ترجمة وتحرير نون بوست
تميل الدول المتقدمة للتعامل مع أفريقيا باعتبارها كيان واحد، فالعديد من المؤتمرات الاقتصادية تُعقد ما البلدان وأفريقيا، كقمة الولايات المتحدة وأفريقيا، قمة الصين وأفريقيا، قمة روسيا وأفريقيا..الخ.
لكن أفريقيا ليست دولة، إنها قارة مؤلفة من 54 دولة مستقلة ومتنوعة باقتصاداتها وثقافاتها ونظمها السياسية، والدول الأفريقية هي المذنبة باستدامة هذا المعاملة النمطية للقارة؛ فالعديد من البلدان الأفريقية فقيرة وضعيفة للغاية لدرجة لا تسمح لها بامتلاك سياسات اقتصادية وسياسية مستقلة، وهذا ما ساعد على تنامي الميل في القارة لتبني موقف جماعي عندما يتعلق الأمر باتخاذ قرارات بشأن السياسات الخارجية والاقتصادية، حيث استخدم الاتحاد الافريقي كوسيلة لتحقيق هذا الغرض.
تعد الموارد الطبيعية الأفريقية غير المستغلة عنصر الجذب الرئيسي للاستثمارات الأجنبية في أفريقيا، ولكن مع ذلك، يسفر افتقار هذه البلدان للبنية التحتية الملائمة وانعدام الاستقرار السياسي الذي يشوبها في كثير من الأحيان عن إحجام العديد من الشركات عن الخوض في غمار الاستثمار ضمن القارة السمراء، ومن هذا المنطلق، فإن التصويت في المحافل الدولية متعددة الأطراف لدعم مقترحات الدول المتقدمة هو العامل الوحيد الذي يمكنه ضمان هذه الاستثمارات.
الدولة الأكثر نموًا في أفريقيا
تتمتع دولة جنوب أفريقيا ببنية تحتية جذابة، وتعد حقيقة أكثر الدول نموًا في أفريقيا، وبناء على ذلك، أظهرت هذه الدولة نوعًا من الاستقلالية في سياستها الخارجية.
قدمت عودة ظهور إيران في معترك الاقتصاد والسياسة العالميين فرصًا وتحديات جديدة لجنوب أفريقيا؛ فإيران تحوز تاريخًا طويلًا مع جنوب أفريقيا يعود إلى أيام النضال من أجل التحرير.
وعلاوة على ذلك، يمتلك عملاق الاتصالات السلكية واللاسلكية في جنوب أفريقيا، شركة إم تي إن (MTN)، %49من أسهم شركة اتصالات إيرانسيل، كما تعد شركة إم تي إن قوة مهيمنة في نيجيريا، ومؤخرًا فرضت لجنة الاتصالات النيجيرية عليها غرامة تبلغ 5.2 مليار دولار لانتهاكها القوانين المرعية، والسؤال هنا: هل جاءت الاضطرابات التي يعاني منها عملاق الاتصالات الجنوب إفريقي ضمن نيجيريا على سبيل الصدفة أم أنها تتعلق، بطريقة أو بأخرى، بمشاركة إم تي إن في إيران؟
بجميع الأحوال، قد يمهد صراع الأعمال هذا الطريق أمام نشوب صراع أكبر بين القوتين الأفريقيتين؛ ففي 22 فبراير، باشر الرئيس النيجيري محمدو بخاري زيارة رسمية إلى المملكة العربية السعودية، وفي ذات الوقت تقريبًا، وتحديدًا في 29 فبراير، كان من المقرر أن يزور الرئيس الجنوب أفريقي، جاكوب زوما، الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
جنوب أفريقيا تزجر إيران
مصادفة زيارة أقوى دولتين أفريقيتين للخصمين السياسيين، إيران والسعودية، كانت ستسقطب اهتمامًا عالميًا خطيرًا؛ فلو كان الرئيس الجنوب أفريقي وصل إلى إيران حقًا، لكان تم اعتبار تلك الخطوة تأكيدًا فعليًا على الجانب الذي تنحاز إليه جنوب أفريقيا في خضم المنافسة القائمة بين المملكة العربية السعودية وإيران.
ولكن على عكس المتوقع، وفي 25 فبراير، تلقت جنوب أفريقيا زيارة غير متوقعة من وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، ليصدر بعدها بيان من الرئاسة يُعلن إلغاء رحلة الرئيس إلى إيران وتأجيلها لموعد لاحق.
وعقب ذلك، وفي 27 مارس المنصرم، بدأ زوما بزيارة رسمية للمملكة العربية السعودية، تم خلالها توقيع العديد من الاتفاقيات التجارية والاستثمارية بين البلدين، حيث ذكرت وكالة الأنباء الصينية شينخوا، بأن جنوب أفريقيا والسعودية اتفقتا على تعزيز التعاون لمكافحة التهديدات الإرهابية الإقليمية المنعكسة على الأمن والاستقرار الداخلي والإقليمي.
وفي غضون ذلك، دفعت شركة إم تي إن بشكل مفاجئ مبلغ 250 مليون دولار للجنة الاتصالات النيجيرية، في خطوة تبدو وكأنها خضوع من شركة الاتصالات لدفع الغرامة التي خُفضت إلى 3,9 مليار دولار، بعد أن منح القاضي في لاغوس في الشهر الماضي كلًا من شركة إم تي إن ولجنة الاتصالات النيجيرية مهلة حتى 18 مارس للوصول إلى تسوية، وعلى الرغم من أنه من غير المعلوم بعد ما إذا كانت شركة إم تي إن ستواصل دفع الغرامة بأكملها، إلا إن الزيارة السياسية للبلدين إلى المملكة العربية السعودية سهلت ربما من احتمالات التوصل إلى اتفاق.
وهنا يبزغ السؤال: كيف ستتعامل إيران مع زجر جنوب أفريقيا لها لصالح السعودية؟ وعلاوة على ذلك، وفي ضوء التزام جنوب أفريقيا بتوثيق علاقاتها مع السعودية ونيجيريا في مجال مكافحة الإرهاب، فهل هذا يعني بأن جنوب أفريقيا ستغير موقفها من سوريا؟
تصحيح السياسات لجهة سوريا
سبق لجنوب أفريقيا وأن امتنعت عن التصويت على قرار دولي بشأن سوريا في مجلس الأمن متحججة بأن القرار متحيز لصالح المعارضة، مما أربك العديد من الدول الغربية، ولكن الانسحاب الجزئي لروسيا، وهي حليف قوي لجنوب أفريقيا، من الصراع السوري، قد يترك آثاره على موقف جنوب أفريقيا من سوريا.
ومن هذا المنطلق، يجدر على جنوب أفريقيا تصحيح سياساتها لجهة سوريا، خاصة بعد فقدانها مسبقًا لكم هائل من مصداقيتها السياسية في الشرق الأوسط جرّاء سياستها الخارجية الغامضة تجاه ليبيا في عام 2011، حيث استقطب موقفها هناك وابلًا من الانتقادات سواء من الأفارقة أو العرب، ورأى الكثيرون سياساتها تجاه ليبيا على أنها تهدف لتعطيل قرار مجلس الأمن رقم 1973، الذي أذن بعمليات الناتو في ليبيا، وذلك بعد أن رفضت جنوب أفريقيا التصديق على القرار وانتقدت تنفيذه في وقت لاحق، ومن ذلك انتقاد زوما لبعثة الناتو قائلًا: “القرار مشوب بمحاولات تغيير النظام، الاغتيالات السياسية، والاحتلال العسكري الأجنبي”.
تشير المواقف السياسية والدبلوماسية الأخيرة ما بين جنوب أفريقيا والمملكة العربية السعودية إلى ابتدار حقبة جديدة من العلاقات بين البلدين، ولكن لا يزال علينا أن نرى كيف ستكون ردة فعل إيران على ذلك، وما هي الإغراءات السياسية الاقتصادية التي ستستخدمها لاغتنام ولاء جنوب أفريقيا.
المصدر: الجزيرة الإنجليزية