“كانت بمثابة الصاعقة بالنسبة لي، لقد أصبت بالصدمة والذهول ولم أصدق ما تشاهده عيناي اللتان سيأكلهما الدود؛ حينما اعتقلتني قوات الاحتلال الإسرائيلي وأثناء التحقيق معي وإذا بالمحقق يسألني عن معلومات تم اعتقالي عليها لدى الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية”. بهذه العبارة افتتح حمزة حديثه لـ”نون بوست” حينما حاورناه عن التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، وأضاف قائلا: “”لقد اعتقلني الاحتلال فور الإفراج عني من سجن (جنيد) التابع للسلطة الفلسطينية، حيث اعتقلني قبل أن أصل إلى بيتي”.
وتابع حمزة – الذي يتناوب الاحتلال اعتقاله مع السلطة الفلسطينية – “الملفت للنظر في القصة أن المحقق كان يرفع سماعة الهاتف أمامي ويتصل بأحد قيادات التحقيق في سجن (جنيد)، ويسألني عن صحة ودقة المعلومات التي أدليت بها هناك، كما ويسألني عن فحوى (كيس) تم مصادرته مني من قبل السلطة الفلسطينية”.
ولم يكن حمزة هو الشخص الوحيد الذي جرت معه هذه “المفارقات”، بل إن المواطن (ع.ش) من محافظة نابلس – الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه – فقد اعتقل هو الآخر لدى جهاز الأمن الوقائي التابع للسلطة الفلسطينية لمدة شهرين على خلفية العمل في حركة حماس والعمل على توزيع مواد تموينية على بعض الأسر الفقيرة. ويقول (ع.ش) في حديث لنا: “ما إن تم الإفراج عني من سجن الوقائي، وبعد أسابيع قليلة داهمت قوات الاحتلال منزلي واعتقلتني أنا ومجموعة أخرى من أصحابي، حيث تم اعتقالنا على ذات التهمة التي اعتقلنا عليها عند جهاز الأمن الوقائي”.
ويضيف “وأثناء التحقيق معنا في مركز التحقيق (بتاح تكفا) الاحتلالي فقد كانت محاور التحقيق على ذات القضية، بل وعرضوا علينا الإفادات التي تحدثنا بها خلال اعتقالنا عند جهاز الوقائي، حيث حكمت على القضية نفسها عند الاحتلال لمدة 11 شهرا وأفرج عني بعد انتهاء محكوميتي”.
تبدو لك القصص خيالية ومتناقضة، ولكن هذا هو واقع التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية وبين قوات الاحتلال. حالة من الغضب العارم تسود بين الفلسطينيين رفضا لانتهاج السلطة الفلسطينية مثل هذا السلوك “غير الوطني”، فكيف لها أن تمنح الاحتلال معلومات عن أبناء شعبها ومقاومته؟ وكيف لها أن تتعاون مع الاحتلال ضد أبناء شعبها؟ وليس من باب الصدفة أن تتصدّر قضية التنسيق الأمني – نظرا لخطورتها – الحوارات الوطنية التي تعقدها الفصائل الفلسطينية مع السلطة وتطالبها بالكف عن التنسيق الأمني، معتبرة أن هذه السياسة هي سياسة “غير أخلاقية وطعنة في ظهر القضية الفلسطينية”.
وكثيرا ما تم اغتيال شخصيات فلسطينية تابعة لأجنحة المقاومة على يد الاحتلال نتيجة التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية لمعرفة ومراقبة أماكن تواجد هذه الشخصيات، فعلى سبيل المثال كانت “الجزيرة” قد نشرت عام 2011 نص وصورة وثيقة الأمر باغتيال المقاوم الفلسطيني حسن المدهون من غزة (استشهد لاحقا)، حيث طالب نصر يوسف وزير الداخلية في السلطة الفلسطينية عام 2005م – خلال حديث مع شاؤول موفاز وزير الجيش الإسرائيلي آنذاك حول تعاظم قوة حماس والجهاد – بضرورة “نقل سريع للمعلومات بين الطرفين”، وقال: “بدلا من معالجة كل شيء من طرف واحد، يمكننا أخذ إجراءات إذا أعطيتمونا معلومات، ولكن أنتم تتصرفوا ونحن ندفع الثمن، التنسيق والتعاون ضعيف ولا يوفر استقرارا، التعاون بشكل تقسيم أدوار والتكامل من أجل عمل أمني صحيح”.
كما قال لموفاز. ويدور الحديث بينهما حول الترتيب لاغتيال المقاوم حسن المدهون: شاؤول موفاز: حسن مدهون نعرف عنوانه ورشيد أبو شباك يعرف ذلك لما لا تقتلونه؟ نصر يوسف: أعطينا تعليمات لرشيد وسنرى. شاؤول موفاز: منذ تكلمنا وهو يخطط لعملية وذلك منذ 4 أسابيع ونعرف أنه يريد ضرب “كارني” أو “إيريز” (معبران في غزة) وهو ليس حماس ويمكن أن تقتله. نصر يوسف: نعمل، والبلد ليست سهلة وإمكانياتنا محدودة وأنتم لم تقدموا شيئا. شاؤول موفاز: أفهم أنه لم يتم شيء في القطاع. نصر يوسف: ألا تقر بالجهد المبذول؟ وماذا عن الانخفاض؟. ومصطلح “التنسيق الأمني” بات مصطلحا مكروها لدى الفلسطينيين، فهم يشعرون بالخجل منه كونه يعتبر نوعا من التعامل والتخابر مع الاحتلال الإسرائيلي، وكونه يعمل على توفير الأمن والأمان للاحتلال الجاثم على الأرض الفلسطينية وللمستوطنين الذين يعيثون الفساد في البلدات والمدن والمخيمات الفلسطينية.
ويقول صالح النعامي الكاتب والخبير في الشئون الإسرائيلية حول مفهوم التنسيق الأمني: “إن شراكة السلطة الفلسطينية لإسرائيل في الحرب التي تشنها على حركات المقاومة في الضفة الغربية، والمتمثلة في التعاون الاستخباري والتنسيق الأمني، ودور أجهزة حكومة رام الله الأمنية الكبير في تجفيف منابع المقاومة الفلسطينية؛ قد أسهم بشكل واضح في تعزيز مستويات الشعور بالأمن الشخصي والجماعي لدى المستوطنين في الضفة الغربية والقدس، وهو ما أقنع بالتالي جماعات جديدة من اليهود بالقدوم للاستيطان في الضفة الغربية”. وتستنكر حركات المقاومة الفلسطينية مجتمعة الانتهاكات المستمرة التي تنفذها أجهزة أمن السلطة في الضفة الغربية من اعتقالات واختطافات وممارسات للتعذيب النفسي والجسدي ضد المقاومين الذين يتم اعتقالهم وفقا لنصوص التنسيق الأمني.
كما وكشفت تلك الحركات عن مظاهر التنسيق الأمني الذي يتم بين أجهزة أمن عبَّاس وجيش الاحتلال الصهيوني، والتي كان من أبرزها – بحسبها – “تبادل معلومات المعتقلين والأسرى، حيث يتم التحقيق معهم استنادًا إلى محاضر التحقيق نفسها بين أمن السلطة الفلسطينية وجيش الاحتلال”.