ترجمة وتحرير نون بوست
أثارت المعركة الناشبة ما بين مكتب التحقيقات الفيدرالي وشركة أبل حول فك حماية جهاز الآي فون العائد لسيد رضوان فاروق، منفذ هجوم سان برناردينو، موضوع صناعة التكنولوجيا المزدهرة في إسرائيل، وذلك لأسباب ليس أقلها إلغاء طلب إجبار أبل على فك حماية جهاز الآيفون في جلسة المحاكمة الأخيرة، بعد أن صرّح مكتب التحقيقات الفيدرالي بأن طرفًا ثالثًا استطاع الوصول إلى طريقة بديلة لفك حماية الهاتف، وتنامي الدلائل ضمن وسائل الإعلام المحلية التي ترجح بأن هذا الطرف الثالث هو شركة أمن معلومات إسرائيلية.
ذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية، نقلًا عن “جهات فاعلة في القطاع على معرفة جيدة بالموضوع”، بأن شركة إسرائيلية تدعى سيليبرايت (Cellebrite)، والتي تقدم خدمات جنائية تتعلق بتكنولوجيا الهاتف المحمول لوكالات إنفاذ القانون خارج إسرائيل، ساعدت مكتب التحقيقات الفيدرالي في جهوده لفك حماية الهاتف، كما ذكرت الصحيفة بأن الشركة سبق لها وأن وقعت عقدًا مع وكالة إنفاذ القانون في الولايات المتحدة في عام 2013.
في 2 ديسمبر من العام الماضي، فتح فاروق وزوجته، تاشفين مالك، النار على تجمع في سان برناردينو بولاية كاليفورنيا، مما أسفر عن مقتل 14 شخصًا جراء الهجوم، ليتم قتلهما بعدها في تبادل لإطلاق النار مع الشرطة في ذات اليوم، وفي وقت لاحق، تم العثور على هاتف فاروق في سيارته التي كانت متوقفة أمام منزله في ريدلاندز.
وفيما بعد، أصرّ مكتب التحقيقات الفيدرالي في معركة قضائية مع أبل بأنه يجب على الشركة فك حماية جهاز الجاني لتحديد فيما إذا كان الزوجان قد تلقيا اتصالات من جماعات أو أفراد إرهابية.
أما فيما يتعلق بموضوع الطرف الثالث، فلم تستجب شركة سيليبرايت للأسئلة التي تم طرحها عليها، كما أن مكتب التحقيقات الفيدرالي امتنع أيضًا عن التعليق على هذه التقارير.
ولكن البعض مقتنعون بصحة التسريبات، حيث يقول أتشيام ألتر، مدير الأمن السيبراني في معهد التصدير والتعاون الدولي الإسرائيلي، لصحيفة الإنديبندنت: “أنا شخصيًا أعتقد بأن هذه التقارير صحيحة”.
سواء أتم تأكيدها أم لا، فإن هذه التقارير تسلّط الضوء على قطاع الأمن السيبراني الإسرائيلي، والذي أصبح من خلال اعتماده على القوى العاملة الموهوبة، ومن بينهم مخضرمو الحرب السيبرانية في الجيش الإسرائيلي، صناعة رائدة على مستوى العالم؛ ففي العام الماضي قاربت صادرات القطاع مبلغًا يصل إلى 3.5 مليار دولار، وذلك وفقًا للأرقام الحكومية التي صدرت بهذا الخصوص، كما لوحظ وجود اتجاه متنامٍ في السنوات الأخيرة لقيام شركات أجنبية، بما في ذلك شركات بريطانية، بشراء خدمات الشركات الإسرائيلية وبناء مراكز لها في اسرائيل، وفي خضم موجة النمو الإجمالي، توسعت شركة سيليبرايت أيضًا، حيث أضافت في العام الماضي سبعين عاملًا جديدًا إلى فريقها.
وفقًا للعمود الاقتصادي الذي تصدره صحيفة هآرتس، فإن شركة سيليبرايت طورت قدرات ليس فقط لاستخراج الصور والأسماء والتواريخ والرسائل من الهواتف المحمولة المحمية، بل أيضًا لاستخراج معلومات حول مواقع تنقل الشخص التي تلتقطها خدمة الأقمار الصناعية (GPS) وحتى المعلومات التي مسحها المستخدم أو ظن بأنه مسحها؛ فالشركة تمتلك تكنولوجيا خاصة تمكنها من استعادة المعلومات من الهواتف التي تم تدميرها بالكامل، أو التي أحرقت، أو حتى التي ألقيت في الماء، كما جاء في في تقرير هآرتس.
لفهم قدرة صناعة الأمن السيبراني الإسرائيلية وشركات مثل سيليبرايت، يجب علينا أن نتمحص بصلاتها العسكرية، وذلك على الرغم من أن الدعم الحكومي ودعم الجامعات يلعب دورًا مهمًا أيضًا في هذا الإطار؛ فالبحث عن عناصر للانضمام إلى جيش التكنولوجيا ضمن الشبان الإسرائيليين من ذوي الخبرة الإلكترونية يبدأ منذ سن الـ15 عامًا، وذلك قبل ثلاث سنوات من سن التجنيد الإلزامي، “الفرق بين إسرائيل والولايات المتحدة والمملكة المتحدة هو أنها تعتمد نظام الخدمة العسكرية الإلزامية”، يقول غادي تيروش، المدير الشريك في مشرع شركاء القدس، وهي شركة رأس مال استثماري تركز على الأمن السيبراني، ويتابع: “هذا يعني بأن الجيش يتمتع بحق الوصول إلى أفضل المواهب، وبالنظر إلى وحدات التقنية التي يتملكها الجيش الإسرائيلي والتي تحوز أفضل أنواع الخبرة والتعليم، فإن العناصر الجدد يتدربون على العمل على أفضل وجه”.
تركز شركة سيليبرايت على استقطاب قدامى العاملين الشباب في الوحدة العسكرية 8200، وهي وحدة عسكرية إسرائيلية كبيرة مختصة بتخابرات الإشارة وتعمل على جمع البيانات حول أعداء إسرائيل، وأصدقائها أيضًا على الأرجح، كما تشارك أيضًا في جهود الحرب السيبرانية؛ فقبل ثلاث سنوات، عينت الشركة نائبًا للمدير العام يدعى أمير لاحار، وهو من قدامى عناصر الوحدة 8200، حيث قضى 6 سنوات ضمنها، ووفقًا للشركة، قاد لاحار مجموعة من المشاريع هناك.
فضلًا عما تقدم، فإن جيل شويد، الرئيس التنفيذي لشركة تشيك بوينت في تل أبيب، والذي طور برنامج فاير وول 1 (Fire-Wall-1)، وهو أحد أفضل حلول الحماية لأجهزة الكمبيوتر المتصلة بالإنترنت، كان أيضًا من قدامى العاملين في الوحدة 8200.
تعوّل الصناعات العسكرية الإسرائيلية على كون معداتها مختبرة على أرض المعركة كنقطة قوة لترويجها في الخارج، وعلى نحو مماثل، تعمل صناعة التكنولوجيا الإسرائيلية اليوم على ترويج قدراتها الإلكترونية من خلال القول بأنها مجربة على أرض الواقع، “إسرائيل تعمل في الخط الأمامي للحرب السيبرانية، وعندما تكون في الخط الأمامي تستطيع الوصول إلى كم هائل من المعلومات والخبرة” يقول تيروش، ويتابع: “تعرضت إسرائيل للهجوم من قبل جميع الدول، حيث تشارك دول مثل إيران بنشاط في مهاجمة إسرائيل من خلال الحرب السيبرانية، وإن القدرة على كشف الاختراقات والدفاع ضد هذه الهجمات يضعها في طليعة التكنولوجيا الإلكترونية”.
على صعيد آخر، يقول جوناثان ميدفيد، الرئيس التنفيذي لشركة أور كراود (OurCrowd) التي يقع مقرها في القدس، والمتخصصة بدعم الشركات الناشئة من خلال جمع الأموال لها من المستثمرين، “خلاصة القول هو أنه يُتوقع من الجيش الإسرائيلي أن يقوم بأعمال كبيرة تحت ضغوط هائلة وضمن أوقات قصيرة، لأنه إن لم يعمل كذلك فسيتعرض أمن إسرائيل السيبراني لخطر حقيقي، ومن هذا المنطلق، فإن العمل في تلك البيئة هو تدريب إيجابي للغاية يسمح لك بترويج تكنولوجيا الأمن السيبراني في غمار عالم التجارة، حيث يجب عليك العمل بسرعة والوصول إلى النتائج بدقة، مع فارق أن المخاطر أقل شأنًا في عالم التجارة”.
يضيف ميدفيد، بأن قدامى التكنولوجيين العسكريين الشباب يتمتعون بتدريب يعد الأكثر ملائمة والأفضل جودة، ويتابع متسائلًا:”هل تفضل الاعتماد في مجال الحفاظ على أمن فضائك الإلكتروني على شخص بهذه الخبرات أم على شخص تخرج من الجامعة؟”.
المصدر: الإنديبندنت