منذ اندلاع ثورة يناير في مصر عام 2011 وحتى الآن، كانت تهمة “الخيانة” و”العمالة” لصالح إسرائيل هي القاسم المشترك في خطاب المنتمين لنظام الرئيس المخلوع حسني مبارك ضد المتظاهرين والثوار، لكن الأحداث كشفت عن تورط عدد كبير من مؤيدي نظام مبارك والسيسي ورموز نظامهما في علاقات وطيدة مع نفس الدولة التي يتهمون الثوار أنهم عملاء لها.
الخارجية
كانت وزارة الخارجية المصرية آخر من تورط بشكل فج أكثر من اللازم، لدرجة تعدت التطبيع إلى الدعم الصريح المتبادل بين مصر وإسرائيل.
فقد شاركت ممثلة عن السفير المصري في مؤتمر إسرائيلي خصص لمناقشة لمواجهة حركة المقاطعة الغربية لمنتجات الاحتلال الإسرائيلي، بمشاركة الرئيس الإسرائيلي وعدد من الوزراء وممثلين عن اللوبي الإسرائيلي بالولايات المتحدة وشخصيات أمنية وسياسية.
وكانت حركة المقاطعة لإسرائيل قد حققت تقدما هاما خلال الأسابيع الماضية، تمثل في بدء تطبيق قرار يقضي بوضع ملصق على المنتجات الواردة من المستوطنات اليهودية في الاراضي الفلسطينية المحتلة، وذلك لتمييزها عن تلك الآتية من “إسرائيل”.
أما وزير الخارجية نفسه سامح شكري، فقد استهل زيارته إلى الولايات المتحدة أواخر مارس/ آذار الماضي للمشاركة في قمة الأمان النووي بلقاء اللجنة اليهودية الأمريكية، إحدى أهم مؤسسات اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة. ويعتبر اللوبي الصهيوني أقوى المؤسسات المدافعة عن نظام السيسي لدى الإدارة الأمريكية والداعمة له.
وكان السيسي قد استقبل وفودا من كيانات ومؤسسات أميركية مساندة لإسرائيل وتنتمي إلى اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، كان آخرها وفد قيادات مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية في الولايات المتحدة، التي تجمع منظمات اللوبي الصهيوني تحت مظلة واحدة، منهم إيباك ومنظمة أصدقاء جيش الدفاع الإسرائيلي، وصرح رئيس الوفد بعد اللقاء بأنه “منبهر” بالسيسي.
ورغم أن النائب السابق في مجلس النواب توفيق عكاشة قد أسقطت عضويته من المجلس بدعوى لقاءه مع السفير الإسرائيلي، إلا أن نائبا آخر لم يجد غضاضة في إطلاق مبادرة لتكوين وفد برلماني لزيارة الكنيست الإسرائيلي “في إطار الاستفادة الشاملة من التطور الاقتصادي والتنموي لدى إسرائيل. مضيفا خلال ندوة بمقر صحيفة البوابة نيوز “علينا الاستفادة من إسرائيل في جميع الجوانب المتطورة التي توصلت لها دون النظر الى قضية التطبيع مع الصهاينة، مؤكدًا أن الشعب المصري مسالم، وإنه لا يرفض التطبيع بنسبة 100%”.
تطبيع رياضي
بعد هذه “المبادرة” بيوم واحد، قال خالد عبد العزيز وزير الشباب والرياضة، إن مصر لا تستطيع منع إسرائيل من المشاركة في بطولة كأس العالم لكرة السلة للشباب تحت 19 سنة، والتي تقام العام القادم بالقاهرة، وأن مصر ملزمة باستضافة كل المنتخبات المتأهلة للبطولة بما فيها إسرائيل.
مسؤول ثان في الرياضة المصرية هو عزمي مجاهد، المتحدث باسم اتحاد الكرة المصري، قال إن مصر مستعدة لممارسة الرياضة في تل أبيب ولعب مباريات لكرة القدم بها، معتبرا أن “قطر” أخطر على مصر من إسرائيل. كما أن وجود إسرائيل في كأس العالم لكرة السلة للشباب لن يجعل مصر تتخلى عن تنظيم البطولة.
جاءت هذه التصريحات بعد الكشف عن تورط مرتضى منصور رئيس نادي الزمالك وعضو مجلس النواب في تطبيع رياضي بعد قيامه بدفع 300 ألف دولار عمولة لأحد الوكلاء الإسرائيليين في صفقة انتقال اللاعب الزامبى إيمانويل مايوكا للنادي، وقام بإخفاء عقد العمولة وإضافة القيمة على قيمة مستحقات اللاعب في العقد.
وكشف موقع “الوطن سبورت” أن الوكيل الإسرائيلي حرص على التوقيع على العقد باللغة العبرية، بجوار توقيع اللاعب ورئيس النادي، كما كشف عن حضور الوكيل الإسرائيلي إلى القاهرة مع اللاعب عند توقيع العقد، وظهوره في المران الأول للاعب الزامبى مع الزمالك.
وكان منصور قد عبر عن “صدمته” و”حزنه” بعد لقاء عكاشة بالسفير الإسرائيلي، معتبرا أن الأخير “انتحر سياسيا” بهذا اللقاء.
واقتصر رد رئيس الزمالك على نفيه إرسال أي مبالغ مالية لبنوك إسرائيلية، متجاهلا الحديث عن جنسية الوكيل والمبلغ الذي حصل عليه. كما حاول نجل منصور نفي التهمة بالحديث عن الديانة اليهودية للمدير الفني الجديد للنادي الأهلي “مارتن يول”. واعتبر “خالد الغندور” أحد لاعبي الزمالك السابقين أنه لا توجد مشكلة في أن يتعامل مسؤولو النادي مع وكلاء لاعبين إسرائيليين في حال رغبتهم التعاقد مع أي لاعب، متهما البرتغالي مانويل جوزيه المدير الفني السابق للنادي الأهلي بأنه كان “ملحداً”.
مصير عكاشة
بعد استعراض هذه المواقف تبدو عملية إسقاط توفيق عكاشة من مجلس النواب غامضة ومحيرة، فلم يفعل عكاشة شيئا سوى أنه قام بنفس ما يقوم به العديد من رجال النظام وحتى السيسي نفسه، فلماذا لقي عكاشة هذا المصير بينما لم يقترب أحد من الآخرين؟
تعرض عكاشة للضرب بالحذاء من قبل “كمال أحمد” عضو مجلس النواب، بعد ما يقرب من عامين من رفع عكاشة الحذاء في وجه الشعب الفلسطيني أثناء العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة في يوليو/ تموز 2014. لتكتب نهايته بعد إعلانه إغلاق قناة الفراعين التي يرأسها.
بعد سقوط عكاشة كثرت “السكاكين” الموجهة إليه، فقد نشرت صحيفة اليوم السابع صورا قالت إنها لرحلة سابقة لعكاشة إلى إسرائيل قبل ثورة يناير 2011، وتكشف الصور عن لقاءه مع عدد من المسئولين هناك، فيما بدا وكأنها تعليمات قد صدرت من جهة ما تقضي بالكشف عن هذه الصور لإحراج الأخير.
وكان عكاشة قد رد على الهجوم الذي شن عليه بعد لقاءه بالسفير الإسرائيلي، بالكشف عن قيامه بتوجيه النصح للسيسي بأن يطلب وساطة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو لدى الرئيس الأمريكي باراك أوباما للاعتراف بنظام ما بعد الثلاثين من يونيو وعدم توصيف ما حدث بأنه “انقلاب”، وقيام رئيس الوزراء الإسرائيلي بترتيب اللقاء الذي جمع بين السيسي وأوباما على هامش الدورة الماضية للجمعية العامة للأمم المتحدة، كاشفا عن رعاية إحدى الشركات الإسرائيلية لمؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي الذي عقد في مارس من العام الماضي. كما دعا من يهاجمونه إلى إلغاء معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية التي أتاحت إقامة علاقات أمنية ودبلوماسية بين البلدين بدلا من الاكتفاء بانتقاد ما فعله.
كما وجه عكاشة رسالة إلى “الشعب الإسرائيلي” يحذر فيها من خطورة وصول الرئيس المعزول محمد مرسي إلى منصب الرئاسة قبل انتخابات الإعادة عام 2012، مؤكدا أنهم لن يعيشوا مطمئنين في هذه الحالة.
كما ظهر عكاشة في برنامج “الحكم بعد المزاولة” الذي تقوم فكرته على عمل لقاء مع أحد الشخصيات والإيحاء بأن هذا اللقاء سيذاع في قناة إسرائيلية، وقد أعلن عكاشة في البرنامج قبوله الظهور في استضافة قناة إسرائيلية وبرنامج إسرائيلي، معترفا أنه زار إسرائيل 3 مرات، كما وافق على تصدير الغاز لإسرائيل، وأكد أنه معترف بحق اليهود في “تراثهم” في الأراضي الفلسطينية، وأن ليس للعرب في القدس إلا الأقصى فقط. لكن عكاشة اعترض على إذاعة الحلقة بعدما اكتشف أنها عبارة عن برنامج مقالب مصري، قائلا إن ما يقوله في “قناة إسرائيلية” غير الكلام الذي يقوله في قناة مصرية.
وطالب عكاشة بترشيح إسرائيلي لمنصب الأمين العام للأمم المتحدة وقصف غزة بالتعاون مع إسرائيل، متهما الشعب الفلسطيني بأنه “شعب باع قضيته وباع نفسه” وموجها لهم السباب، وهو ما جعل التلفزيون الإسرائيلي يحتفي بأقواله آنذاك. كما وصفت قناة الفراعين التي يرأسها “انتفاضة السكاكين” في الأراضي الفلسطينية بأنها “موجة من الإرهاب الفلسطيني تجتاح إسرائيل”.
ورغم أن العديد من الإعلاميين المؤيدين للنظام قد أبدوا استنكارهم لما فعله عكاشة، واحتفاءهم بالاعتداء على الأخير بالحذاء، إلا أنهم تجاهلوا الحديث عن العلاقات الوطيدة التي تربط بين نظام السيسي وإسرائيل، وهي العلاقة التي عبر عنها مسئولون إسرائيليون في تصريحات عديدة، خاصة فيما يتعلق بالتنسيق الأمني والاستخباراتي ومحاصرة قطاع غزة، بالإضافة إلى دعوة السيسي في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي إلى توسيع معاهدة السلام مع إسرائيل لتشمل المزيد من الدول العربية، وتصويت مصر لصالح انضمام إسرائيل إلى عضوية لجنة تابعة للأمم المتحدة في أكتوبر الماضي، وعودة السفير المصري إلى إسرائيل بعد 3 سنوات من قيام الرئيس المعزول محمد مرسي بسحبه عقب العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2012.
اليزل آخر الراحلين
أما سامح سيف اليزل، ضابط المخابرات الراحل، ورئيس ائتلاف “دعم مصر” المسيطر على مجلس النواب، وأحد الشخصيات المهمة داخل النظام، فقد كشف عام 2012 عن رئاسته الفرع المصري من شركة الأمن العالمية “جي فور إس”، التي لديها شركاء في إسرائيل، وتضمنت قائمة مؤسسيها مؤسسيها العديد من الشخصيات الإسرائيلية، وفقا لما نشره موقع البديل في ذلك الوقت، وقد أقر اليزل بصحة تلك المعلومات، وأنه يمتلك 15% من أسهم الفرع المصري بالفعل.
وكانت عدة حملات قد دعت لمقاطعة الشركة، بعد الكشف عن شراكتها مع قوات الاحتلال الإسرائيلي في إمدادها بمعدات قمعية للسجون وحواجز أمنية بالضفة الغربية والأراضي الفلسطينية المحتلة، كما تعمل داخل إسرائيل في السجون والمعابر، وهو ما أدى إلى إنهاء التعاقد معها في عدد من الدول الأوربية، وأعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف” في الأردن إنهاء عقودها مع الشركة الأمنية المتواطئة مع الاحتلال.
وحدد تقرير أصدرته مجموعة “هو بروفيتس”، أربعة أدوار أساسية تقوم بها شركة “جي فور أس” في الضفة الغربية، وهي: تقديم تجهيزات وخدمات أمنية للسجون التي يُحتجَز فيها السجناء السياسيون الفلسطينيون داخل إسرائيل وفي الضفة الغربية المحتلة، وتقديم خدمات أمنية إلى الشركات في المستوطنات، وتقديم تجهيزات وخدمات صيانة لنقاط التفتيش العسكرية الاسرائيلية في الضفة الغربية، وتقديم أجهزة أمن لمقرات الشرطة الاسرائيلية في الضفة.
عمل اليزل مع شركة كهذه بدا متسقا مع التصريحات الصحفية التي أدلى بها تعليقا على أزمة توفيق عكاشة، إذ أكد أن الأخير لم يخالف القانون بلقاء سفير إسرائيل، وأنه لا يوجد نص قانوني يمنع لقاء أي مواطن مصري بأي سفير.
وروى الكاتب الشاب أحمد سمير موقفا جمع بينه وبين اليزل أثناء قيامه بعمل حوار معه عام 2011، عندما أكد له الأخير أن إسرائيل ليست خطرا على مصر وإنما قطاع غزة.