى مفترق طرق.
حيث يؤكد المؤلف أن الشريعة الإسلامية كانت هي شعار نظام الحكم الإسلامي المميز، ومثلت قانونه الأخلاقي وتشكلت به، وصارت مصدرًا أخلاقيا للمشروع الإسلامي، فقد شكلت الشريعة نظامًا أخلاقيًا شكل فيه القانون – بالمعنى الحديث – أداة وطريقة خاضعتين لمنظومة الأخلاقية العامة، ومنغرستين فيها، ولم تكن الشريعة غاية في ذاتها، فالقانوني في الشريعة أداة للأخلاقي، وليس العكس.
وبحكم كونها نطاقًا مركزيًا، كانت الشريعة هي المقياس الذي يجري على أساسه تقويم النطاقات الفرعية الأخرى في المجتمع الإسلامي، كما أنها هي التي حددت كل الحلول لمشاكل النطاقات الثانوية الأخرى في كل المجالات الفكرية والتعليمية والحياة الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع الإسلامي، فالتشريع يبرر وجود الحاكم لكنه ليس نتاجًا للسياسة أو السياسي فكل ما جعل الثورات ضرورة في أوروبا لم يكن من نصيب المسلمين، فقد عاش المسلمون لأكثر من ألف عام في نظام أكثر مساواة ورحمة تحت حكم قانون لا تستطيع الحداثة أن تقلل من شأنه وتبقى منصفة، وارتكز هذا النموذج للحكم الإسلامي – الذي استخلصه حلاق من تاريخ الشريعة والمجتمع الإسلامي عبر العصور – إلى مفهوم الجهاد باعتباره المفهوم النموذجي لتحقيق الغاية الأخلاقية.
ولم يعرف الحكم الإسلامي أيضًا أي شيء شبيه بمستوى المراقبة التي أنتجتها أنظمة البوليس والسجون الخاصة بالدولة الحديثة، ولم يتدخل كثيرًا في مجال التعليم، فلم تكن لدى السلطات الحاكمة القدرة على إنتاج ذاتيات تتعرف ذاتها في تلك السلطة، بل كان الحكم الإسلامي منتجًا لذوات قائمة على الشريعة بصورة نموذجية، لذلك كانت ذات الشريعة مختلفة تمامًا عن ذات التي أنتجتها الدولة الحديثة.
كما أن أركان الإسلام الخمسة (راجع الصفحات من 219-244) كانت لها الأولوية في تصدر مدونات الفقه باعتبارها وظيفتها الرمزية الهامة، وهذه الوظيفة غير شعورية، ومنهجية، نفسية على نحو عميق، تضع أسس تحقيق الاتزام الطوعي لما يأتي من قانون (أي المعاملات)، فالشريعة لا يمكن فهمها ولا يمكن أن تعمل في أي سياق اجتماعي من دون تبعاتها الأخلاقية، كما أن أصول الأخلاق القانونية الاجتماعية وغيرها ترجع بدرجة كبيرة إلى القوة العملية للأركان الخمسة، إذ تؤسس هذه الأعمال الأدائية الأخلاق التي تفعل الخضوع الطوعي لسلطة القانون، وتصبح المعاملات غير قابلة للتطبيق وغير فعالة لأنها محرومة من أصلها التعبدي في حالة غيابها.
والإسلام كحضارة عالمية، طور أخلاقًا قانونية نموذجية راسخة تاريخيًا حددت هويته، وبقدر ما تعد الدولة الغربية الحديثة ومواطنوها، منتوجًا لظاهرة محددة تاريخيًا، فإن الهوية الإسلامية اليوم مرتبطة ذلك الارتباط الذي لا تنفصم عراه بأخلاق قانونية خاصة حددتها تاريخيًا المبادئ المركزية العليا للشريعة، وكانت الشريعة في هذا التاريخ، وفي الهوية التي أنتجها، التعبير عن سيادة الله، وهي معرفة بنيوية تتغلغل في نسيج الحياة الإسلامية بدءًا من الأخلاق الاجتماعية – العلمية وحتى الحكم السياسي.
وشكل مفهوم سيادة الله في الإسلام نموذجًا خاصًا من نماذج الفصل بين السلطات، وكان عمال السلطة التشريعية فقهاءً غير خاضعين للدولة، عاشوا في ومع المجتمع وجماعاته علماء مستقلين لا يتقاضون أجرًا، وكانوا هم من أسسوا القانون، وأصبحوا سدنته على أساس العلم والتقوى والجاذبية الدينية، القوة الأخلاقية فحسب، كانوا يمثلون الشعب أمام السلطات السياسية العليا بكفاءة أي نظام تمثيلي نعرفه اليوم، ليس بحسبانهم ممثلين فعليين لمجتمعاتهم، ولكن أيضًا بسبب أن مضمون الشريعة الجوهري كان أكثر ملاءمة للطبقات الاجتماعية العامة من قانون الدولة الحديثة، فقد كانت الشريعة قانون البلاد، وكان القانون لسان حال الضعفاء والمحرومين، فقد فصل الحكم الإسلامي بين السلطتين التنفيذية والتشريعية بدرجات، وكان قانون المحاكم مستقلاً -على الرغم من احتكار السلطة التنفيذية حق تعيين القضاة وإعفائهم -، فقد كانت صلاحية أسمية أكثر منها جوهرية، فقد ظل القانون النموذجي الذي يطبقه القضاة على الدوام هو الشريعة، فسيادة الشريعة كانت حكمًا للقانون أكثر تفوقًا من نظيره الحديث، وهو الشكل الحاضر للدولة الغربية الذي التحم مع ادعاء الشرعية الديموقراطية، أو السيادة الشعبية التي تجمعها علاقة مربكة بواقعها العملي كما أوضح المؤلف في علاجه للنموذج الأوروبي للدولة الحديثة.
والتمييز بين ما هو كائن وما ينبغي أن يكون في القانون الحديث لا يمكن أن يتحقق في أي شكل من الحكم الإسلامي، إذا اتفقنا على أدنى تعريف أخلاقي لما هو الإسلام أو ما يمكن أن يكون، ففي التراث الإسلامي قبل الحديث لم ينظر إلى القانوني والأخلاقي باعتبارهما مقولتين منقسمتين، فقد كان: ما هو كائن وما ينبغي أن يكون، والحقيقة والقيمة، الشيء الواحد ذاته، فما هو قانوني في القرآن، الشريعة القائمة عليه، هو أخلاقي بالمثل، والعكس صحيح.
فقد زود القرآن المؤمنين المسلمين بنظرة إلى الكون قائمة بالكامل على قوانين طبيعية أخلاقية، وهي نظرة كونية قد تكون ذات قوة إقناعية أكبر بكثير من قوة نظيراتها في الميتافيزيقيات المرتبطة بعصر التنوير، وذات تأثيرات نفسية قوية وعميقة، فلم يعتبر القرآن العالم المادي موقعًا خاضعًا للتفسير المنطقي والحسابات الباردة البليدة، بل عالم طبيعي متشبع بالروحانية والنفسانية، وخاضع بالكامل للأفعال الأخلاقية التي يقوم بها البشر الذين خلقهم الله.
والسردية القرآنية عن عمل الصالحات، سردية شاملة تتخلل كل شيء، فالأخلاق القرآنية المتمحورة حول الأعمال الصالحة لم تتغلغل في الشريعة حتى النخاع مشكلة أساسها الركين فحسب، بل ظلت كذلك عنصرًا مركزيًا للممارسة الشعبية للمسلمين عبر القرون وحتى اليوم، وإن كان القرآن لا يصوغ القانون بالمعنى التقني، فهذا هو ما تفعله الشريعة بكل تأكيد.
وليست الشريعة الإسلامية وضعية كما القانون الحديث النموذجي المحكوم بأسطورة الإرادة السيادية، لكنها قواعد موضوعية قائمة على مبادئ دقيقة تعددية بطبيعتها، ومتجذرة في نهاية الأمر في ضرورة مطلقة أخلاقية كونية، ولم تمتلك الشريعة، وهي النموذج للسلطة التشريعية الإسلامية، إرادة سياسية، بالمقارنة مع إرادة الدولة.
نظام سياسي إسلامي كامل في ظل الدولة الحديثة أمر لا يستقيم
يؤكد حلاق أن افتراض تحقق نظام إسلامي بالكامل، واكتملت الشروط الدنيا لهذا التحقق بما في ذلك الأمور الآتية من دون اقتصار عليها (ص250):
– تأسيس سيادة إلهية تترجم فيها قوانين الله الأخلاقية الكونية باعتبارها نظامًا من المبادئ الأخلاقية إلى قواعد قانونية عملية.
– فصل صارم للسلطات تكون فيه السلطة التشريعية باعتبارها مكتشفة القواعد القانونية العملية المذكورة مستقلة بالكامل، وتمثل بصورة حقيقية مصدر كل القوانين في البلد.
– السلطتان التشريعية والقضائية منسوجتان من نسيج أخلاقي لحمته وسداه خليط من وما ينبغي أن يكون.
– سلطة تنفيذية يقتصر عملها على وضع الإرادة السيادية موضع التنفيذ، ويسمح لها بإصدار لوائح ادارية مؤقتة وضيقة النطاق تتسق مع تلك الإرادة.
– وضع تكون فيه القواعد القانونية العملية القائمة على الأخلاق في خدمة المجتمع وتدعم المجتمع كمجتمع وتخدم مصالحه ككيان مؤسس أخلاقيًا، و يشمل هذا جرعة شافية من المساواتية ونظام عدالة اجتماعية قائم على القرآن.
– مؤسسات تعليمية على كل المستويات، يصممها ويديرها مجتمع مدني مستقل بالكامل وتشكله جدلية الشروط الخمسة السابقة.
– نظام تعليمي ابتدائي وعال يطرح أسئلة عن معنى الحياة الفاضلة الأخلاقية فلا يجري التعامل مع العقل على أنه أداة فقط.
– تحول مفهوم المواطن بنجاح إلى مفهوم المجتمع الأخلاقي النموذجي، الذي يرتبط كل فرد فيه بالآخرين بعلاقة أخلاقية متبادلة، ويختفي مفهوم السياسي بمعناه لدى شميت ومعه مفهوم التضحية المواطن.
– ممارسة أفراد الأمة المسلمة فن الاهتمام بالنفس ناظرين إلى أنفسهم جماعات وفرادى على أن أنهم امتداد للكون الأخلاقي.
لو حدث هذا كله، فلن يكون كافيًا لتنجح هذه الدولة في ظل عالم معولم وحداثة مأزومة فاقدة للمعنى، ونظام دولتي صار لا يأبه إلا بذاته ولا يعمل إلا لذاته، مخلفًا وراءه كل قيمة أخلاقية ورافضًا لها تمامًا، ذلك أن هذا الحكم يجب أن يعيش في مجتمع من الدول الحديثة القائمة على أساس معايير مادية تمامًا أسقطت السؤال عن المعنى لصالح الجري وراء الربح والمنفعة والكفاءة.
فما زال العالم ممتلئًا – وسيظل – بدول على النمط الأوروبي تحيط بهذا النموذج الإسلامي المفترض من كل جانب، ورؤيتها للعالم مختلفة عن رؤيته تمامًا، وهذا كله في ظل عولمة تمتلك خاصية مختلفة عما سبق من أشكال التعاون الدولي، فهي ليست ظاهرة اقتصادية فحسب، بل هي اقتصادية بصورة مؤذية وسياسية وثقافية بصورة كثيفة ومتغولة، وهذا النظام العولمي الليبرالي متعد لحدود الدول، ويعكس أيديولوجية الدولة الليبرالية التي أسهمت في بزوغه.
فالمعاني والحوادث العالمية تتشابك في الحياة المحلية بسبب تكنولوجيا الاتصالات، ما يجعل هذه المعاني العالمية في تكشفها جزءًا لا يتجزأ من المحلي، والدولة والعولمة في علاقة جدلية ومستمرة من الاحتكاك المستمر والتعاون بينهما، وإذا كان الحكم الإسلامي لا يتوافق مع الدولة الحديثة، فإنه بالأحرى أقل توافقًا مع الشكل الحاضر أو المحتمل للعولمة باعتبارها الشكل الوحيد للحكم، وهنا تكون معضلة هذا الحكم المفترض معقدة جدًا للدرجة التي تجعل نجاحه في مهماته ضربًا من المستحيل، لأنه مطالب أن يكون ذاته في عالم ينكره تمامًا، ويحاربه.
العولمة وتحديات الحكم الإسلامي الثلاثة
أولاً: الطبيعة العسكرية للدول الإمبراطورية القوية
ثانيًا: التغولات الثقافية الخارجية
ثالثًا: السوق العالمية الرأسمالية الليبرالية الهائلة
وهي تحديات مترابطة ومتداخلة وليست مستقلة، وهوالأمر الذي يجعل الحكم الإسلامي تحت التهديد المميت للدولة الشيمتية (نسبة إلى كتابات كارل شميت عن الدولة)، كما أن الثقافة شكل خطيرمن أشكال التحكم، فكيف يمكن للحكم الإسلامي أن يصد قوى الثقافة المعولمة، وتلك المدعومة أشد الدعم من قوى العالم العظمى وضعية المذهب؟
فكيف يمكن لهذا النموذج أن يكبح تغول الشركات العملاقة المدعومة من تلك القوى، والتي تدفع منتجاتها إلى أيدي وأجساد وعقول المراهقين والبالغين في العالم الإسلامي على السواء، وكيف لهذا الاقتصاد الإسلامي القائم على تصور ذي طبيعة شرعية للعالم، لا ذو طبيعة سياسية، ويتأسس على ما يمكن أن ندعوه اقتصادًا أخلاقيًا أن يواجه ذلك؟ فالتحدي الاقتصادي يفرض تحديات قاسية يصعب على النموذج الإسلامي مواجهتها، فلكي يحقق الحكم الإسلامي أهدافه الاقتصادية لا بد أن يرضى بسوق عالمية مدعومة من دول ليبرالية، رأسمالية، وأسواق تهمين عليه شركات تسعى للربح دون وازع أخلاقي، ويتوافق مع منطق الشركة التي تمثل خلاصة تاريخ العداء للشريعة، كما أن النمو دون تنمية يتعارض مع العدالة، فكيف يحقق اقتصاد إسلامي المعادلة، وهو إذا اعتمد على المعونات يفقد استقلاله، فالإنسان الاقتصادي يرى المسلم الحق مثيرًا للفضول وضربًا من الشذوذ، ويجد الإنسان الاقتصادي المسلم، نظيره الحداثي غير عقلاني وجشِع وقصير النظر.
حجج خاطئة لطموحات مشروعة
عبر المقارنة بين نموذجي الدولة الأوروبية الحديثة والحكم الإسلامي، يؤكد حلاق أن افتراضات الخطابات الاسلامية الحديثة خاطئة عن الدولة الحديثة باعتبارها أداة محايدة للحكم، يمكن استخدامها في تنفيذ، وأداء وظائف معينة طبقًا لخيارات قادتها، قراراتهم، أن بمقدور قادتها أن يحولوا آلة الحكم (الدولة) إلى ممثل لإرادة الشعب بدلاً عن استخدامها للقمع، محققين حلمهم في
دولة إسلامية تطبق القيم والمثاليات المتأصلة في القرآن، وتلك التي حققها الرسول في دولته الصغيرة في المدينة، هو محض وهم كما تبينه طبيعة هذه الدولة النظرية والعملية.
وسشبه حلاق نظرة الخطابات الاسلامية الحديثة إلى الدولة الحديثة، بنظرة أرسطو، الأرسطيون إلى المنطق: أي كتقنية محايدة، أو كأداة توجه التفكير السليم فيما يخص أي موضوع، أو مشكلة في العالم، حتي أثبت المسلمون خطأ نظرته، فمتى تثبت خطأ وجهة نظر الخطابات الإسلامية للدولة الحديثة؟.
فالدولة الحديثة ليست محايدة ولا تستطيع أن تكون كذلك فهي تأتي بترسانتها من الميتافيزيقا، أشياء أخرى كثيرة، وهي تنتج آثارًا متفردة معينة: سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية ومعرفية ونفسية، ما يعني أن تلك الدولة تصوغ نظمًا معرفية معينة، تحدد بدورها وتشكل المشهد الذي تبدو عليه الذاتية الفردية والجماعية وبذلك تحدد قدرًا كبيرًا من معنى حياة رعاياها، لا كما يتوهم دعاة الدولة الإسلامية.
فبالرغم من تحولات وتغيرات الدولة عبر تاريخها حتى اليوم، إلا أن الثابت أنها لا تتوافق مع المتطلبات الأساسية للحكم الاسلامي، وجاءت العولمة فزادت من عمق عدم هذا التوافق، فهو عدم توافق أخلاقي في نهاية الأمر، فالدولة ككيان متمركز حول الإنسان تمتلك ميتافيزيقا تستقر ضمن حدودها بوصفها إرادة سيادية، وتولد الميتافيزيقيا معانيها الخاصة، فنظرتها المعينة إلى العالم هي من صنعها، وملتزمة بمعاييرها الخاصة، ولا يمكن لأي شكل من أشكال الحكم الإسلامي أن يقبل بذلك، فالحكم الإسلامي لا يمكن أن يسمح بأي سيادة، أو إرادة سيادية غير سيادة الله، وهو يلتزم بإرادة سيادية خارجة عنه، وأسمى منه، بينما تمثل سيادة الدولة الحديثة جدلية داخلية من التكوين الذاتي، فالسيادة تشكل الدولة وتتشكل بها، ومن الحتمي أن يصل هذان التصوران المتعاكسان عن السيادة إلى طريق مسدود.
والدولة الحديثة تنتج رعايا يختلفون اختلافًا عميقًا سياسيًا واجتماعيًا وأخلاقيًا ومعرفيًا ونفسيًا عما ينتجه أي شكل من أشكال الحكم الإسلامي، فذات الدولة الحديثة لا تصوغها الضرورة الأخلاقية كل الصوغ، فأخلاق التراث التقليلدية لا تنفي تنازعها تقنيات الذات المتمحورة حول الدولة، والتي تعمل بصورة نظامية ومنهجية على خلق المواطن القومي، وواجب الدولة ليس جعلنا خيرين لكن جعلنا أكفاء ومنتجين والمواطن المثالي هو المستعد للموت من أجل بلده، أمته والتضحية بالنفس في سبيل الدولة التي لا يأمر بها الإسلام دون ضوابط.
فالذات الحديثة شخصية صبغت بصبغة خارجية فلا أهمية لروحها، بل تقع قيمتها في تصور للحياة ذي طبيعة سياسية ومادية قائمة على الكفاءة، في حين أن النموذج الإسلامي للحكم يطرح ذاتًا على النقيض تمامًا من ذات الدولة الحديثة، حيث يؤكد على أهمية أن يعرف الإنسان مكانه ومكانته في هذا العالم، ويعرف طبيعته الزمنية، وأنه مخلوق كجزء من مجتمع وأسرة، ومسؤول، لا يمكنه تجاهل ما حوله، ويفهم تمامًا أنه لا يملك شيئًا في الحقيقة، وأنه ميت حتمًا ومحاسب، وتهدف الآثار الجمعية للحكم الإسلامي إلى صوغ الذات الأخلاقية التي تتفاعل بمسؤولية مع الروح الكونية ومع المجتمع والأسرة، والسعى إلى الرقي الأخلاقي، فكيف يمكن أن يلتقي هذان النموذجان المتناقضين؟
فكيف يمكن للمسلمين الساعين لبناء دولة إسلامية تبرير تلك التضحية؟ وكيف يمكن التوفيق بين مفهوم تضحية المواطن ونموذج الحكم الإسلامي، هذا إذا أقرت به الدولة الإسلامية؟ وكيف يمكن لمفهوم التضحية من أجل كيان لا أخلاقي أن يتلاءم مع سياق الحكم الإسلامي؟ كل هذه تساؤلات تعري أي حجج واهية يحاول الإسلاميون من خلالها تبرير إمكانية تطويعهم للدولة الحديثة.
ليخلص المؤلف إلى أن النخب المسلمة اليوم مدعوة لرفض التجربة القائمة على الدولة الحديثة في العالم الإسلامي باعتبارها فشلاً سياسيًا وقانونيًا ذريعًا، لا يمكن تعلم دروس منه: عن كيف يمكن للمسلمين حكم أنفسهم بطريقة مناسبة؟ فالنخبة القومية – بعد الاستعمارية – حافظت على هياكل القوة التي ورثتها من التجربة الاستعمارية، وغالبًا ما أتبعت نفس سياستها، فقد ورث هؤلاء من أوروبا دولة قومية جاهزة (بكل هياكل القوة المكونة لها)، في نفس الوقت الذي لم تكن فيه التكوينات الاجتماعية القائمة قد تهيأت لها على النحو المناسب، والمفهوم النموذجي للمواطن الذي لا تقدر الدولة على الاستمرار من دونه ظهر بشكل بطيء، كما أن الفراغات السياسية الباقية بعد انهيار البنى التقليدية لم تملأ بشكل مناسب، لذلك لم تستقر الدولة القومية في العالم الإسلامي حتى اليوم، فدول هذا العالم لم تستجب كما ينبغي لأي تحد حقيقي، حيث أخضع جهاز الدولة، مباديء حكم الشريعة وشوهها، ما أدى إلى فشل كل من الحكم الاسلامي والدولة الحديثة كمشروعين سياسيين، فالشريعة التي ظهرت في الدساتير بوصفها أحد مصادر التشريع أو مصدره الرئيس، ميتة مؤسسيًا، و مساءة الاستخدام سياسيًا، كما أن الدعوة المعاصرة لعودة الشريعة، لا تؤخذ على محمل الجد وغير جديرة بالاهتمام كنموذج أو مجال خطابي يمكن أن نتعلم منه ما يفيدنا في بناء دولة على النمط الأوروبي.
أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير؟
الدولة الحديثة في العالم الإسلامي ليست مصدرًا للإلهام، كما أن ما يطلق عليه شريعتها في حالة رثة، لذلك من الأفضل التركيز على الشريعة ذاتها، وما عنته للمسلمين على مدار اثنى عشر قرنًا قبل الحقبة الاستعمارية، عندما كانت ظاهرة نموذجية، وإذا أراد المسلمون اليوم تبني قانون الدولة الوضعي وسيادتها فإن ذلك يعني القبول بأننا نعيش في كون بارد نملكه، ونستطيع أن نفعل به ما نشاء، كذلك يعني هذا القبول، بأن ننحي جانبًا المبادئ الأخلاقية للقرآن والشريعة التي قامت على الأخلاق لقرون، لمصلحة قوانين متغيرة صنعها الإنسان، وأقرت من بين ما أقرت السيطرة على الطبيعة نفسها وتدميرها، وهي التي خلقها الله للبشرية للتمتع بها على أساس المسؤولية الأخلاقية.
لقد تغلغلت في عالم الإسلام الخطابي وأشكال معرفته توصيات أخلاقية وسلوك أخلاقي أملتها الشريعة، بينما تنتشر الآن نزعة الوضعية والسياسة والسياسي، إضافة إلى مفاهيم المواطنة والتضحية السياسية، وبينما يدفع قانون الدولة الحديثة المواطن إلى بذل طاقته وحياته للدولة، فإنه لا يخضع لأي التزام أخلاقي كي يفعل ذلك، فالدولة لا تعترف إلا بالحقائق، وبما هو كائن ويكونها، فعالم الدولة فارغ من القيمة والدافع الأخلاقي بدرجة كبيرة، وتعتمد من خلال القانون على حياة المواطنين وطاقتهم للدفاع عن هذا العالم الذي لا قيمة له والقتال من أجله، فهل يعني ذلك أن يضحي المواطن بنفسه من أجل دولة لا تعرف قيمة ولا واجبًا أخلاقيًا ولا خيرًا خارج خيرها؟ إن من واجب المسلمين المعاصرين أن يتصدوا لهذا السؤال بصورة مباشرة ومن دون مواربة.
كما أن سعي المسلمين اليوم إلى تبني نظام للفصل بين السلطات الخاصة بالدولة الحديثة ليس سوى رهان على صفقة أقل شأنًا مما ضمنوه لأنفسهم عبر قرون كثيرة من تاريخهم، وتمثل الصفقة الحديثة سلطة الدولة التي تهدف إلى ديمومتها وسيادتها وخدمة مصالحها هي نفسها، وفي المقابل لم تخدم الشريعة الحاكم أو أي شكل من السلطة السياسية لأنها لم تصمم لهذا الغرض؛ فهي خدمت الجميع القوي والضعيف، ولم تكن غاية في الديموقراطية فحسب بل كانت إنسانية بطرق غير معهودة في الدولة الحديثة، ونجحت الشريعة (قانون الحكم الإسلامي) في اختبار تشكيل حقوق ثابتة لا تخضع لسلطة أية حكومة، وغلبت حكم القانون على حكم الدولة حتى إننا نرى في صيغة حكم القانون نوعًا من تشابه اللفظ واختلاف المعنى: ففي السياق الإسلامي تكتسب الصيغة مفهومًا غليظًا لما يعنيه حكم القانون، بينما يكون المفهوم في السياق الأوروبي – الأمريكي، مثقلاً بمشكلات كثيرة، ففيما يخص حكم القانون، ليس لدي الحكم الإسلامي النموذجي إلا القليل مما يمكن أن يتعلمه من نظيره الحديث، لأن طبيعة الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية في الإسلام كانت أكثر دقة في تجسيد معنى هذا الفصل وهدفه، وأكثر تفوقًا قياسًا بما نجده في الدولة الحديثة النموذجية، ومن ثم فليس لدى المسلمين من الأسباب ما يدفعهم إلى اختيار قانون الدولة الحديث، لأنهم مازالوا يتمتعون بثقافة قانونية أصرت لأكثر من اثني عشر قرنًا على قانون ذي بنية نموذجية، أي قانون أعطاه لحمته وسداه مصدر أخلاقي شامل.
الخيار الحاسم
بعد هذا الاستعراض الشامل لأي حجج واهية لمحاولة تطويع الدولة الحديثة لتصبح إسلامية يدعو المؤلف النخب الإسلامية أن يواجهوا الخيار الحاسم الذي تأخر قرنين كاملين في لحظة تاريخية مثالية:
فإما أن يستسلموا للدولة الحديثة والعالم الذي أنتجها، وإما أن تعترف الدولة الحديثة والعالم الذي أنتجها بشرعية الحكم الإسلامي، أي بنظرة المسلمين إلى الكيان السياسي والقانوني، إضافة إلى ما هو أكثر أهمية من ذلك، أي الأخلاق ومتطلباتها السياسية والاقتصادية المندرجة تحتها، و كلا الأمرين متعذر التحقيق.
وإما البحث عن خيار ثالث بين أيديهم، أهملوه طيلة قرنين كاملين، وآن الأوان كي يعيدوا له حياته وحيويته، عبر معاناتهم المطلوبة لتحقيق ذلك، وهو ما يدعو حلاق النخب المسلمة لتجريبه وتقييمه كدواء لمشاكلهم ومشاكل العالم كله مع الحداثة ودولتها.
الرد على اعتراضات قد تثور حول صلاحية هذا النموذج
البعض قد يرى ما يقوله المؤلف نوعًا من الماضوية أو الطوباوية الحالمة مما يستلزم الرد على هذه الاعتراضات، ومن هذه الاعتراضات رمي هذه المحاولة لاستعادة الشريعة للحياة لإنقاذ كوكبنا من آثار الحداثة ودولتها بالماضوية، والمؤلف يرد على هذه الدعوى بأن استعادة الأساس الأخلاقي التاريخي ليست استعادة لممارسات ومؤسسات ما قبل حديثة، بل تعني البناء على تصور للعالم يؤكد قيم الإرشاد الأخلاقي وعلى فاعليته، فهي محاولة لاستعادة القيم العليا والشاملة التي حددت الإسلام، وطرائق حياته على مدار ألف عام نموذجي، وليست محاولة لإرجاع شريط المشروع الحديث إلى الوراء، خاصة أن تلك القيم لا تزال توفر إجابات للمشكلات البيئية واللجتماعية، النفسية – الروحية التي خلقتها الحداثة، كما أن تهمة الماضوية لا تنهض على أساس في جوهرها لأنها تفترض مسبقًا وبصورة ضمنية وجود مبدأ لا يصمد هو نفسه أمام التمحيص، وهذا المبدأ هو التقدم الحديث، فعقيدة التقدم لا تمتلك أساسًا أو مرجعًا إلا بذاتها على التوالي فهي مصدر السلطة بالنسبة إلى نفسه، وتكتسب صفة الإلوهية على هذا الأساس.
ومن ثم يكون المشروع تمامًا استدعاء نطاق مركزي للأخلاقي من الماضي أو الحاضر يمكنه أن يوفر لنا مصدرًا للإحياء الأخلاقي، وعلى الرغم من كون الماضي بائدًا ماديًا ومؤسسيًا، فإن مبادئه الأخلاقية ليست كذلك، وعلى هذا الأساس فإن استدعاء نموذج الحكم الإسلامي، هو على القدر نفسه من المعقولية و المشروعية، مثل استدعاء أرسطو والإكويني أو كانط (ص 56).
خاتمة
ينبع الكفاح السياسي والقانوني والثقافي لمسلمي اليوم من قدر من غياب الانسجام بين تطلعاتهم الأخلاقية والثقافية من جهة، والواقع الأخلاقي للعالم الحديث من جهة أخرى، وهو عالم لا بد لهم من العيش فيه، وإن كانوا لم يصنعوه بأنفسهم (ص 33)، وستظل محنة المسلمين وفشلهم في صنع حاضرهم ومستقبلهم ما داموا مصرين على اتخاذ الدولة الأوروبية الحديثة نموذجًا يمكن تطويعه ليكون حكمًا إسلاميًا، فهو طريق محكوم عليه بالاستحالة مهما حاولوا، وتجربة القرنين الماضيين خير شاهد على ذلك.
فالاستعمار الأوروبي لم يستطع الهيمنة على البلاد الإسلامية خلال القرن التاسع عشر من دون تفكيك الأبنية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي اعتمدت على حد كبير على قواعد وقوانين، قيم الشريعة، وهو ما دعاه لاستئصال الشريعة التي كانت عائقًا أمام توسع أوروبا السياسي وسيطرتها الاقتصادية، وأنشأ في عالم المسلمين دولاً بالاسم فقط، خلقها كتخيلات قانونية في القرن الماضي، لتحكم مجتمعات مجزأة بالأساس، قائمة على وحدات قبلية أو محلية أخرى، هي محل الولاء السياسي، ليستطيع التحكم في مقدراتها حتى بعد رحيله، وقد نجح في ذلك نجاحًا باهرًا، حتى إن النخب المسلمة نسجت على منواله بعد رحليه وحتى اليوم، وهو الأمر الذي يكشف عن السبب الرئيس في الخيبة المستمرة التي تعاني منها هذه المجتمعات حتى الآن.
والأزمة الراهنة والمستحكمة والممتدة لأكثر من قرنين من الزمان في عالم المسلمين مع حداثة غربية لم يستطيعوا التكيف معها أو تطويعها، لم تعد تخصهم وحدهم، بل صارت أزمة الكوكب الأرضي كله بفعل تطورات هذه الحداثة السلبية، وعولمتها المتوحشة الباردة التي لم تعد تقيم وزنًا للقيم، بعد أن أطلقت العنان للمصالح المتحررة من أي معان أخلاقية؛ مما يجعل هناك ضرورة لإخضاع هذه الحداثة ذاتها لنقد أخلاقي جاد وعميق يعيد هيكلتها من جديد حتى نضمن استمرار بقاء الإنسان المادي والروحي على الأرض (راجع في ذلك الصفحات من 293-297).
ويبقى الكتاب سواء أتفق البعض مع أطروحاته أو رفضها، في مجمله دفقة فكرية ساخنة، قادرة على بعث النشاط في العقل العربي المسلم، ودفعه دفعًا للتفكير في كثير من قضاياه ومسلماته بشكل مغاير، ودليل عمل بحثي وعملي يحتاج من مؤسساتنا البحثية تبنيه والإنفاق عليه والاشتغال على قضاياه الكثيرة والهامة المتعلقة باجتماعنا، ونظم حكمنا، وتقنيات الذات، ووسائل الضبط الاجتماعي، وقضايا البيئة، والعولمة لتطرح أجندة بحثية شاملة جديرة بكل تأييد وإنفاق سخي يعيد النظر في مجمل مقولات العرب المسلمين الفكرية حول الدولة، وصولاً إلى ابتناء نموذج جديد للحكم والسياسة والاجتماع يدخل العرب المسلمين عالم اليوم فاعلين، قادرين على ترك رسالة قوية وخطاب قوي، يلفت انتباه المفكرين والعاملين من أبناء آدم على محاولة إنقاذ كوكبنا من عولمة ضارية تحتمي بدولة لا تعرف سوى ذاتها ولا تطمح أكثر من خلق ذوات تسبح بحمده هدفها: الربح والكفاءة والاستهلاك دون حدود أو قيود.
وهنا تمامًا تكمن قيمة ما يمكن أن تقدمه الشريعة للمسلمين وللعالمين، فقد بقيت الشريعة على الرغم من آثار الاستعمار، مجال النطاق المركزي للأخلاق في عالم المسلمين بصورة أقوى مما كانت عليه في القديم؛ فبينما اندثرت مؤسساتها، تفسيراتها، وشخوصها لا تزال آثارها الأخلاقية صامدة بإصرار لا يتزعزع، فمن خلال النطاق المركزي الأخلاقي وشروطه، يمكن للمسلمين الآن أن يشرعوا في الإفصاح عن أشكال حكم جديدة، وبنائها على نحو تكون فيه قابلة للتطوير أكبر وأقوى على النمط نفسه، ويتطلب هذا تفكيرًا بعيدًا عن التقليد والنمطية، وقدرة أصيلة على التخيل، حيث ينبغي إعادة التفكير في الوحدات الاجتماعية التي تصنع النظام الاجتماعي – السياسي الأكبر على أساس مجتمعات أخلاقية تحتاج من ضمن ما تحتاج إلى أن يعاد لها ثراؤها الروحي، كما يمكن للمسلمين ونخبهم الفكرية والسياسية خلال عملية بناء المؤسسات الجديدة التي تتطلب إعادة صياغة قواعد الشريعة، وتقديم تصور جديد للمجتمع السياسي، أن يتفاعلوا مع نظرائهم الغربيين فيما يخص ضرورة جعل الأخلاقي النطاق المركزي.
هذه هي رسالة وائل حلاق في كتابه الدولة المستحيلة الذي خصصه لرسالة تنبيه لمسلمي اليوم ودورهم المنتظر وفرصتهم لإنقاذ أنفسهم، والمساهمة في إنقاذ عالمهم استهداءً بوحي حضارتهم وقيمهم المركزية، ليقدموا لأنفسهم ولعالم اليوم المأزوم صيغًا جديدة للسياسة والاقتصاد والاجتماع انطلاقًا من الشريعة الإسلامية تسهم في ترشيد واقعنا المتحير الضائع.
فالأجيال الجديدة من المسلمين الذين يرون صلاحية الإسلام لكل زمان ومكان عليهم أن يغيروا منهج تفكيرهم وأولويات عملهم لينجزوا هذا التحدي التاريخي الكبير الذي قد يسهم – إن تحقق – في تغيير حركية تاريخ العالم في المستقبل.