تعمل تونس منذ فترة على إعادة تأهيل السجون ومراكز الإيقاف المنتشرة في كامل أنحاء البلاد حتى تتلاءم مع المعايير الدولية، في وقت يؤكد فيه العديد من الحقوقيين والمتابعين تسجيل تجاوزات عدة في بعض السجون ومراكز الإيقاف.
يبلغ عدد السجناء في تونس أكثر من 25 ألف سجين، موزعين على 28 سجنًا من بينهم 19 مركز إيقاف تحفظي و8 سجون تنفيذ، وأكد وزير العدل التونسي عمر منصور في وقت سابق سعي وزارته إلى النهوض بواقع السجون في تونس وإيلائها العناية والاهتمام اللازمين بصفة جدية، والعمل على تطوير قدرات وكفاءات العاملين بالسجون والسياسة الاجتماعية لإدماج المساجين وإيجاد آليات للحد من الفكر المتطرف داخل السجون إضافة إلى الحد من الاكتظاظ.
فبعد فتح الباب الحديدي الأول فالثاني تدخل إلى غرفة السجن، لتجد عشرات الأسرة وأضعافهم من السجناء وشاشة تلفزة تُفتح وتُغلق على قنوات معينة حسب إرادة الإدارة وبيت راحة صغير لا يتجاوز المترين.
تقع مسؤولية إدارة هذه الغرفة داخليًا على أحد المساجين ويعرف بـ “الكبران شمبرا” (سجين مسؤول عن نظام الغرفة) يتم اختياره من قِبل إدارة السجن لأقدميته وحسن سلوكه، يشرف على نظافة المكان وعلى كل شيء داخل الغرفة من توزيع للنزلاء وعقاب للمتجاوزين.
كل يوم يكلف أحد المساجين أو اثنين منهم حسب الاتفاق بتنظيف الغرفة في أوقات محددة، وإذا اردت عدم القيام بالمهمة فما عليك إلا إعطاء “الكبران” علبة سجائر حتى يعفيك منها ويكلف غيرك؛ علبة السجائر تلك تجعلك زعيمًا وملكًا هناك، حتى قصة شعرك تستطيع التحكم فيها رغم كونها موحدة، بتلك العلبة.
تتميز السجون التونسية بالاكتظاظ، حيث يفوق عدد النزلاء في مساحة لا تتجاوز الثمانين مترًا مربعًا المائة نزيل في الأيام العادية ولها أن تتضاعف، ينامون على أسرة من 3 طوابق ويمكن لشخصين أن يتشاركا في نفس السرير إن كانا محظوظين ووجدا سريرًا ينامان فيه، فالمحظوظون هم الذين يحصلون على سرير، وقد يتطلب الأمر فترة زمنية قد تطول لتصل إلى ستة أشهر أو سبعة يكون فيها الحصول على “بلاصة” أو “سرير” رهن بالأقدمية كما يقول “الكبران شامبرا” الذي يدون في دفتره فترة دخول كل سجين وهو يمنح الأسرة في أحيانٍ كثيرة طبقًا لعلاقاته الشخصية ولمن يدفع أكثر.
يقول السجناء إن هناك مشكلاً حقيقيًا يتمثل في هذا الاكتظاظ الذي لا يجد بمقتضاه النزيل الجديد في السجن فراشًا خاصًا به، فرغم أن الفصل 15 من القانون المتعلق بنظام السجون والمؤرخ في 14 مايو 2001 ينص على: “على إدارة السجن أن توفر لكل سجين عند إيداعه فراشًا فرديًا وما يلزمه من غطاء”، فإن السجين الجديد مطالب بأن يمرّ على الأقل بمرحلتين: المرحلة الأولى تتمثل في الانضمام إلى العشرات من مفترشي الأرض من الذين يحتلون الممرات بين الأسرة وفي الحالات القصوى فإن “الكدس” يتحول إلى طريقة في النوم يطالب فيها السجين بالاختيار بين النوم على جنبه الأيمن أو الأيسر حتى يتسنى لرفيقه في “الكدس” ان يجد له مكانًا بجانبه.
يتسبب الاكتظاظ في السجون في تردي أوضاع السجناء الذي قد يعانون من الضيق لمدة ساعات ونقص في كمية الضوء والهواء فيتعذر عليهم بالتالي النوم الطبيعي ويتسبب في الارتخاء، كما يؤدي إلى ظاهرة العنف بين السجناء.
يتم عد نزلاء السجن في الصباح والمساء وفي أوقات عدة بينهما، ويحق لهم الخروج من الغرفة مرتين في اليوم في الصباح وبعد الظهر لمدة تقارب الساعة بينهما لاستنشاق الهواء ورؤية الشمس في ساحة واسعة تسمى “اللارية”، يتم عدهم أيضًا عند ذهابهم إلى “اللارية” ورجوعهم إلى غرفهم.
يوجد أيضًا غرف انفرادية معدة لمعاقبة بعض السجناء يسميها بعضهم “سجن داخل السجن”، يسمع في بعض الأحيان أصوات مخيفة صادرة عنها ربما هي حالات تعذيب، ويوجد غرف انفرادية أخرى معدة للسجناء الذين يعانون أمراضًا جلدية أو معدية.
لكل سجين الحق في 100 دينار إسبوعيًا يتلقاها من عائلته يتم تحويلها إلى بونوات كالصكوك المالية، بعد ذلك يجب أن يتصرف في مدخراته ليحصل على ما يريد، كما يحق للسجين إن كانت سيرته حسنة أن يتلقى رسائل من العائلة، تعينه على فظاعة السجن ورهبة المكان، إلا أن هذه الرسائل يمكن أن تحجب عنه بمجرد قرار من إدارة السجن.
وتمثل القفاف (قفة الطعام التي تجلبها العائلة للسجين) التي تجلبها العائلات بديلاً عن الحساء الذي يقدمه السجن مرتين في اليوم “قِدر كبير يحتوي على القليل من الطماطم والمكرونة والحمص والحصى في بعض الأحيان”، وكثيرا ما تم اكتشاف محاولات تمرير أقراص مخدرة وإبر في هذه القفاف.
وتحتل قضايا الاغتصاب والسطو المرتبة الأولى بنسبة 31%، حسب تقرير الأمم المتحدة، ويحتل مساجين قضايا المخدرات المرتبة الثانية بنسبة 26% (55% من المساجين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 سنة) قبل قضايا القتل العمد والعنف وحيازة الأسلحة.
وأكدت المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة إقامة سجناء محكومين في وحدات سجنية خاصة بالموقوفين، الأمر الذي يتعارض مع القانون على غرار سجن المرناقية وجندوبة والمسعدين والقيروان والقصرين وقفصة وصفاقس والكاف من النزلاء المحكومين، فعلى سبيل المثال السجن المدني بالكاف، وهو مصنف كمركز إيقاف، يوجد به 111 محكومًا و422 موقوفًا رغم أن الطاقة الاستيعابية له حسب عدد الأسر هي 414 سجينًا أي بزيادة 119 سجينًا.
سجن المرناقية مصنف مركز إيقاف بطاقة استيعابية لـ5021 (حسب عدد الأسرة) بينما يبلغ عدد المساجين في تاريخ 14 نوفمبر 2013، 6308 وبالتالي تصل نسبة الاكتظاظ بالسجن المذكور إلى 25.6% حسب عدد الأسر.
ويمنع لمن سنهم دون 18 إبقائهم في السجون، فيتم بذلك إرسالهم إلى مراكز إصلاح الأطفال، إلا أنه يمكنك رؤية بعض الأطفال في سجون تونس، ينزلون إلى جانب مساجين أُدينوا بالقتل أو الاغتصاب.
وتتجه تونس إلى إرساء منظومة سجنية تستجيب للمواصفات الدولية، بغاية تطوير الوحدات السجنية وتحويلها من مجرد فضاء سالب للحرية إلى آخر يتمتع فيه السجين بحقوقه الإنسانية في الترفيه والمطالعة وغيرها.