فتىً يسكبُ المشروبَ الأسودَ الداكن لتبريدهِ في قوارير ليبرد ظمأه بُعيد إفطاره ..
رائحةٌ لا يكاد يقوَ من يشمها على مقاومتها …
لا يدركُ أخي عبدالله والمحترفُ في صنعِ التمر الهندي في عائلتنا عراقة ما تصنعُ يداه ..
ولا يعي ان التمرالهندي عُرفَ لدى الفراعنةِ بادىء الأمر حين ادخلوه خلال العصور الوسطى لمناطق البحر المتوسط
بدليلِ وجود اجزاءٍ من التمر الهندي على قبورهم .. تلكَ قصصٌ لم يشهدها ولا يهتم بها !
فكلما ناقشته باصل ذلك ..اجابني
نحنُ “ما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيبِ حافظين “
لا ادري صدقاَ كيفَ يحفظُ المقاييس !!
حينَ يوصينا ان نكثر من شربه لكيلا نعطش اخالهُ الرازي اذ يقول “عصارة التمر الهندي تقطع العطش ” فأبتسم !
كيف يمكن لمشروبٍ أسرٍ في رمضان ان يعيدك عقوداً للوراء !
لم اتخيل قبلاً أن التاريخ يُدخل من اوسع أبوابه من مشروب !
ثم يحدثٌ أن نشبع عن مائدتنا الرمضانية .. فيجيءُ دورُ حلوياتٍ وُلدت ما بين العصر الأموي والعباسي -إن صحت الروايات التي تفيد تناقلها – فتزين موائدنا .. ونتوحد في طبقِ القطايف ذاك مع كل الذين عشقوها ..
يا ربّ الجوز والتمر فيها .. ياربّ طعمها واغرائها تسبحُ في أنهارِ القطرِ في غنج !
كيفَ لحفنةٍ من طحينٍ وسميد معجونٍ بالماء ان تُأسر العقول كما تفعل القطايف !
ترى مواسم بيعها في بلادي الأردن في رمضان تبدأ .. حتى ان بعض الباعة يحصلون على الربح من بيع التمر الهندي والقطايف في رمضان ما لا يحصلون عليه اشهراً بعده !
هل يعلمُ البائعُ وهو يصبُّ السائل اللزج على صاجٍ وَهِج ان لعابنا يسيلُ انتظاراً .. نتخيلُ تلك القطعه وقد نضجت وحشوناها بما نشتهي وقمنا بقليها في زيت حار وتغطيسها في القطر ثم تكون على قلوبنا هنيئاً مريئاً !
طويلٌ هو الوقت وانت تغالب رغبتك بحبة قطايف !
ليس غريباً إذن ان ترى ابن عينين يبدعُ في وصفِ الكنافةٍ تغارُ من القطائف في مشاكسةٍ بينهما اذ يقول :
غدت الكنافة بالقطائف تسخر ..وتقول: إني بالفضيلة أجدر
طُويت محاسنها لنشر محاسني …كم بين ما يطوى وآخر ينشر
فحلاوتي تبدو وتلك خفية ..وكذا الحلاوة في البوادي أشهر
واذكر في ذات الصدد ما قرأته يوماً من ابواب الادب ما أورده الشطرنجي اذ قال :”كُنا يوماً نأكل بين يدي المكتفي، فوضعت بين أيدينا قطائف رفعت من بين يديه في نهاية النضارة ورقة الخبز وإحكام العمل، فقال: هل وصفت الشعراء هذا؟ فقال له يحيى بن علي: نعم، قال أحمد بن يحيى فيها:
قطائف قد حُشِيَتْ باللوز … والسكر الماذِيً حَشْوَ الموز
تسبح في آذيِّ دهن الجوز … سررت لما وقعت في حَوْزِي
غير أنني اتساءل في المكونين الأساسيين لكثير من الموائد العربية من المحيط للخليج ..التمر الهندي والقطائف
رغم كثرة المشروبات والحلويات الا انهن يتصدرن قائمة المشروب الأول وطبق الحلويات الأول
محافظين بذلك على أصالتهما .. اتساءلُ حقاً ..
في زمنٍ لم تنجح المعاهدات والحكومات ولا حتى الثورات لصنع وحدتنا .. فهل ينجح كأسٌ من تمرٍ هنديٍّ وحبة قطائف لصنع وحدة عربية !