اعتاد الرأي العام الفلسطيني النظر إلى مواقف حركة المقاومة الإسلامية حماس السياسية على أنها مسيجة بأسلاك شائكة تباعد بينها وبين التلوث السياسي وتحميها من الانزلاق في مفاسد السياسة، وحمى الحركة الإسلامية تتجلى في تفاعل تفكيرها السياسي مع التصورات الدينية بعيدًا عن انسلاخها من أمهات القيم.
وبالتالي تجد الذهنية السياسية لحركة حماس نفسها محرجة في تعاطيها مع بعض المتغيرات على المسرح الإقليمي، وإن كانت الحركة تؤكد دائمًا على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية.
يبدو لهذه النظرية حدود لم يتم إدراكها في عوالم الفكر السياسي للحركة الإسلامية الفلسطينية في بدايات النشأة ربما لطبيعة الظروف السياسة التي كانت سائدة في تلك الفترة، فالأحداث الحرجة التي شهدتها المنطقة العربية في اللحظة الاستراتيجية في انطلاقة الربيع العربي عام 2011، دفعت الحركة وبشكل انسيابي حجارة الشطرنج في قواعد المبادئ القابلة للتعديل، وهي مجبرة على ذلك بعد أن اخترقت إرهاصات الثورات العربية جدران السياسة إلى ساحات الأمن القومي للشعوب والمنطقة العربية جراء عمليات التدافع الكثيفة التي حصلت مع انطلاقته.
وكان الانقلاب على الرئيس المصري محمد مرسي في عام 2013 من أقوى آثار عمليات التدافع والتي لم تكن لصالح الحركة الإسلامية الفلسطينية، وأخذ النظام الجديد موقفًا معاديًا للحركة معتبرًا إياها امتدادًا لجماعة الإخوان المسلمين في مصر؛ ما وضعها في موقف بغاية الصعوبة، بعد أن تبنت بعض المواقف الإيجابية فيما يتعلق بحريات شعوب المنطقة، مستمدة نفسها آنذاك من النظام المصري الجديد الموالي للقضية الفلسطينية والرئيس المقرب منها، وكانت الحركة ترى بنظام مرسي بديلاً عن حلفاء باعدت المواقف السياسية بينهم.
والآن وبعد مرور ثلاث سنوات على الانقلاب الذي نفذه الجيش المصري على الرئيس محمد مرسي بقيادة عبد الفتاح السيسي واستلامه مقاليد الحكم في مصر، يسأل سائل كيف لحركة حماس أن تصالح النظام المصري الجديد بعد أن أمعن في حصار قطاع غزة والوقوف إلى جانب الاحتلال الإسرائيلي في حرب 2014 على قطاع غزة.
لا يوجد أمام الحركة إلا خيار التصرف براغماتيًا مع النظام المصري الجديد وقلبها كارهًا له من غير تبني مبادئ الميكافيلية السياسية، والتصرف البرغماتي هذا لا يضع الحركة في موقف متناقض مع نفسها أو يجبرها على شطب مواقف سابقة أو إلغاء توجهات سياسية أو التخلي عن حلفاء لها.
تسعى حماس من وراء هذا التصرف إلى تحقيق مجموعة من الأهداف وهي:
1. التوصل إلى آلية مع المصريين لفتح معبر رفح.
2. وقف الجانب المصري ضخ المياه في القناة التي أنشأها على حدود قطاع غزة والتي تركت آثارًا سلبية على الأنفاق وعلى التربة والمياه الجوفية على طول الخط الحدودي.
3. إطلاق سراح الشبان الأربعة الذين تم اختطافهم قبل عدة شهور.
4. عودة الرعاية المصرية للمصالحة الفلسطينية.
5. استئناف المفاوضات غير المباشرة مع الاحتلال الإسرائيلي حول بنود وقف إطلاق النار في اتفاقية التهدئة الأخيرة التي أنهت الحرب على قطاع غزة قبل عام.
6. قد ترى الحركة في عودة العلاقات مع مصر فرصة لتخفيف الحكومة المصرية من رفضها للشرط التركي الثالث في تطبيع العلاقات مع إسرائيل والذي ترفضه القاهرة وهو رفع الحصار عن قطاع غزة عبر بناء الميناء البحري.
وبالتالي إن تمكنت حماس من تحقيق هذه الأهداف من خلال تصرفها البراغماتي مع الحكومة المصرية سيحقق مكاسب لسكان القطاع المحاصر، ويشكل هذا السلوك نافذة قوية للحركة حتى تحقق مبتغاها.