يمتاز النظام السياسي الإيراني بأن السلطة السياسية ليست متركزة في يد فرد واحد أو جماعة أو مؤسسة واحدة؛ حيث إنها تخضع لسيطرة العديد من مراكز السلطة الرسمية وغير الرسمية التي تترابط معًا عبر شبكة فضفاضة وتتمتع في بعض الحالات بقدر نسبي من الاستقلالية.
يتحدث هذا المقال عن المؤسسات غير الرسمية التي تؤثر في صناعة القرار الإيراني ولتوصيف هذه المؤسسات وتبسيطها سيتم تقسيمها إلى حلقات يتم من خلالها الكشف عن الفئة المسيطرة على هذه المؤسسات.
تتضمن الحلقة المركزية في النظام مجموعة من رجال الدين ذوي النفوذ، يتبنون الاتجاه المحافظ في المسائل السياسية الاجتماعية، وتمثل هذه المجموعة أقوى أجهزة صنع القرار في النظام ولا تسيطر هذه المجموعة على حلقة السلطة المحددة الخاصة بهم فحسب وإنما على جزء كبير من الدوائر السياسية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وبطريقة مباشرة تسيطر هذه الفئة على مراكز السلطة الرسمية مثل مجلس صيانة الدستور ومجلس الخبراء، كما أنها تدير بطريقة غير رسمية عدة جمعيات ومؤسسات لها الدور والأثر البالغ في إدارة السياسة الإيرانية والتعبئة الشعبية مثل جمعية مدرسي الحوزة العلمية في قم التي تضم 30 رجل دين.
أما الحلقة الثانية فتتكون من كبار المسؤولين الحكوميين وموظفي الدولة ومن محافظي الأقاليم والإداريين، وتتكون الحلقة الثالثة من أفراد يسيطرون على كيانات ومؤسسات متنوعة، كالمؤسسات الثورية وأجهزة الأمن المختلفة، كما تتألف أيضًا من كبار الشخصيات في مجال الصحافة والإعلام، وتشكل هذه المجموعات معًا قاعدة السلطة للنظام وتعمل على نشر أيدلوجيته، وأما الحلقة الرابعة فتتكون من الأفراد الذين قاموا في الماضي بدور مهم في النظام، ورغم أن هذه النخب السابقة تبقى ذات نفوذ نسبي فهي تعمل على هوامش النظام بين الدولة والمجتمع المدني.
كما يوجد في إيران شبكة كاملة من قوات الأمن الثورية (تعمل بمعزل عن الجيش النظامي) من أهمها اللجان الثورية الإسلامية وقوات الحرس الثوري الإسلامي والميليشيات الشعبية المعروفة باسم الباسيج، وتتكون اللجان الثورية الإسلامية من أعضاء ينحدرون من دوائر المتدينين التقليديين، ويمكن وصفها بأنها جماعات متجذرة الولاء للولي الفقيه، وقد فقدت هذه اللجان استقلاليتها وتواجدها بعد العقد الأول من نجاح الثورة الإيرانية وكان مناط بها تعقب تجار المخدرات والمعارضين والخارجين على القانون، وبقرار من الرئيس هاشمي رفسنجاني تم دمج هذه اللجان مع شرطة المدينة وشرطة الأرياف، إلا أن هذا القرار لم يفلح بإحتوائها بشكلٍ كامل؛ حيث إنها لا تزال تحتفظ بعدد من البنى والأنشطة المستقلة.
أما الباسيج فهي عبارة عن مؤسسة شبه عسكرية وتأتي في التصنيف بعد الحرس الثوري الإيراني من حيث القوة والانتشار، وهي تتبع قيادة الحرس الثوري الإيراني من الناحية الشكلية، وتأسست قوات الباسيج بأمر من الخميني عام 1979، حيث أمر بإنشاء جيش يتكون من 20 مليون فرد لحماية “الجمهورية الإسلامية” من التدخل الأمريكي من الخارج ومن الأعداء من الداخل، يقوم الباسيج بتجنيد أعضائه من المتطوعين من صغار السن الذين تتراوح أعمارهم من 11 إلى 17 سنة، وقد قامت الحكومة الإيرانية باستخدام الباسيج كثيرًا مع وحدات خاصة من قوات الحرس الثوري لقمع القلاقل بين السكان المدنيين.
وفي معرض الحديث عن القوات العسكرية المساندة لنظام الولي الفقيه فلا بد من ذكر الحرس الثوري الإيراني الذي تأسس عام 1979 بقرار من الخميني أيضًا، وتتمثل مهمة قوات الحرس الثوري الإيراني في حماية الثورة ومنجزاتها كما تنص عليه المادة 150 من الدستور الإيراني، وهذا يعني أن تدخل هذه القوات في سوريا والعراق يعني ضمنيًا بأن الثورة الإيرانية قد صدرت بشكل فعلي إلى هذه الدول ولذلك تسعى قوات الحرس الثوري إلى الحفاظ على هذا المنجز.
تتكون قيادة الحرس الثوري من أفراد متدينين عاديين، معظمهم من خريجي المجالات الأكاديمية الفنية أو المجالات الهندسية، وقد اكتسب الكثير منهم الخبرة العسكرية أثناء الصراع المسلح ضد نظام الشاه بالإضافة إلى الخبرة التي اكتسبها جراء حرب العراقية الإيرانية.
الجدير بالذكر أن قوات الحرس الثوري الإيراني تعمل كثقل مضاد للمؤسسة العسكرية النظامية التي كانت في بادئ الأمر خاضعة لسيطرة مؤيدي نظام الشاه، وكان ولاؤها للثورة موضع شك.
يمتلك الحرس الثوري قوات بحرية وجوية وبرية طورها جميعها في منتصف الحرب العراقية الإيرانية، ولا يخضع الحرس الثوري لأي سلطة سياسية حيث قاوم عدة محاولات لإخضاعه لأي سلطة مدنية أو سياسية ابتداءً من السلطة التنفيذية الرئاسية وانتهاءً بالهيئة التي يسيطر عليها رجال الدين والمتمثلة في ممثلي المرشد الأعلى، وهو بذلك يستطيع بسهولة نشر قواته ضد أي تهديد متصور، مثل تجرؤ أي سياسي إيراني على الانشقاق علنًا عن التراث الأيديولوجي للولي الفقيه.
إذن يعتبر الحرس الثوري القوة الضاربة للثورة الإيرانية داخليًا وخارجيًا وقد ترجم ذلك على أرض الواقع في الأحداث الجارية في العراق وسوريا.
وبالنسبة للمؤسسات المدنية في إيران فيمكن تقسيمها إلى ثلاث فئات كما يلي: مؤسسات عامة، ومؤسسات خاصة، ومؤسسات خيرية إسلامية، ولهذه المؤسسات وخاصة الخيرية والخاصة منها تاريخ عريق في إيران، وقد اكتسبت أهميتها وثقلها على الساحة بعد نجاح الثورة الإيرانية عام 1979، وتتسم هذه المؤسسات بأنها هيئات غير حكومية وتدعي كلها أنها مؤسسات غير ربحية.
تمارس هذه المؤسسات نشاطات كثيرة وهي معفاة من الضرائب وتتبع المرشد الأعلى مباشرة، وتمتد نشاطاتها من التجارة إلى التصنيع والإنتاج الصناعي، كما تشمل نشر الدعوة الدينية السياسية وتقديم الخدمات الاجتماعية، وتقوم هذه المؤسسات أيضًا بدور رعاية الأفراد وتعبئة الجماهير وغرس المعتقدات الأيديلوجية وتوجيه العقل الجمعي للشعب الإيراني وقمع المعارضين، وتتمتع بقدرة غير محدودة على الوصول إلى أموال الدولة، كما أنها تقوم بأنشطتها بدون أي رقابة ويتركز معظم عملها خارج الدولة، ويرأس هذه المؤسسات بصفة شبه دائمة رجال الدين ذوو النفوذ أو شخصيات رئيسية أخرى من النخبة الحاكمة.
وتجدر الإشارة الى أن غياب الرقابة القانونية على عمل هذه المؤسسات والجمعيات قد أفضى إلى ظهور وتطور الفساد والمحسوبية، وفيما يلي ذكر أهم وأكبر هذه المؤسسات التي يبقى عددها الكلي غير معروف ويصعب الوصول إلى إحصائية دقيقة له:
– مؤسسة المعوقين والمستضعفين
– مؤسسة الشهيد
– مؤسسة الإمام الرضا
– مؤسسة الخامس عشر من خرداد
– مؤسسة الرسالة
– مؤسسة الإسكان
– مؤسسة الرفاه
– مؤسسة الدعوة الإسلامية
– مؤسسة الفارابي
تم التطرق باختصار شديد إلى المؤسسات غير الرسمية الهادفة لإدامة حكم نظام الولي الفقيه والدفاع عنه.
ومما سبق فإننا أمام دولة داخل الدولة لا تخضع للرقابة الحكومية وتسعى إلى ضرب والقضاء على أي حركة معارضة على الأراضي الإيرانية، كما أنها تسعى إلى تصدير الثورة الإيرانية إلى الدول المجاورة.