ترجمة وتحرير نون بوست
كشفت تقديرات معهد الإحصاء التركي تورك ستات (TurkStat) عن تزوج حوالي 3600 امرأة سورية من مواطنين أتراك في عام 2015.
إحدى أولئك النساء هي ربيعة علي، والتي تقول في حديثها لوكالة الأنباء الرسمية التركية، الأناضول، بأنها لم تكن تفكر بالزواج من رجل تركي ولكنها “وقعت في الحب”.
جاءت علي إلى تركيا بعد اندلاع الحرب السورية، حيث عملت في مجال إعطاء المحاضرات باللغة العربية في إسطنبول قبل أن تنتقل إلى ولاية باتمان مع زوجها الجديد وطفليهما التوأم.
قصة علي هي واحدة من آلاف القصص الأخرى المشابهة التي مهدت الطريق للباحثين ليباشروا بحث الآثار طويلة المدى التي قد تعكسها هذه الزيجات على المجتمع التركي.
خلال حديثه في يوم الأحد الماضي، وصف رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو آلاف أطفال السوريين الذين ولدوا تحت الحماية التركية بأنهم “جزء من عائلتنا”، وفي هذا السياق يقول إبراهيم سويسورن، وهو عالم اجتماع من جامعة نوشاتيل في سويسرا، في حديثه لوكالة الأناضول بأن هذه الزيجات يمكن أن تساعد على تحقيق الاندماج الاجتماعي بين الثقافتين، ولكنها على الجهة الأخرى يمكن أن تؤدي أيضًا إلى استمرار الهجرة.
تؤوي تركيا اليوم حوالي 3 مليون لاجئ، معظمهم من سوريا، البلد الذي غرق في حرب أهلية شرسة منذ أوائل عام 2011 عندما ابتدر نظام بشار الأسد حملة قاتلة ضد الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية بضراوة غير متوقعة، ومنذ ذلك الحين، قُتل أكثر من 250,000 شخصًا ونزح أكثر من 10 مليون آخرين، وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة.
يشير سويسورن بأن الكثير من الآثار التي تعكسها الزيجات السورية – التركية تعتمد على الكيفية التي تتكيف بها فيها تركيا، شعبًا وحكومة، مع هذه الظروف المتغيرة، ويردف موضحًا: “يمكننا أن ننظر إلى هذا الوضع باعتباره حالة غنى ثقافي في الوقت الحالي، ولكن في وقت لاحق، ستتوقف النتائج الاجتماعية لهذه القضية على الكيفية التي ستتعامل بها الحكومة والجمهور التركي مع هذا الوضع”.
يعتقد سويسورن بأن تشارك السوريين والأتراك لذات الفضاء والمساحات هو أحد الأسباب المهمة وراء تزايد حالات الزواج، ويتوقع بأن تشهد تركيا زيادة في عدد الأسر السورية- التركية ومواليدها في المستقبل.
“حتى لو انتهت الحرب وعاد كل شيء إلى وضعه الطبيعي في سوريا، فإن الهجرة من سوريا إلى تركيا ستستمر بهدف إقامة الأسر الجديدة”، يقول سويسورن.
يضيف سويسورن موضحًا بأن الاعتقاد السائد يقول بأن بعض الظروف المالية السيئة للنساء السوريات الهاربات من الحرب جعلهن حريصات على الزواج من الرجال الأتراك، بالتوازي مع استغلال بعض هؤلاء الرجال لظروف المرأة السورية الصعبة، حيث تقدّر بعض التقارير الإعلامية التركية بأن المواطنين السوريين يتزوجون من الأتراك جرّاء حالة اليأس التي تعتريهم.
ولكن مع ذلك، وفي حال جاء الزواج التركي – السوري كنتيجة لحالة حب، يمكن أن يسفر هذا الزواج عن مزايا، كما يقول سويسورن، كإنجاب أطفال ثنائيي اللغة يمكنهم كسر حاجز اللغة بين التركية والعربية.
يتفق البروفيسور أوزكان يلدز من جامعة دوكوز أيلول (9 أيلول) في أزمير مع هذه النظرة المزدوجة، حيث يقول: “هذا الزواج متعدد الثقافات يمكن أن يسفر عن التكيف، ولكن على المدى الطويل، يمكن أن تواجه مؤسسة الزواج في تركيا عواقب سلبية”.
يوضح يلدز بأن هذا الوضع قد يؤدي إلى تقويض بنية الأسرة التركية، ويمكن أن يعمل على تغيير وجهة نظر الرجال الأتراك تجاه الزواج، حيث تظهر أرقام معهد الإحصاء التركي أن معدل الزواج السوري / التركي شهد أعلى معدلاته في جنوبي تركيا بولاية كلس، والتي تستضيف أعدادًا من اللاجئين السوريين تفوق عدد السكان المحليين.
“تعد ظاهرة تعدد الزوجات في منطقة كلس على وجه التحديد حالة شائعة مسبقًا، ولكن الوضع الحالي ساعد على زيادة انتشار هذه الظاهرة، والتي بدأت تصبح شعبية في مناطق أخرى من تركيا”، يقول البروفيسور يلدز.
يضيف يلدز بأن تركيا تواجه أكبر موجة للهجرة في تاريخها، مما جعل المؤسسات العامة غير قادرة على التنبؤ بالنتائج المترتبة على هذه التغيرات الاجتماعية.
وفي ذات السياق، يشير ميديام يانيك، وهو طبيب نفسي، بأن الخيارات القاسية التي تواجه المرأة السورية الفارة من الحرب تجعل من الزواج في تركيا خيارًا “معقولًا” بالنسبة لها، ويوضح قائلًا: “من المنطقي بالنسبة للنساء السوريات أن يتزوجن رجالًا أتراك، لأن تلك العلاقة توفر لهن ولعائلاتهن نوعًا من الحماية”.
يعتقد يانيك بأن نجاح الزواج متعدد الثقافات يعتمد على استخدام ديناميات مختلفة لتحقيق النتائج الإيجابية، وتتفق ربيعة علي مع ذلك، حيث تشير إلى معاناتها من “بعض الصعوبات” في زواجها بالبداية، ولكنها توضح بأنها استطاعت التغلب عليها مع مرور الوقت.
“اللغة كانت العائق الرئيسي بيننا”، قالت علي، وتابعت: “في البداية، كنا نتواصل باللغة الإنجليزية، ولكننا الآن بدأنا بالتواصل باللغتين العربية والتركية”.
بغض النظر عن مشكلة اللغة، توضح علي بأن مؤسسة الزواج متعدد الثقافات تعكس بعض المشاكل الأخرى، متعلقة بالتنظيف والطبخ والعلاقات مع الأصهار، والتي تفتح الباب أمام بزوغ إشكاليات كبيرة نتيجة لاختلاف الثقافات.
أخيرًا، يوضح يانيك بأن هذه الزيجات ستكون جزءًا طبيعيًا من المجتمع التركي في المستقبل، وبأنه يصعب للغاية تجنب التغييرات التي ستنجم عن ظاهرة الزواج بشكل الهجرة، حيث يقول ببساطة: “سنرى في المستقبل المزيد من العرائس والعرسان السوريين”.
المصدر: ديلي صباح