نفذ مئات القضاة التونسيون، اليوم، وقفات احتجاجية تحت شعار “وقفة الصمت ضد قانون مرر في صمت رفضًا لقانون المجلس الأعلى للقضاء”، في مختلف محاكم الاستئناف في جمهورية تونس بدعوة من جمعية القضاة التونسيين (مستقلة).
ففي محكمة الاستئناف بتونس العاصمة، تجمع عشرات القضاة مردّدين شعارات منددة بما اعتبروه تدخل السلطة التنفيذية في القضاء التونسي وأخرى تنادي بضرورة التراجع عن هذا القانون، كما قام بعض القضاة بتكميم أفواههم ووضع لاصق فوقها في حركة رمزية للتأكيد على ما شاب المصادقة على هذا القانون حسب قولهم.
وكان البرلمان التونسي قد صادق في جلسة عامة انعقدت الأسبوع الماضي للمرة الثالثة على مشروع قانون متعلق بالمجلس الأعلى للقضاء برمّته بـ 132 نعم، دون احتفاظ ودون رفض.
وسبق وأن طعنت الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القانون مرتين على دستورية مشروع قانون المجلس الأعلى للقضاء بعد المصادقة عليه في جلستين عامتين من قِبل مجلس نواب الشعب، كانت المرة الأولى في 8 جوان 2016 عندما أصدرت تقريرًا أشارت فيه إلى أن “لجنة التشريع العام خلال تعهدها بالمبادرة التشريعة للحكومة المتعلقة بمشروع القانون الأساسي للمجلس الأعلى للقضاء تولت استبعاد هذا المشروع برمته وقامت بصياغة مشروع قانون أساسي جديد يتعلق بذات الموضوع مخالف تمامًا في روحه وفلسفته ومضمونه وبنيته وأجزائه وأقسامه وعدد فصوله للمشروع المقدم من الحكومة”، وقد أعادت الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين الطعن في مشروع القانون بتاريخ 22 ديسمبر 2015، وقد جاء في تقريرها: “إن الصيغة الجديدة لمشروع القانون المصادق عليه بمداولة جديدة لم يقع فيها تجاوز الخلل الإجرائي الذي يُرفع بالعرض الوجوبي لمشروع الحكومة للجلسة العامة”.
وقالت رئيسة جمعية القضاة التونسيين (مستقلة) روضة القرافي في تصريح للصحفيين على هامش هذه الوقفة: “هذا القانون انتكاسة لاستقلالية القضاء والمسار الديمقراطي في البلاد”، وأوضحت قرافي أن “اختيار وضع لصق فوق أفواههم يبرز أهمية رمزية الصمت، وللتأكيد على خطورة ما يقرر بصمت تحت قبة البرلمان بذريعة الإجماع والتوافق” حسب قولها.
وقال نائب رئيس جمعية القضاة التونسيين (مستقلة) أنس الحميدي في وقت سابق أن العديد من الإخلالات وردت في نص المشروع ومن بينها إجراءات عرض هذا المشروع التي اعتبر أنها كانت إجراءات شكلّية لم يبين نواب البرلمان التونسي لدى مصادقتهم عليه أسباب اختيار نفس منوال القضاء الموروث عن نظام الاستبداد وخرقوا بذلك توطئة الدستور الذّي نص على مبدئي الفصل بين السلطات والفصل 102 للدستور الذّي نص على أن القضاء هو سلطة تضمن إقامة العدل واحترام سيادة القانون والدستور وهو ما يقتضي منح مجلس القضاء صلاحيات وواسعة في التفقد القضائي والإشراف على المؤسسات القضائيّة، حسب قوله.
وأكد القضاة المحتجون مخالفة القانون لدستور البلاد والمعايير الدولية، وشددوا على ضرورة استقلالية القضاء من أجل بناء تونس الديمقراطية.
من جهتها أعبرت الهيئة الإدارية لنقابة القضاة التونسيين عن استغرابها الشديد من طريقة مناقشة مشروع قانون المجلس الأعلى للقضاء والتداول والتصويت على فصوله من قِبل أعضاء مجلس نواب الشعب، وأكدت في بيان لها تمسكها برفض ما من شأنه أن يمس من استقلال السلطة القضائية وفق ما تضمنه الدستور وطبق المعايير الدولية لاستقلال القضاء.
ودعت النقابة إلى بعث تنسيقية عامة للقضاة للتفاوض والبحث في الخيارات الممكنة بالتشاور مع الهيئة الوقتية للقضاء العدلي ضمانًا لتوحيد الموقف، داعية كافة القضاة لحضور الجلسة العامة المقررة السبت بمدينة العلوم للتداول بخصوص هذه المستجدات.
وينص مشروع القانون المكون من 101 مادة على أن “المجلس الأعلى للقضاء” مؤسسة دستورية تمثل السلطة القضائية، وتتمتع بالاستقلال الإداري والمالي، ويشمل المشروع بنودًا تضمن استقلال السلطة القضائية، وحسن سير القضاء، وفق أحكام الدستور والمعايير الدولية.
وسبق وأن صرّح وزير العدل السابق محمد الصالح بن عيسى أن عدم موافقته على مشروع قانون المجلس الأعلى للقضاء كان سببًا في إقالته، لأنه رفض الحضور في الجلسة العامة المخصصة لمناقشة القانون، نظرًا لأنه لم يكن مقتنعًا بنص القانون على حد وصفه.
ومن المنتظر أن تبت الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين للمرة الثالثة على التوالي في دستورية فصول هذا القانون في المدة القادمة.