بعد محاولة المقاومة الشعبية في تعز وسط البلاد تحرير المدينة في 11 من الشهر المنصرم، ثم التراجع الذي حدث، لتدخل الأحداث في اليمن مرحلة موات أو هدوء، حتى في الجبهات التي كانت تشهد اشتعالًا وقتالًا، اقترب في الأشهر الماضية إلى تخوم العاصمة اليمنية صنعاء وإلى القريب من صعدة حيث معقل جماعة الحوثيين المتحالفة مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح.
ليدخل اليمن في جدل واتهامات متبادلة بين كثير من الأطراف في المقاومة الشعبية أو الجيش الوطني، حتى الرئاسة والحكومة والتحالف العربي “السعودية والإمارات” خصوصًا ملف “تعز” المحاصرة، الذي بدا شائكًا، والكل يتهرب من تحمل تبعات التأخير فيه، وكشف المسبب الرئيس لعرقلة دعم المقاومة فيها التي اضطرت إرسال قائدها إلى محافظات مأرب والجوف للبحث عن الدعم بالمال والسلاح، ليجد حمود المخلافي نفسه في الرياض في يومٍ صدرت فيه قرارات مصيرية تسبق تفاهمات 18 أبريل المزمع عقدها في العاصمة الكويتية.
تغيير المعادلة
مراقبون يرون أن السعودية التي تقود التحالف العربي تريد للقاء الكويت أن ينجح، بعد أن سربت معلومات عن وجود وفد حوثي لديها للأمر ذاته، وهو اللقاء الذي تريد أن يفضي إلى تغيير المعادلة، والوصول إلى حل يرضي كل الأطراف المتصارعة وقطع الطريق أمام أية تسوية قد تعود عليها سلبيًا في القادم، لتكون القرارات الجديدة، التي أعلنت بالأمس، عن إقالة خالد بحاح من منصبه، وتعيين بن دغر بديلًا عنه، إضافة إلى قرار قضى بتعيين الفريق علي محسن الأحمر كنائب للرئيس وهو المنصب الذي كان يشغله أيضًا بحاح، وهو الرجل المثير للجدل الذي صدر له قرار آخر في الأشهر الماضية كنائب أيضًا للقائد الأعلى للقوات المسلحة، استبشر حينها كثير من اليمنيين بتعيينه خصوصًا في تعز المحاصرة، لكن لم يحدث شيء إيجابي بالمرة كما يقول سكان محليون، بقيت المدينة في حصارها، بل ازدادت حرب الحوثيين وقوات صالح عليها، وتولد لديهم إصرار أكبر بمحاصرة الريف أيضًا الممتد جنوبًا وغربًا حتى أطراف البحر الأحمر وخليج عدن ومحافظة لحج الجنوبية، وشمالًا وشرقًا باتجاه محافظتي الضالع وإب.
وهي القرارات التي قرأها البعض بأن السعودية انفردت بالملف اليمني، وعليها أن ترعى تسوية سياسية، وما أكده سياسيون بأنها لم تكن وليدة اللحظة وجاءت بتوافق وتنسيق كامل مع شركاء الشرعية اليمنية، في دول التحالف العربي بقيادة الرياض، وبمباركة الدول الكبرى وخاصة واشنطن ولندن وموسكو، لكن جدوى التعيينات الأخيرة مرهونة بمدى التغير على الأرض، إذ شهد اليمن في الفترة الأخيرة أسرع وأكبر موجة تغييرات وزارية في تاريخه، حتى شملت كل المقاعد في حكومة تعيش في المنفى وتمارس كل شيء سوى مهامها الدستورية والقانونية المنوطة بها في ظروف مواتية لم تتوفر لأية حكومة من قبل.
انفراد
هي مهمة وحاسمة وتريد تغيير الواقع على الأرض لصالح المقاومة والحكومة الشرعية وتخدم الجانب السعودي أيضًا، إذ حملت رسائل عديدة وهامة إلى صالح والحوثيين والمؤتمر الشعبي العام والجنوب أيضًا، والإشكالية ليست هنا، بل في الصلاحيات والتنفيذ وهذه معضلة اليمن وهادي بدرجة أساسية، غير أن الحراك السياسي والعسكري للتحالف على ما يبدو أنه جاد هذه المرة لإنهاء الأزمة اليمنية، وأن السعودية انفردت بالملف اليمني بصورة كاملة كجانب سياسي على الأقل.
تسوية الملعب
محمد بن سلمان، ولي ولي العهد السعودي أعلن اقتراب العمليات العسكرية في اليمن، ويؤكد اليوم الأحد عن وجود وفدٍ للحوثيين في الرياض، وهو ما يوضح أن المملكة عزمت أمرها على تسوية الملعب تمامًا لذلك، وأن يكون على هرم الدولة في اليمن أقواياء كعلي محسن الذي له حضوره في كثير من الملفات الشائكة في القضية اليمنية، فهو رجل مرحلة فالكاتب عدنان هاشم يكتب عن ذلك قائلًا: علي محسن الأحمر وبن دغر هم “يمنيون” ولم يتم إحضارهم من شعب الغابون حتى يعترض أنصار الشرعية على تعيينهم.
الشرعية حسب تعبير هاشم تحتاج إلى كل رجل يستطيع إنقاذ مؤسسات الدولة من الاحتلال ويساهم في استعادتها، فخالد بحاح رجل تكنوقراط، ورجال الكفاءة الإدارية تحتاجهم البلاد في مراحل الاستقرار، أما في مراحل الحرب والمواجهة وانهيار الدولة فهم عبء ثقيل عليها ولن ينجزوا ما تعلموه أبدًا، الأحمر يعرف جيدًا تفاصيل الحوثي وبن دغر هو أحد خبراء تعليم “صالح” فن المرواغة، لذلك المفاوضات تحتاج هذين الرجلين، الحديد والنار ودراسة فن المكر عند الثعالب.
قطع الطريق على الحوثيين
زايد جابر يذهب إلى وجهة أخرى بأن القرارات كانت قطعًا للطريق أمام أي تلاعب حوثي جديد، فهي نهاية السلم والشراكة، اتفاق الحوثيين عشية دخولهم صنعاء، إذ طرحوا فيه نقل صلاحيات الرئيس لنائبه ويقصدون بحاح الذي تم تعيينه رئيسًا للوزراء بموافقتهم كجزء من تصورهم للحل السياسي في محادثات الكويت القادمة، لكن الرئيس هادي قلب عليهم الطاولة بتعييناته، فعلي محسن الأحمر أصبح نائبًا للرئيس وهذا يعني أنهم أمام خيارين إما القبول بهادي أو المطالبة بنقل السلطة لمحسن وهذا غير ممكن، كما تم تعيين أحمد عبيد بن دغر رئيسًا للوزراء وهو أمين عام المؤتمر، وبهذا تم إزاحة بحاح من المشهد بالكامل ليكون هادي بهذه القرارات قد وضع آخر مسمار في اتفاق السلم والشراكة المشؤوم الذي فرضه الحوثيون بقوة السلاح.
ويعترف الناشط غائب حواس بأنه علينا أن ندرك أن مسرح العمليات في اليمن تتحكم فيه اليوم غرفة عمليات التحالف العربي وأن القيادة الشرعية هي الحلقة الأضعف في القرارات الاستراتيجية السياسية والعسكرية، ومع ذلك لا تُعفى القيادة الوطنية بما فيها القائد الأحمر ـ الآن ـ من تحقيق الإنجازات وتحمُّل المسؤولية حتى في أضيق الهوامش وأبسط الإمكانيات المتاحة لهم، كل المطلوب اليوم ـ كما هو أمس ـ أن يلتف الشعب بكل فئاته حول القيادة للعطاء والبذل والإعانة على استعادة اليمن المخطوف أرضًا وإنسانًا وكرامة.
رأي المقاومة
قيادات في المقاومة الشعبية قالت إن كل تلك التعيينات السابقة كانت إلهاءً للجماهير وقفزًا على حبال الاستحقاقات، التي ينتظرها الشعب ثمنًا لتضحياته استحقاقات على المستوى الخدمي والأمني والسيادي، فهي حسب تعبيرهم ترحيل مقصود لمطالب حتمية لا تقبل التأجيل، ويواصلون: إن كانت هذه الخطوة امتدادًا لتلك الثقافة فلن يكون بمقدور رجل السرك الاستمرار في تضليل المشاهدين بمزيد من حركاته البهلوانية، إذ ستمد الجماهير يدها بسهولة إلى مضخة الفشل لاقتلاعها ولو أنذر ذلك بهلاك الكون بأجمعه و”يا روح ما بعدك روح”.
أما إذا كانت من أجل الحسم سواء العسكري أو السياسي، فهم يرحبون بها ويأملون كثيرًا بأن يكون ملف اليمن كاملًا بيد السعودية فقط، فاليمن واستقراره من استقرار المملكة، وإنهاء الانقلاب يهم السعوديين، كما هو هم اليمنيين، ممن خرجوا وناضلوا سلميًا ثم عسكريًا بإمكاناتهم البسيطة، من أجل إزاحة هذا الكابوس، وتدرك السعودية ذلك، ولذا قادت عاصفت الحزم في اليمن، ونتمنى كما قالوا أن تكمل الشقيقة السعودية جميلها، وتعمل على تحرير المحافظات المشتعلة قبل أية تسوية سياسية، قد تضر برجال المقاومة وجرحاها وشهدائها ممن ضحوا بدمائهم من أجل إيقاف المد الإيراني الصفوي في المنطقة.