أحد المعلقين على الخلاف القائم بين جماعة فتح الله كولن وحكومة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان قال: “الجماعة ولأول مرة في تاريخها تتجرأ على مواجهة حكام تركيا.. يبدو أن أخلاق الحاكم أغرتهم”، مشيرا إلى مراحل كثيرة في تاريخ الجماعة دعمت فيها كل من وصل إلى الحكم بمن فيهم العسكر الذين أطاحوا برئيس الوزراء الأسبق نجم الدين أربكان، وكذلك حكومات حزب الشعب الجمهوري وحكومات علمانية ويسارية متطرفة منعت الحجاب وضيقت على المسلمين.
الجماعة تسرب وثائق سرية:
في الأيام الأخيرة قامت صحيفة “طرف” المحسوبة على جماعة فتح الله كولن بنشر وثيقة قالت بأنها صادرة عن مجلس الأمن القومي، الذي كان يترأسه الرئيس التركي السابق نجدت سيزار ويشارك فيه رجب طيب أردوغان، وذلك في سنة 2004، حيث توصي الوثيقة بالحد من أنشطة الجماعة وتعتبرها تهديدا على الأمن القومي التركي، وهو ما أثار ضجة إعلامية كبيرة تتهم أردوغان بالتواطؤ مع العسكر على الجماعة.
والرد على هذه الوثيقة جاء خلال ساعات، على صحيفة “خبر 7” المحسوبة على حزب العدالة والتنمية، حيث بدأ الكاتب بالقول: “وثيقة صحيفة طرف تشعرنا بأننا في حاجة إلى أن نراجع أنفسنا من أين أتينا وإلى أين وصلنا”، مؤكدا أن الوثيقة سليمة ولكنها قديمة، مشيرا إلى أن ذات الوثيقة نشرت منذ سنوات في نشرية داخلية لجماعة كولن، مؤكدا أن الجماعة استخدمت الوثيقة آن ذاك لتشير إلى الصعوبات التي يواجهها أردوغان وإلى “البطولات” التي خاضها في وجه العسكر للدفاع عن الجماعة.
ويقول الكاتب، بأنه رفقة عدد من أبرز الصحفيين الأتراك، من بينهم ممثل صحيفة “زمان” التابعة للجماعة، جلسوا مع أحد أعضاء مجلس الأمن القومي الذين حضروا الاجتماع الذي قدمت فيه التوصية بالحد من نشاط الجماعة، ونقل عنه قوله: “خلال الاجتماع بدأ الجنرال شينار ارويجور بقراءة توصية أعدها هو ليقدمها للمجلس، قال فيها بضرورة الحد من نشاط جماعة فتح الله كولن ووصفها بالمتشددة والظلامية”.
الأمر الذي ذكرته الجماعة في نشريتها الداخلية قبل سنوات وحاولت إخفاءه الآن، هو ما ذكره العضو السابق في المجلس قائلا:” بينما كان الجميع يصغي إلى كلمة شينار، خرج صوت عالي يقول “اخرس يا هذا”، كان ذاك رد أردوغان على تصريحات الجنرال في ظل ذهول كل من حضروا الاجتماع من قيادات عسكرية ورئيس الجمهورية وقيادات أمنية رفيعة المستوى”.
الغريب في الأمر، هو أن الجماعة -كما كل المتابعين- تعلم جيدا أن أردوغان وقف سدا منيعا أمام محاولات الإطاحة بالجماعة، والأغرب من ذلك هو أن الجماعة تعلم أن الجنرال الذي قدم تلك التوصية يقبع الآن في السجن بعد محاكمته بتهمة محاولة الانقلاب، والأشد غرابة من هذا كله، هو أن الجماعة وعلى لسان فتح الله كولن عارضت محاكمة هذا الجنرال وغيره من الجنرالات المتورطين في قضية أرغينيكون.
سبب التصعيد:
تصاعد الخلاف بين حزب العدالة والتنمية ورجب طيب أردوغان من جهة، وجماعة ما يسمى ب”الخدمة” التابعة لفتح الله كولن في الأيام الأخيرة بسبب القانون الذي أقرته الحكومة التركية بإلغاء قانون مراكز المذاكرة والامتحانات الخاصة وتحويلها إلى مدارس تعليمية خاصة تعمل وفق المناهج التربوية الحكومية.
ورغم تأكيد الحكومة التركية على أنها لا تعمل على إغلاق هذه المراكز وإنما تريد تحويلها إلى مدارس خاصة حتى تقدم فائدة أكبر للطلاب، فإن الجماعة، التي تمتلك ما لا يقل عن ربع عدد هذه المراكز في تركيا، ترفض هذا القرار بالكامل، وتصوره على أنه غلق لمؤسسات تعليمية ضخمة، ووصفه فتح الله كولن قائلا: “إنهم يريدون غلق أبواب الجنة”.
ورغم إدلاء فتح الله كولن بتصريحات مطولة يوم أمس حول هذا الملف، فإنه لم يقدم سببا موضوعيا حول تمسك الجماعة بالصيغة الحالية لهذه المراكز، واستماتتها في رفض القانون الجديد، واكتفى بالحديث عن أن هذه المراكز هي ملك للأمة التركية وبأن الحكومة لا تمتلك حق غلقها، كما هاجم من سيعون إلى غلقها.
وتوجه فتح الله كولن إلى أنصاره وإلى كل أعضاء الجماعة داعيا إياهم إلى معارضة هذا القرار وإلى الاجتهاد في منعه، وطالبهم بالانحياز إلى “الحق والمنطق”، قائلا: “عدم التشبث بالحق، هو انحياز للباطل”، مضيفا: “لا تقفوا غير مبالين في وجه هذا المخطط الذي يهدف إلى غلق هذه المؤسسات، ستدافعون قطعا على هذه المؤسسات، ستدافعون عنها بأخلاقكم التي نشأتم عليها”.
أسباب أخرى:
ويذكر أن أردوغان وحكومته تقدموا بذات القرار في سنة 2004 إلى رئيس الجمهورية السابق نجدت سيزار، غير أن المعارضة أقامت حملة شرسة ضده وقالت بأن هذا القرار سيؤدي إلى إجبار الدولة على دعم المراكز التابعة للجماعة حتى تتحول من مراكز مذاكرة وإعداد للامتحانات إلى مدارس تعليمية خاصة، مما أدى إلى رفض القرار من قبل الرئيس التركي آن ذاك.
ويذكر أيضا أن الجماعة آن ذاك أشادت بالقرار وبجهود أردوغان ولم تعارض القانون بتاتا، وهو الأمر الذي يجعل المتابعين لملف الخلاف القائم بين جماعة فتح الله كولن وحكومة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان يرجعون التصعيد إلى أسباب أخرى، نشرت في تقرير خاص لنون بوست في وقت سابق، من بينها رئيس جهاز الاستخبارات التركي هاكان فيدان، وسفينة مرمرة للمساعدات الإنسانية.