ببساطة ما ستقوم به السعودية وانشغلت به كل المواقع خلال اليومين الماضيين هو إنشاء صندوق سيادي هو الأكبر من نوعه في العالم سيُعوّل عليه من قِبل اقتصاد المملكة على التخلي عن دولة النفط إلى دولة تعتمد على الاستثمارات وعائداتها بدلاً من عائدات النفط المتقلبة، الصندوق بحسب ما قال الأمير سيبلغ حجمه 2 ترليون دولار وسيكون قادرًا على شراء شركات كبيرة مثل آبل ومايكروسوفت وألفا وغيرها.
لا يوجد شيء جديد في الموضوع بحكم أن المملكة تمتلك بالفعل صندوق سيادي ولكن هذه المرة سيكون أكبر، وخطوة تغيير النموذج المتبع من دولة تعتمد على إيرادات النفط إلى أي نموذج آخر كان سيطبق عاجلاً أم آجلاً، ما كان منتظر من المملكة هو أعمق من هذا، يتعلق بطريقة إدارة الاستثمارات! من سيدير الصندوق، كوادر وطنية أم أجنبية؟ مواطن الاستثمارات التي تنوي المملكة الاستثمار فيها، هل ستكون في الدول العربية أم ستتركز كلها في الاقتصاديات المتقدمة؟ وتزيدها تقدمًا وازدهارًا!
هذه الأسئلة هي التي يجب أن تُطرح ويتم الإجابة عنها، وبنفس الوقت لا يهم كم حجم الصندوق 2 ترليون أم 10 ترليون، فالمملكة بالأصل تمتلك احتياطيات نفطية ضخمة وهي ثاني أكبر المنتجين في العالم بأسره وتتحكم بأوبك، حيث تنتج في اليوم قرابة 11 مليون برميل. وفي النهاية تعرضت لصدمات خارجية وداخلية بسبب تقلب أسعار النفط جعلها تعيد حساباتها، وبمعنى آخر لم تستطع مؤسسات المملكة إدارة تلك الثروة بالشكل الأمثل لإنتاج نموذج اقتصادي يتطور مع الوقت ليكون بديلاً عن النفط فيما بعد، ولكن تبين أن ما فعلته المملكة كان تكديسا للأموال ووقعت في فخ “المرض الهولندي” الذي تعاني منه الدول عندما تعتمد في موازناتها على الموارد الريعية. وكانت النريوج قد تعرضت لهذا في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي وعلى إثره انشأت الصندوق السيادي الذي يعد الأكبر عالميا اليوم، تديره بطريقة متميزة جدا تشهد لها كل دول العالم ومؤسساته.
الإدارة هي الأساس، سنغافورة بلد لا تحتوي على ثروات واستطاعت من خلال إدارتها الناجحة أن تحطم أرقام قياسية في كل المؤشرات الاقتصادية، الفكرة ليست في المال فقط، ألمانيا واليابان لم يجد الاقتصاديون أي تعبير لوصف النهضة الاقتصادية لهما سوى “المعجزة الاقتصادية” بعد ما حققتاه إبان الحرب العالمية الثانية بسبب إدراتهما للموارد البشرية والطبيعية بشكل متميز جدًا.
المشكلة في استراتيجية المملكة لا تقتصر على أسعار النفط أو نقص في الأموال بقدر ما هي نقص في الخبرات والكوادر الوطنية التي تدير الثروة الوطنية وفق آليات وقواعد منتظمة تهم بالدرجة الأولى المصلحة الوطنية، وكان من الأفضل للمملكة لو تنشئ برنامج لتنشئة رجال أعمال وطنيين ترسلهم إلى الخارج للتدريب ليعودوا إلى المملكة ويستلموا دفة إدارة الشركات الوطنية والاستشارات بدلاً من الاستعانة بمستشارين ومدراء أجانب، وتطوير المناهج التعليمية الوطنية لتكون منافسة على مستوى العالم للارتقاء بمستوى التعليم وتخريج طلاب بارزين يكون لهم دور في مستقبل المملكة، ومن جهة أخرى بناء علامات تجارية بدلاً من الاعتماد على العلامات التجارية الأجنبية؛ من خلال بناء شركات كبيرة مثل “نستله” بدلاً من أن تستثمر فيها في سويسرا وشركات تدير أصول مالية مثل شركة “بيركشاير هاثاواي”، وتبني شركة مثل “بلومبيوغ” وصحف كبيرة، بنوكًا في الصيرفة الإسلامية وتنشئ بورصة في ذلك، تعمل على بناء قاعدة إنتاجية تحقق لها شروط التنمية وتخفف من معدل البطالة والفقر.
عمليًا المملكة تملك صندوقًا سياديًا يسمى الأصول الأجنبية لمؤسسة النقد العربي السعودي ساما وقيمته تقدر 675 مليار دولار ومرتبته الثالثة على مستوى العالم بعد جهاز أبوظبي للاستثمار وصندوق التقاعد الحكومي النرويجي في المرتبة الأولى بقيمة 818 مليار دولار، والجدير بالذكر أن دولاً كثيرة لديها صناديق سيادية وتعتمد على استثمار أموالها في مجالات مختلفة وتقوم مؤسسة صناديق الثروة السيادية حول العالم بإحصاء محتويات تلك الصناديق وترتيبها حسب حجمها.
استراتيجية الصندوق النرويجي
1- أقصى حد ممكن أن يتملكه الصندوق في أي شركة لا تتجاوز 10% من رأسمالها.
2- هدف الصندوق تحقيق عائد بنسبة 4% سنويًا.
كما يعتبر القطاع المالي أكبر قطاع مستهدف للصندوق بنسبة حيازة تقدر بنحو 23.5% يليه قطاع الصناعات وبضائع المستهلكين بنسبة 14%، وفيما يلي النسب المئوية للاستثمارات في الصندوق:
أما أكبر الشركات من حيث القيمة في الصندوق،هي نستله السويسرية برأس مال قرابة 6 مليار دولار ومن ثم رويال دتش البريطانية، وشركة نوفارتيس السويسرية للأدوية، وبنك إتش إس بي سي البريطاني، ومجموعة روش السويسرية العملاقة للصيدلة، ومجموعة فودافون البريطانية.
في حين يمتلك الصندوق قرابة 7427 شركة حول العالم لذلك يُعرف عن النرويج أنها لا تفلس إلا إذا أفلس العالم بسبب التنوع في الاستثمارات وفي مواطن الاستثمارات حيث تتوزع الشركات التي يمتلكها الصندوق في كل أنحاء العالم وبحسب البيانات في نهاية 2012 فالشركات في الصندوق مقسمة على النحو التالي من حيث القيمة:
– 1508 شركة في أوروبا بقيمة سوقية تعادل 188 مليار دولار.
– 2231 شركة في أمريكا بقيمة سوقية تعادل نحو 119 مليار دولار.
– 2902 شركة في آسيا بقيمة سوقية تعادل نحو 53 مليار دولار.
– 287 شركة في أمريكا اللاتينية بقيمة سوقية تعادل نحو 9.5 مليار دولار.
فضلا عن شركات أخرى في الشرق الأوسط وشمال افريقيا.