حين تذهب إلى سفوح جبال عسير في جنوب المملكة العربية السعودية بالتحديد عند قرية الفرجة على الحدود اليمنية، ستجد الجميع يرتدي أكاليل من الزهور فوق الرؤوس، لا تتعجب!! فهذا ليس حفلًا قائمًا توزع فيه الأكاليل.
إنهم “رجال الزهور الأشداء” ينسجون حياتهم من الزهور، فالعمائم التي يرتدونها من الزهور، ولا تكاد تخلو معيشتهم من هذه الزهور في البيوت والأعمال، بل ويتبارون بها بالأنواع والروائح فيما بينهم، وتعيش هذه القبائل على شكل متناغم مع الطبيعة المحيطة بجبال عسير.
تلك القبائل صاحبة الحضارة العريقة الممتدة لنحو 2000 عام ظلت عصية على محاولات التحديث التي رأوها تتجه لمحو تاريخهم وأعرافهم، فعلى الرغم من حبهم للزهور فلا يمكن أن تنخدع بهذا، لأنهم من أعنف وأشرس القبائل العربية.
ربما المنطقة التي عاش فيها رجال الزهور أثرت على طبيعتهم القاسية، فهذه المنطقة الحدودية عليها نزاع تاريخي بين اليمن والسعودية، وتمركز سكان القبيلة في قرية جبلية اسمها الحبلة (محافظة أحد بمنطقة عسير) تقع على جبل وعر التضاريس، حيث يعيشون على صناعة العسل وتربية الزهور والنباتات، مستخدمين الحبال كوسيلة للتنقل ونقل المؤن والبضائع، ومن هنا ظهر اسم قريتهم “الحبلة”.
ربما حاولت الحكومة السعودية تغيير نمط هذه الحياة البدوية بتوفير أدوات التحديث لهذه المنطقة لكن ظل السكان القبليون متمسكون بعادتهم إلى هذا الوقت، إذ إن قرية الحبلة تحولت في عقد التسعينات من قبل السلطات بشكل قسري إلى منتزه سياحي، أقام أبناء القرية الأصليين بجواره، ولم يسمح لهم بدخول هذا المنتزه سوى لبيع بضاعتهم من العسل والزهور للزائرين، وليقدموا عروض رقصاتهم العريقة.
لذا يمكن القول أن هذه القبائل ما زالت تعيش على قوانينها ولا يمكن للحكومة السعودية أن تفرض عليهم قوانين الدولة، كما أنهم متماسكين إلى حد كبير ويقودون أي صراعات في هذه المنطقة بأنفسهم خارج نطاق الدولة، وقد أكد تقرير أعدته مؤخرًا صحيفة “الديلي ميل” البريطانية عن رجال الزهور بأنهم لا يتقبلون الغرباء بسهولة.
لكن بعد صدور هذا التقرير أفاد بعض النشطاء السعوديين أن انطباعات الجريدة خاطئة عن هذه المنطقة، حيث زعمت الصحيفة أن أهالي القرية يتوجسون من الأجانب، قائلة إن هذا الوصف ينطبق على كل غريب يدخلها.
حيث سرد المصور إريك لافورج الذي زار المنطقة أن رجال الشرطة أخبروه بأن بعض أبناء هذه القبائل غير مرحب بهم في بعض المناطق السعودية، كما أشار إلى أنه لاحظ التعامل غير الجيد مع الأجانب الذين يدخلون قرية رجال الزهور.
“النساء تختبئ” كلما حاول لافروج الاقتراب منهم، كما أنه لاحظ علامات الاندهاش على ملامح الرجال في القرية، لكن ربما تختبئ كل هذه الملامح العنيفة خلف الطبيعة التي تتمتع بها المنطقة.
إلى أن تعرض لافورج إلى حادثة أكدت له عدم ارتياح أبناء هذه المناطق للتعامل مع الغرباء، حينما دخل إلى مطعم محلي لتناول وجبة الغداء، حيث تعرض لتهديد من قِبل بعض الرجال الذين يحملون السكاكين في الداخل، فيما يروي أن رجال الشرطة الذين رافقوه كانوا مسلحين بالرصاص ومع ذلك كانوا خائفين من بضعة رجال يحملون سكاكين.
يرى لافورج أن أحد أسباب عدم استساغة التعامل مع الغرباء لدى رجال الزهور بشكل عام هي طبيعة حياتهم التي عاشوا طوالها يدافعون عن أرضهم في حرب ضد قبائل أخرى، بالإضافة إلى عدم تواصلهم مع أي أجنبي خارج مناطق حدودهم.
حيث يعيشون وسط قراهم التي تشبه القلاع المحصنة بأبراج وجدران ضخمة، والتي تحيط بها مزيد من الصخور للحصول على خط إضافي للدفاع ضد أي غزو من القبائل الأخرى، والمعيشة وسط هذا النمط من الحياة رغم الطبيعة والجمال المحيط بهم تساعد على نمو ردود الأفعال العنيفة.
ولكن على أي حال فالتعامل مع هذه القبائل لا يجب أن يكون من منطلق ضرورة التحديث لأننا في هذه الحالة نتعامل مع تاريخ واقع في حاضرنا، لذا يجب فهم هذه الظواهر الاجتماعية التاريخية وليس التعامل معها من منطلق القمع الممارس على القبائل البدائية.
المصدر: ديلي ميل