منذ بدء الانتفاضة السورية قبل خمس سنوات، حذّر بشار الأسد من عواقب معارضته وهدّد بالبقاء في السلطة بأي ثمن، وقد نفذ ما هدّد به بالفعل.
وعلى عكس الطغاة في تونس ومصر واليمن وليبيا، الذين تنحوا عن السلطة أو تمّت الإطاحة بهم، تمسك الأسد بالسلطة، ورفض كل المطالب بمرحلة انتقالية ديمقراطية جديدة وواجه المحاولات السورية لاستبدال نظامه بعنف شديد أغرق البلاد في حرب أهلية.
والأسوأ من ذلك، حرّض الأسد وتآمر في خلق أسوأ سيناريو في شكل تنظيم داعش، واللعب على الخوف العربي الذي يتلخص في القول المأثور: “مائة سنة من الطغيان أفضل من يوم واحد من الفوضى”.
الوضع يمكن أن يكون أسوأ
يمكننا فهم استراتيجية الأسد بشكل أفضل في الدروس المستفادة من الخرافة اليهودية القديمة التي تحكي عن حاخام ينصح رجل يشكو له حظه العاثر لجلب حيواناته إلى منزله، أولًا الماعز، ثمّ الغنم، تليهم الكلاب وأخيرًا الحمير، وعندما أصبح الوضع لا يُطاق، اقترح الحاخام أن يُخرج المزارع الحيوانات من المنزل، وعندما فعل ذلك، شعر المزارع بالارتياح.
وفي الوقت نفسه، يأمل الأسد الآن، بعد قدوم القوات الأجنبية والمقاتلين الأجانب إلى البلاد، في أن السوريين سينظرون إلى الماضي مع حنين إلى الأيام الخوالي “للديكتاتورية السلمية”.
لقد استدعى الأسد الإيرانيين وحزب الله اللبناني والجيش الروسي عندما فشلت المجازر والبراميل المتفجرة في حماية نظامه من الانهيار، لقد عاثوا فسادًا في البلاد، وركّزوا غضبهم على المعارضة السورية “المعتدلة”، مما سمح لتنظيم داعش القمعي بالنمو والسيطرة على أجزاء كبيرة من الأراضي السورية.
بعد التفجيرات المأساوية التي شهدتها باريس وبروكسل، وضعف المعارضة السورية، بدأ الأسد وحلفاؤه في توجيه هجماتهم على مواقع داعش، على أمل كسب تأييد الغرب كحرّاس للاستقرار السوري.
والآن يتوقع الأسد أن يشعر الآسيويون والغربيون بالامتنان له بسبب طرد داعش من مدينة تدمر ومناطق أخرى من البلاد، ومن ثمّ قبول فائدة وشرعية حُكمه.
المفارقة
بالطبع، هناك مفارقة غريبة في كل هذا، ولكن بعض الواقعيين يقتنعون بحُجج الديكتاتور، لكن ما يفتقدونه في هذا السياق هي سيكُوباتِيّة الأسد، إنّه لا يأبه على الإطلاق بعواقب أفعاله وغير مبالٍ تمامًا بالضرر والأذى الذي ألحقه بالشعب السوري.
لقد قُتل أكثر من 330 ألف سوري، وملايين آخرين أصبحوا لاجئين لأنَّ معظم البلاد أصبحت كالأرض الخراب، ورغم كل هذا الحديث عن السلام، يتمسك الأسد بالسلطة بغض النظر عن التكاليف.
ثمة حكاية واحدة على وجه الخصوص تعكس شخصيته على نحوٍ أفضل، بعد التحديق بشعبه في عام 2013 وإجباره على التخلي عن الأسلحة الكيميائية لتجنب انتقام الولايات المتحدة، مازح الأسد قائلًا بأنّه كان ينبغي أن يفوز بجائزة نوبل للسلام لهذا العام، وليس منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، لكنَّ تلك المزحة السيئة استمرت.
مشاكل مربكة مع حلول
لقد نجح الروس والإيرانيون في إجبار الأسد على قبول السوريين كــ “شريك سلام” في الجهود الرامية إلى دحر المآسي التي ساعد على خلقها بالأساس، والآن، يراهن الأسد على أنَّ إحباط الغرب من التهديد الذي يشكّله تنظيم داعش وقضية اللاجئين سيؤدي إلى النفعية في التعامل مع المسألة السورية.
وهناك عدد متزايد من النقَّاد الغربيين يبشّرون بالاستبداد المستقر للتعامل مع انعدام الأمن والإرهاب بعد استعادة أعداء الثورة زمام المبادرة في سوريا ودول عربية أخرى.
رسميًا وعلنًا، لا تزال القوى الأساسية – الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا – توضح أن الأسد لا مكان له في مستقبل سوريا، ولكن في الواقع، توصلت تلك القوى الغربية إلى تسوية مع الروس حول الخطوات العملية اللازمة بشأن الانتقال إلى دولة سورية ديمقراطية وعلمانية.
وانطلاقًا من التسوية بشأن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 الخاص بمحادثات جنيف، لم تعد الولايات المتحدة وحلفاؤها حاسمة بشأن الإطاحة بالأسد من الخطط المستقبلية للبلاد.
لا يُلدغ مؤمنٌ من جحر مرتين
ربما يظن الأسد أن الغرب مجرد حفنة من الحمقى، ولكن السوريين لا يلدغوا من الجُحر مرتين، صحيح أنهم يريدون السلام والاستقرار، ولكن هذا لا يعني العودة إلى الديكتاتورية، إنهم غير مقتنعين بادعاء الأسد الوطنية وحب الوطن، إلّا إذا أضفنا مضاجعة الميت إلى أمراضه الأخرى.
أي شخص يعتقد أنّه بعد 40 عامًا من حكم أسرة الأسد، إلى جانب القمع البشع والعنف الذي لم يسبق له مثيل، سينسى الشعب تلك الفظائع، أو حتى يخضع ويقبل المزيد من القمع، فهو يهلوس بكل تأكيد، حتى الأعضاء البارزين في القاعدة العلوية الخاصة بالأسد ينأون بأنفسهم عن أفعاله، مما يؤدي إلى عزلة مجتمعاتهم المحلية وتعميق التوترات الطائفية.
صحيح أنَّ الأسد قد استعاد زمام المبادرة بفضل القوة الجوية الروسية، ولكن ذلك لن يضمن له القيادة، ولن يؤدي إلّا إلى إطالة رحيله الحتمي.
المصدر: الجزيرة/ ترجمة: إيوان 24