أقال الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي نائبه ورئيس وزرائه خالد بحاح، وعين اللواء علي محسن الأحمر نائبًا له، كما عين أحمد عبيد بن دغر رئيسًا للوزراء خلفًا لبحاح، في خطوة مفاجأة ستعيد ترتيب المشهد اليمني على نحو جديد.
دلالات تعيين الشخصيتين كثيرة، فاللواء الأحمر كان قد عين في فبراير الماضي نائبًا للقائد العام للقوات المسلحة، وهو ما كان يدل على اقتراب احتلال الأحمر دورًا هامًا داخل المشهد في اليمن في الأيام التالية، وهو ما قد كان بعد ذلك بتعيينه نائبًا للرئيس.
كذلك تعيين بن دغر رئيسًا للوزراء، وهو آخر المنشقين عن جوقة الرئيس اليمني المخلوع علي عبدالله صالح وأحد المحسوبين على الحراك الجنوبي يحمل العديد من الرسائل في طياته، لها أكثر من بعد جغرافي وسياسي واجتماعي.
يتم الآن إعادة تشكيل وضبط المصنع للمشهد اليمني ككل من قبل السعوديين أصحاب النفوذ الأقوى في هذا الصراع، وذلك قبيل محادثات الكويت التي ستنتطلق قبيل أيام، وهذه القرارات الأخيرة من المرجح أن تؤثر في نتيجة هذا الحوار.
البعض رأى أن السعودية بدأت تستعد لتصفية المشكلة اليمنية بشكل نهائي، من خلال المفاوضات مع الحوثيين التي اعترف بها الجانب السعودي لوضع حد لأزمة اليمن المتفاقمة، تلك المفاوضات هي جانب من الحل بالتأكيد والجانب الآخر ترتيب البيت الداخلي اليمني بتحضير من سيستلم صنعاء في حالة خروج جماعة أنصار الله الحوثي منها في أي وقت.
ذكر الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي في حيثيات القرار الجمهوري أسباب إقالة بحاح من رئاسة الوزراء ومنصب نائب الرئيس، حيث قال إن الإقالة نتيجة للإخفاق الذي رافق أداء الحكومة خلال الفترة الماضية في المجالات الاقتصادية والخدمية والأمنية وتعثر الأداء الحكومي في تخفيف معاناة أبناء شعبنا وحلحلة مشكلاته وتوفير احتياجاته وخصوصًا دمج المقاومة وعلاج الجرحى ورعاية الشهداء .
وأضاف هادي أن من أسباب إقالة رئيس الوزراء من رئاسة الحكومة عدم توفر الإدارة الحكومية الرشيدة للدعم اللامحدود الذي قدمه الأشقاء في التحالف العربي وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية.
هذه هي الحيثيات المعلنة لهذا القرار لكن آخرين يرون أن ثمة كواليس أخرى مختلفة تقف خلف إقالة بحاح أبرزها حسم السعودية لخلافها مع الإمارات في اليمن، بعد أن استمالت الإمارات بحاح بشكل واضح، وقد ظهر خلاف واضح بين الرئيس اليمني ونائبه في الفترات السابقة وسط زيارات مختلفة من بحاح إلى الإمارات ومن هادي إلى السعودية.
تعيين الأحمر ليس بعيدًا عن هذه الكواليس، فشخصية عسكرية مثل الأحمر مقربة من الإسلاميين بشكل ما بالطبع هي على غير رغبة الإمارات، التي سعت بشتى الطرق الفترات الماضية لإزاحتهم من المشهد العسكري والسياسي في اليمن، وقد تماهت السعودية بعض الشئ مع الرغبة الإماراتية في عزل حزب التجمع اليمني للإصلاح المحسوب على تيار الإخوان المسلمين في اليمن.
لكن اللحظة الراهنة فرضت على السعودية التخلص من هذا العبئ، والتعامل ببراجماتية أكثر مع الأمر بتعيين اللواء علي محسن الأحمر في منصب حساس كهذا، ربما يجعل الحوثيين أمام خيارين كلاهما مر بالنسبة إليهم في المفاوضات المقبلة، فإما القبول بهادي وسلطته التي انقلبوا عليها من قبل، وإما القبول باللواء الأحمر نائبه الذي خاض حربًا ضاريًا أمام الحوثيين إبان فترة حكم المخلوع صالح.
تعول السعودية فيما يبدو على الجنرال الأحمر لخوض معركة تحرير صنعاء في حال فشل المفاوضات القادمة، لما له من ثقل عسكري وقبلي، بعد أن سئمت ربما من تململ إدارة هادي وطاقمه الذي كان يترأسه بحاح، لذا استعانت المملكة بأحد الذين سعت لإقصائهم من قبل.
فالأحمر كان ورقة استراتيجية في يد السعودية منذ أن أخرجته من صنعاء بعد أن اجتاحها الحوثيون، وقد جاء دوره الآن للدفع به، حيث تنتظر الرياض من الأحمر إعادة ترتيب الوضع العسكري في اليمن عن طريق استمالة وتحييد القبائل التي تحيط بصنعاء العصية على الاقتحام حتى هذه اللحظة.
وقد أيد هذا القرار بتعيين الأحمر العديد من المتابعين للشأن اليمني واصفين إياه بالقرار الذكي الذي جاء متأخرًا، حيث أن الأحمر يتمتع بشعبية في اليمن نظرًا لتأييده الثورة اليمنية في بدايتها ضد المخلوع علي عبدالله صالح، كذلك يعتبر الأحمر ممثلًا للقوة القبلية الشمالية، ومسيطرًا على جناح من الجيش، ويمكن استثمار علاقته بالإسلاميين في اليمن للحشد لمعركة كبرى ربما يتخلف عنها البعض بسبب توتر العلاقات مع السعودية.
تعيين لجنرال الأحمر يفتح باب التساؤلات حول إعادة احتلال الإخوان المسلمين في اليمن إلى دور أكبر بعد شهور من التوتر مع الرياض بسبب الانقسام السعودي الإماراتي حول دورهم على الأرض، ولكن هذه الخطوة تعني إعادة السعودية لحساباتها معهم، وذلك في رغبة منهم للتخلص من عبئ الأزمة اليمنية التي طالت، بالاعتماد على الفاعلين فيها، خاصة وأن السعودية هي التي تتحمل ضريبة هذا الصراع وحدها بعد أن بدأت الإمارات سحب يدها من الأرض في اليمن والاكتفاء بالنفوذ السياسي والمالي وشراء الولاءات.