من هم آل المهلب؟
آل المهلب، أسرة عربية مجيدة، ذات سيادة ونباهة منذ فجر الإسلام، ولهم أعمال خالدة في التاريخ الإسلامي، منذ التحاقهم بخدمة الأمويين، وصاروا من رجالاتهم، وارتفعت مكانتهم لديهم، حيث تقلدوا أرقى المناصب الإدارية والعسكرية في عهد الخليفة عبد الملك بن مروان وولده سليمان، وواصلوا جهودهم في الفتوحات في بلاد فارس وما وراء النهر. وهكذا برز منهم رجال ذاع صيتهم في الآفاق بما اتصفوا به من علم، وحزم، وشجاعة، وكفاية إدارية، وجود وكرم. وفيهم يقول الشاعر:
آل المهلب قوم إن نسبتهم *** كانوا الأكارم آباء وأجدادا
كم حاسدٍ لهم يعيا بفضلهم *** وما دنا من مساعيهم ولا كادا
إن العرانين تلقاها محسدةً *** ولا ترى للئام الناس حسادا
لو قيل للمجد حد عنهم وخلهم *** بما احتكمت من الدنيا لما حادا
إن المكارم أرواح يكون لها *** آل المهلب دون الناس أجسادا
“وأجمع علماء التاريخ على أنه لم يكن في دولة بني أمية أكرم من بني المهلب، كما لم يكن في دولة بني العباس أكرم من البرامكة، ..، وكان لهم في الشجاعة أيضًا مواقف مشهورة” (ابن خلكان).
والمهالبة هم بنو المهلب بن أبي صفرة الأزدي، تابعي كبير، ومجاهد عظيم، برز مجاهدًا للترك والخوارج زمن الأمويين، فما كان لهم إلا هو، فعلى يديه كُسرت شوكتهم، وفُتحت بلادهم. ولي خراسان سنة 79هـ في عهد عبد الملك بن مروان من جهة الحجاج بن يوسف الثقفي -فإنه كان أمير العراقين وزوج ابنته هند بنت المهلب، ولم يزل واليًا عليها حتى توفي سنة 83هـ، وخلف المهلب عدة أولاد نجباء كرماء أجواد أمجاد، جمعهم المهلب عندما حضرته الوفاة، ودعا بسهام فحزمت، ثم قال: أترونكم كاسريها مجمعة؟! قالوا: لا، قال: أفترونكم كاسريها مفرقة؟! قالوا: نعم، قال: هكذا الجماعة، ثم مات. وكان قدم عبد الرحمن بن سليم الكلبي على المهلب، فرأى بنيه قد ركبوا عن آخرهم، فقال: “أنس الله الإسلام بتلاحقكم، أما والله لئن لم تكونوا أسباط نبوة، إنكم أسباط ملحمة”.
يزيد بن المهلب بن أبي صفرة
ولما حضرت المهلب الوفاة عهد على خراسان لابنه يزيد، وكان يزيد من القادة الشجعان الأجواد، مكث في ولايته على خراسان حتى سنة 85هـ، ثم عزله عبد الملك بن مروان برأي الحجاج، وولى مكانه قتيبة بن مسلم الباهلي، إذ كان الحجاج يكره يزيد لما يرى فيه من النجابة فيخشى منه أن يتولى مكانه، فكان يقصده بالمكروه في كل وقت كي لا يثب عليه، وكان الحجاج في كل وقت يسأل المنجمين عمن يكون مكانه، فيقولون: رجل اسمه يزيد، فلا يرى من هو أهلٌ لذلك سوى يزيد بن المهلب، وكذا وقع، فإنه لما مات الحجاج ولي يزيد مكانه.
فلما تم عزل يزيد، حبسه الحجاج وعذَّبه، فهرب يزيد من محبسه إلى الشام يريد سليمان بن عبد الملك، فأتاه فشفع له إلى أخيه الوليد بن عبد الملك، فأمَّنه وكفَّ عنه، ولما أفضت الخلافة إلى سليمان بن عبد الملك، ولاه العراق ثم خراسان، فعاد إليها، وافتتح جرجان وطبرستان، فكتب إلى سليمان بن عبد الملك: “إني قد فتحت طبرستان وجرجان، ولم يفتحهما أحد من الأكاسرة ولا أحد ممن كان بعدهم غيري، وإني باعث إليك بقطران عليها الأموال والهدايا يكون أولها عندك وآخرها عندي”.
ثم إن يزيد طلب إمارة العراق فولَّاه سليمان البصرة (كان للمهالبة حي خاص بالبصرة بعد تمصيرها، فقيل: بصرة المهلب)، فلما مات سليمان في صفر 99هـ، وأفضت الخلافة إلى عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه بعده، عزله وولَّى مكانه عدي بن أرطأة، فأخذ يزيد وأوثقه، وبعث به إلى عمر، فلما وصل، سأله عمر عن الأموال التي كتب بها إلى سليمان، فأنكرها، فقال عمر: “ما أجد في أمرك إلا حبسك، فاتق الله وأد ما قبلك، فإنها حقوق المسلمين ولا يسعني تركها”، فحسبه بحلب.
فقدم ابنه مخلد بن يزيد على عمر، وقال له: ما بالك قد وسع الناس عفوك حبست هذا الشيخ، فإن تكن عليه بينة عادلة فاحكم عليه وإلا فيمينه، أو فصالحه على ضياعه، فقال يزيد: أما اليمين فلا تتحدث العرب أن يزيد صبر عليها، ولكن ضياعي فيها وفاء لما يطلب. ثم مات مخلد بالطاعون وهو ابن 27 سنة، فقال عمر: لو أراد الله بهذا الشيخ خيرًا لأبقى هذا الفتى. وصلى عليه عمر، ثم قال: اليوم مات فتى العرب.
وكان عمر قد منع الناس من الدخول على يزيد بمحسبه، فأتاه سعيد بن عمرو بن العاص –وكان يؤاخيه- فقال: يا أمير المؤمنين، لي على يزيد خمسون ألف درهم، وقد حلت بيني وبينه، فإن رأيت أن تأذن لي فأقتضيه، فأذن له، فدخل عليه، فسر به يزيد وقال: كيف دخلت إلي فأخبره سعيد، فقال: والله لا تخرج إلا وهي معك، فامتنع سعيد، فحلف يزيد ليقبضها، فوجه إلى منزله، حتى حمل إلى سعيد خمسون ألف درهم. وفي ذلك قال بعضهم:
فلم أر محبوسًا من الناس ماجدًا *** حبا زائرًا في السجن غير يزيد
سعيد بن عمرو إذ أتاه أجازه *** بخمسين ألفًا عجلت لسعيد
ولما مرض عمر في سنة 101هـ، خاف يزيد بن المهلب من يزيد بن عبد الملك بن مروان ولي عهد عمر، وكان يزيد بن المهلب لما ولي العراق قد عذب آل أبي عقيل، وهم رهط الحجاج، وكانت أم الحجاج بنت محمد بن يوسف بن الحكم بن أبي عقيل عند يزيد بن عبد الملك، وهي أم الوليد بن يزيد، وكان يزيد بن عبد الملك قد عاهدها لئن أمكنه الله من يزيد بن المهلب ليقطعن منه طابقًا، فلما اشتد مرض عمر اجتهد ابن المهلب في الهروب، فنجح في ذلك، فلما أمِن، كتب إلى عمر: إني والله لو علمت أنك تبقى ما خرجت من محبسي، ولكني لم آمن يزيد بن عبد الملك، فقال عمر: اللهم إن كان يريد بهذه الأمة شرًا فاكفهم شره واردد كيده في نحره.
ثورة يزيد بن المهلب
ولما مات عمر في رجب 101هـ ولي بعده يزيد بن عبد الملك، الذي اصطدم بطموح يزيد بن المهلب الذي سار إلى البصرة فدخلها وغلب عليها، وحبس عاملها عدي بن أرطأة وخلع بيعة يزيد، ورام الخلافة لنفسه، فجاءته إحدى حظاياه وقبلت الأرض بين يديه وقالت: السلام عليك يا أمير المؤمنين، فأنشدها:
رويدك حتى تنظري عم تنجلي *** عماية هذا العارض المتألق
ثم إن يزيد بن عبد الملك جهز لقتاله أخاه مسلمة بن عبد الملك وابن أخيه العباس بن الوليد بن عبد الملك، ومعهما جيش كثيف يشتمل على ثمانين ألفًا من أهل الشام والجزيرة، وخرج يزيد بن المهلب للقائهم بما يزيد عن مائة ألف جندي، واستخلف على البصرة ولده معاوية بن يزيد وعنده الرجال والأموال وأسرى بني أمية، وجعل بين يديه في القتال أخاه عبد الملك بن المهلب، وسار حتى نزل العَقْر (عقر بابل بين واسط وبغداد بالقرب من كربلاء)، ثم أقبل مسلمة بن عبد الملك حتى نزل على يزيد بن المهلب فاصطفوا، ثم اقتتل القوم، فشد أهل البصرة على أهل الشام فكشفوهم، ثم إن أهل الشام كروا عليهم فكشفوهم، وكان على مقدمة جيش يزيد أخوه عبد الملك، فلما انكشف جاء إلى أخيه يزيد، وكان الناس يبايعون يزيد بن المهلب، وكانت مبايعته على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وأن لا تطأ الجنود بلادهم ولا بيضتهم، ولا تعاد عليهم سيرة الحجاج.
وكان مروان بن المهلب بالبصرة يحرض الناس على حرب أهل الشام ويسرح الناس إلى أخيه يزيد، وكان الحسن البصري رحمه الله يثبط الناس عن يزيد بن المهلب، فقال يومًا في مجلسه: يا عجبًا لفاسق من الفاسقين ومارق من المارقين غير برهة من دهره، يهتك الله في هؤلاء القوم كل حرمة، ويركب له فيهم كل معصية ويأكل ما أكلوا ويقتل ما قتلوا، حتى إذا منعوه لماظةً كان يتلمظها قال: أنا لله غضبان فاغضبوا، ونصب قصبًا عليها خرق، وتبعه أناس، وقال: أدعوكم إلى سنة عمر بن عبد العزيز، ألا وإن من سنة عمر أن توضع رجلاه في قيد ثم يوضع حيث وضعه عمر، فقال له رجل: أتعذر أهل الشام يا أبا سعيد -يعني بني أمية، فقال: أنا أعذرهم لا عذرهم الله! والله لقد حدث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “اللهم إني حرمت المدينة بما حرمت به بلدك مكة”، فدخلها أهل الشام ثلاثًا لا يغلق لها باب إلا أحرق بما فيه، حتى إن الأقباط والأنباط ليدخلون على نساء قريش فينتزعون خمرهن من رؤوسهن وخلاخلهن من أرجلهن، سيوفهم على عواتقهم، وكتاب الله تحت أرجلهم، أنا أقتل نفسي لفاسقين تنازعا هذا الأمر، والله لوددت أن الأرض أخذتهما خسفًا جميعًا.
فبلغ ذلك يزيد بن المهلب فأتى الحسن، هو وبعض بني عمه إلى حلقته في المسجد متنكرين، فسلما عليه ثم خلوا به، فاشرأب الناس ينظرون إليهم، فلاحاه يزيد، فدخل في ملاحاتهما ابن عم يزيد، فقال له الحسن: وما أنت وذاك يا ابن اللخناء، فاخترط سيفه ليضربه به، فقال يزيد: ما تصنع؟! قال: أقتله، فقال له يزيد: اغمد سيفك، فوالله لو فعلت لانقلب من معنا علينا.
مصارع آل المهلب
وكانت إقامة يزيد بن المهلب منذ اجتمع هو ومسلمة بن عبد الملك ثمانية أيام، حتى إذا كان يوم الجمعة 15 صفر سنة 102هـ أمر مسلمة أحد قواده أن يحرق الجسور التي كان عقدها يزيد بن المهلب، فأحرقت، والتقى الجمعان ونشبت الحرب، ولم يشتد القتال، فلما رأى الناس الدخان، وقيل لهم: أحرق الجسر انهزموا، فقالوا ليزيد: قد انهزم الناس. قال: ومم انهزموا؟ هل كان قتال ينهزم من مثله! فقيل له: قالوا: أحرق الجسر فلم يثبت أحد، فقال: قبحهم الله بقٌّ دخِّن عليه فطار. ثم خرج معه أصحابه فقال: اضربوا وجوه المنهزمين، ففعلوا ذلك بهم حتى كثروا عليه، واستقبله أمثال الجبال، فقال: دعوهم فوالله إني لأرجو أن لا يجمعني وإياهم مكان أبدا، دعوهم يرحمهم الله، غنم عدا في نواحيها الذئب! وكان يزيد لا يحدث نفسه بالفرار، وقد كان أتاه يزيد بن الحكم بن أبي العاص الثقفي بواسط فقال له:
إن بني مروان قد بار ملكهم *** فإن كنت لم تشعر بذلك فاشعر
فقال ما شعرت. فقال ابن الحكم:
فعش ملكًا أو مت كريمًا فإن تمت *** وسيفك مشهور بكفك تعذر
فقال: أما هذا فعسى.
فلما رأى يزيد انهزام أصحابه نزل عن فرسه وكسر جفن سيفه واستقبل، وجاءه من أخبره أن أخيه حبيبًا قد قُتل، فقال: لا خير في العيش بعد حبيب، قد كنت والله أبغض الحياة بعد الهزيمة، فوالله ما ازددت لها إلا بغضًا، امضوا قدمًا. قال أصحابه: فعلمنا أن الرجل قد استقتل.
وأخذ من يكره القتال ينكص، وأخذوا يتسللون، وبقيت معه جماعة حسنة، وهو يتقدم، فكلما مر بخيل كشفها أو جماعة من أهل الشام عدلوا عنه وعن أصحابه، فجاء أبو رؤبة المرجئ وقال: ذهب الناس، فهل لك أن تنصرف إلى واسط فإنها حصن تنزلها ويأتيك أهل البصرة ويأتيك أهل عمان والبحرين في السفن وتضرب خندقًا. فقال له: قبح الله رأيك، ألي تقول ذا الموت أيسر علي من ذلك، فقال له: فغني أتخوف عليك، أما ترى ما حولك من جبال الحديد فقال له: فأنا أباليها أجبال حديد كانت أم جبال نار اذهب عنا إن كنت لا تريد قتالًا معنا.
ثم أقبل يزيد على مسلمة لا يريد غيره، حتى إذا دنا منه، دعا مسلمة بفرسه ليركبه، فعطفت عليه خيول أهل الشام وعلى أصحابه، فقال القحل بن عياش الكلبي لما نظر إلى يزيد: يا أهل الشام هذا والله يزيد، لأقتلنه أو ليقتلني، إن دونه ناسًا، فمن يحمل معي يكفيني أصحابه حتى أصل إليه فقال له ناس من أصحابه: نحن نكمل معك، فحملوا بأجمعهم، فاضطربوا ساعة وسطع الغبار وانفرج الفريقان عن يزيد قتيلًا، وجاء القحل وهو في رمقه الأخير، فأومأ إلى أصحابه يريهم مكان يزيد، وأنه هو قاتله وأن يزيد قتله. وجاء برأس يزيد مولى لبني مرة، فقيل له: أنت قتلته فقال: لا. وقيل: بل قتله الهذيل بن زفر بن الحارث الكلابي، ولم ينزل يأخذ رأسه أنفة. فقتل يزيد بن المهلب، وقتل معه أخوه محمد وجماعة من أصحابه. وإياه عنى الفرزدق بقوله:
وإذا الرجال رأوا يزيد رأيتهم *** خضع الرقاب نواكس الأبصار
ولما قُتل يزيد كان المفضل بن المهلب يقاتل أهل الشام، وما يدري بقتل يزيد ولا بهزيمة الناس، فأُتي، وقيل له: ما تصنع هاهنا وقد قتل يزيد وحبيب ومحمد، وانهزم الناس منذ طويل؟ فتفرق الناس عنه، ومضى المفضل إلى واسط، “فما كان من العرب أضرب بسيفه، ولا أحسن تعبية للحرب، ولا أغشى للناس منه”. وقيل: بل أتاه أخوه عبد الملك، وكره أن يخبره بقتل يزيد فيستقتل، فقال له: إن الأمير قد انحدر إلى واسط. فانحدر المفضل بمن بقي من ولد المهلب إلى واسط، فلما علم بقتل يزيد حلف أنه لا يكلم عبد الملك أبدا، فما كلمه حتى قُتل بقندابيل. وكانت عينه أصيبت في الحرب، فقال: فضحني عبد الملك، ما عذري إذا رآني الناس، فقالوا شيخ أعور مهزوم! ألا صدقني فقتلت؟ ثم قال:
ولا خير في طعن الصناديد بالقنا *** ولا في لقاء الحرب بعد يزيد
فلما فارق المفضل المعركة، جاء عسكر الشام إلى عسكر يزيد، فقاتلهم أبو رؤبة صاحب المرجئة ساعة من النهار، وأسر مسلمة في هذه المعركة نحو ثلاثمائة أسير، فسرحهم إلى الكوفة، فحبسوا بها، فجاء كتاب يزيد بن عبد الملك إلى محمد بن عمرو بن الوليد يأمره بضرب رقاب الأسرى، فضرب رقابهم.
ولما جاءت هزيمة يزيد أهل واسط أخرج معاوية بن يزيد بن المهلب اثنين وثلاثين أسيرًا كانوا في يديه فضربوا أعناقهم، منهم عدي بن أرطأة وابنه محمد، ثم خرج وقد قال له القوم: ويحك، إنا لا نراك تقتلنا إلا أن أباك قد قُتل، ثم أقبل حتى أتى البصرة معه المال والخزائن، وجاء المفضل بن المهلب، واجتمع جميع أهل المهلب بالبصرة وقد كانوا يتخوفون الذي كان، فأعدوا السفن البحرية وتجهزوا، وأمَّروا عليهم المفضل بن المهلب. فلم يزل المفضل عليهم حتى خرجوا إلى كرمان، وبكرمان فلول كثيرة، فاجتمعوا إلى المفضل، وبعث مسلمة بن عبد الملك في طلب آل المهلب وطلب الفلول، فأدركوهم في عقبة بفارس.
عندئذ تفرق الناس عن آل المهلب، فلما رأى ذلك مروان بن المهلب أراد أن ينصرف إلى النساء فيقتلهن، لئلا يصرن إلى أولئك، فنهاه المفضل عن ذلك، وقال: إنا لا نخاف عليهن من هؤلاء. فتركهن، وتقدموا بأسيافهم، فقاتلوا حتى قتلوا من عند آخرهم، وهم: المفضل، وعبد الملك، وزياد، ومروان بنو المهلب، ومعاوية بن يزيد بن المهلب، والمنهال بن أبي عيينة بن المهلب، وعمرو والمغيرة ابنا قبيصة بن المهلب، وحملت رءوسهم، وفي أذن كل واحد رقعة فيها اسمه إلا أبا عيينة بن المهلب، وعمر بن يزيد بن المهلب، وعثمان بن المفضل بن المهلب، فإنهم لحقوا برتبيل.
وبعث مسلمة بالأسرى وبرؤوسهم إلى أخيه يزيد وهو على حلب، فلما نصبوا خرج لينظر إليهم، فقال لأصحابه: هذا رأس عبد الملك، هذا رأس المفضل، والله لكأنه جالس معي يحدثني. ولما حمل رأس يزيد بن المهلب إلى يزيد بن عبد الملك نال منه بعض جلسائه، فقال له: مه، إن يزيد طلب جسيمًا، وركب عظيمًا، ومات كريمًا.
وأما الأسرى فكانوا أحد عشر أسيرًا، فلما قُدم بهم على يزيد بن عبد الملك وعنده كثيِّر عزة، فأنشد:
حليم إذا ما نال عاقب مجملا *** أشد العقاب أو عفا لم يثرب
فعفوا أمير المؤمنين وحسبة *** فما تأته من صالح لك يكتب
أساءوا فإن تصفح فإنك قادر *** وأفضل حلم حسبة حلم مغضب
قال يزيد بن عبد الملك: هيهات يا أبا صخر! طفَّ بك الرحم، لا سبيل إلى ذلك، إن الله عز وجل أفادنيهم بأعمالهم الخبيثة. ثم أمر بهم، فقتلوا، وبقي غلام صغير، فقال: اقتلوني، فما أنا بصغير. فقال: انظروا أنبت. فقال: أنا أعلم بنفسي، فقد احتلمت، ووطئت النساء. فأمر به يزيد فقتل.
وأسماء الأسرى الذين قُتلوا: المعارك، وعبد الله، والمغيرة، والمفضل، ومنجاب أولاد يزيد بن المهلب، ودريد، والحجاج، وغسان، وشبيب، والفضل أولاد المفضل بن المهلب، والمفضل بن قبيصة بن المهلب. وأما أبو عيينة بن المهلب فأرسلت هند بنت المهلب إلى يزيد بن عبد الملك في أمانه، فآمنه، وبقي عمر وعثمان حتى ولي أسد بن عبد الله القسري خراسان، فكتب إليهما بأمانهما، فقدما خراسان.
لقد كانت شجاعة يزيد وإعجابه بنفسه سبيلًا إلى هلاك آل المهلب، بعد أن كانوا سيف الخلافة في وجه الخوارج وأملها في اتساع الفتوحات في خراسان وفارس والسند وبلاد ما وراء النهر. ولقد كانت مصارع بني المهلب مصارع شجعان أبطال أجواد، جادوا بأنفسهم وأموالهم حتى في وقت محنتهم، وقد حملت مصارعهم أعجوبتين، أما الأولى: فهي قرب موضع مصرعهم بكرباء الحسين، ولذا ظل الناس يقولون زمنًا: “ضحى بنو أمية بالدين يوم كربلاء، وبالكرم يوم العَقْر”. والثانية قال فيها ابن الجوزي (المدهش): “ومن العجائب: ثلاثة إخوة، ولدوا في سنة واحدة، وقتلوا في سنة واحدة، وكانت أعمارهم ثماني وأربعين سنة: يزيد، وزياد، ومدرك، بنو المهلب بن أبي صفرة”.
وهكذا لم تشفع لآل المهلب خدماتهم وإنجازاتهم العسكرية والسياسية في خدمة الأمويين، فلحقت بهم الضربة القاضية من قتل وتشريد زمن يزيد بن عبد الملك، لتنتهي مع هذه الضربة تاريخ أسرة عربية كان لها منجزاتها الخالدة في تاريخ الإسلام. وبعد هذه النكبة لم يعد لآل المهلب أي دور مهم في الأحداث السياسية أو العسكرية لسنوات طويلة خلال حكم الدولة الأموية، حتى ظهور الدعوة العباسية، التي سارع المهالبة إلى تأييدها انتقامًا من بني أمية.