استيقظ العالم صباح الإثنين على خبر تسريب أكثر من 11 مليون وثيقة عن إنشاء شركات بأموال شخصيات مهربة من الضرائب في بلدانها، رؤساء دول وحكومات ووزراء وملوك وأمراء وأفراد من أسر مالكة، ورجال أعمال وسياسيين ورياضيين أيضًا.
ففي تونس كان اسم القيادي المستقيل من حزب نداء تونس ومؤسس حزب “مشروع تونس” محسن مرزوق أول أسماء التونسيين الذين كشفتهم وثائق بنما، ففي ساعة متأخّرة من مساء الإثنين، كشف موقع “إنكفادا” الاستقصائي، الذي شارك ضمن 109 وسيلة إعلامية حول العالم في التحقيق في “وثائق بنما” المسربة، عن وجود اسم محسن مرزوق كأول أسماء التونسيين، حيث طالب محسن مرزوق أثناء إشرافه على الحملة الانتخابية للباجي قائد السبسي سنة 2014، حسب الوثائق التي كشفها موقع “إنكفادا” التونسي، مكتب “موساك فونسيكا” معلومات لإنشاء شركة أُفشور تحت اسم MM Business، وذلك لتحويل أموال وتهريبها إلى الخارج دون تتبعات ضريبية، وتساءل مرزوق عن إمكانيّة أن ينقل سياسي تونسي جزءًا من نشاطه إلى الخارج وتأسيس شركة أُفشور خاصّة به وإدارة الأعمال الدولية.
وتلقّى مرزوق، حسب نفس الموقع، إجابة من مكتب المحاماة لتوضيح الإجراءات والشروط اللازمة لبعث هذا النوع من الشركات في شهر أبريل 2015، وعمد مكتب المحاماة حسب ما ورد في موقع إنكفادا إلى طرح أسئلة على محسن مرزوق للتثبت من هويته ومعرفة وضعيته وما يريد أن يفعله بالضبط.
وعرّف مرزوق نفسه كمقيم في تونس يسعى إلى خلق شركة غير موطنة للاستثمار وأعلم مكتب “موساك فونسيكا” أنه يريد مزيدًا من المعلومات عن تكوين الشركات وعن تعريفة الخدمات في هذا المجال.
وأجاب المكتب فوريًا على محسن مرزوق وعين له مستشارًا لمتابعة الملف وبعث له عددًا من الوثائق منها وثائق تعريفة تكوين الشركة التي تناهز مبلغ 1350 دولارًا فقط.
من جهته سارع محسن مرزوق إلى نفي ما تم الكشف عنه، وقال إنه سيقاضي موقع إنكيفادا على خلفية نشره لهذه المعلومات، وأكد مرزوق في تصريحات إذاعية على أنه لم يراسل مطلقًا مكتب المحاماة البنمي “موساك فونسكا”، وقال إنه ليس لديه أي علاقة بهم، وأعتبر مرزوق أن هذه الوثائق تأتي في إطار حملة تشويه في حقه.
وطالب محامي محسن مرزوق، الهاشمي محجوب، موقع إنكفادا بتقديم ولو مؤيد مادي وحيد حول علاقة مرزوق بهذا الموضوع، مشيرًا إلى أنهم متمسكون بتتبع كل من ثبت تورطه في هذه الإساءة عبر نشر أخبار زائفة.
وعقب نشر اسم الأمين العام السابق لحزب “نداء تونس”، محسن مرزوق، تعرض موقع “إنكيفادا” التونسي لهجوم إلكتروني خطير، نجح خلاله القراصنة في تعطيل الموقع في مرة أول وفي نشر معلومات مغلوطة باسم الموقع في مرة ثانية.
حيث تعرض موقع “إنكيفادا” المكلف بنشر الجزء التونسي من فضيحة “وثائق بنما” إلى “هجوم إلكتروني خطير بعد ساعات من نشره أولى المعلومات المسربة، حسبما أعلن الموقع أمس الثلاثاء.
وقال “إنكيفادا” في تغريدة على حسابه الرسمي في تويتر “يتعرض موقعنا إلى هجوم إلكتروني خطير، وقد نجح القراصنة في نشر معلومات مغلوطة باسمنا”، وأضاف “لأسباب تتعلق بالسلامة، نحن مجبرون على وضع الموقع خارج نطاق الخدمة (..) للتعامل مع هذا الهجوم”، وقال الموقع بعد قرصنته “الاسم الوحيد الذي تم الكشف عنه حتى الآن هو محسن مرزوق، وسيتم لاحقًا نشر مقالات أخرى”.
أعلن المشرفون على موقع انكيفادا أنّ المخترقين تمكّنوا من نشر معلومات مغلوطة باسمهم، في إشارة إلى ما تمّ تداوله عن تورّط الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي في تهريب الأموال.
المرزوقي قال في بيان له على صفحته الرسمية على موقع فيسبوك “غرفة العمليات تريد تحويل الأنظار وزجي في قضية بنما بايبيرز بما يثير الازدراء، بالطبع الأمر كذبة مفضوحة تضاف لقائمة الأكاذيب الطويلة التي لفقت ضدي والقضاء سيقول كلمته، والتحقيق في الأسماء الحقيقية يجب أن يبدأ الآن”.
وقال عدنان منصر الأمين العام لحزب حراك تونس الإرادة الّذي يترأسه المرزوقي إن الهدف من الزج باسم منصف المرزوقي كان وراءه المجرمون الحقيقيون الذين يريدون التغطية على جريمتهم.
وأكّد حزب حراك تونس الإرادة الذّي يترأسه الرئيس السابق المنصف المرزوقي “دعوته النيابة العمومية إلى فتح تحقيقات في شأن كل من يرد اسمه في إطار ما يعرف بوثائق بنما خاصة من المقيمين في تونس وذلك للحاجة الضرورية إلى التحري”.
وذكّر الحزب في بيان صادر عنه أنه “لم ترْشَح حتى الآن أية معطيات حول عمليات التحري التي أعلنت عنها النيابة العمومية في موضوع التسريبات التي تمت في إطار ما سمّي بـ “سويس ليكس” العام الماضي”.
وكشفت تسريبات “سويس ليكس”، العام الماضي أنَّ رجال أعمال ومقربين من الرئيس السابق زين العابدين بن علي، فتحوا حسابات مصرفية سرية في سويسرا، كما فتحت السّلطات التونسية تحقيقًا في الغرض.
واعتبر حراك تونس الإرادة أيضًا أنّ هذه التسريبات تأخذ منحى جديًا خاصة عندما تتعلق بشخصيات سياسية أو بشخصيات خلطت بين ميداني السياسة والأعمال تعرف في نفس الوقت بدفاعها عن إدراج “جرائم الصرف” في إطار ما سُمّي بـ “قانون المصالحة” والذي جدد الحزب وفق بيانه “إدانته واعتباره قانونًا لتبييض الفساد وإضعاف الحياة الديمقراطية من خلال ترك مجال لتأثير المال السياسي والفساد فيها”.
وأضاف حراك تونس الإرادة في بيانه أن “الصّمت عن هذا الموضوع من السلطات العمومية مثير للشبهة”، داعيًا “كل القوى الحية إلى الوقوف إلى جانب القضاء في إثارة قضايا ضد أية ملفات مشبوهة وردت في هذه التسريبات”.
وانشق محسن مرزوق الذي كان يشغل منصب الأمين العام السابق لحزب “نداء تونس” الذي أسسه الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي في 2012،عن هذا الحزب إثر صراع على زعامته مع حافظ قائد السبسي نجل الرئيس التونسي، وأنشأ الشهر الماضي تنظيمًا سياسيًا جديدًا أطلق عليه اسم “حركة مشروع تونس”.
وفي الجانب الرسمي قالت وزارة العدل التونسيّة، أمس الثلاثاء، إنه “إثر ما تم تداوله في عدد من وسائل الإعلام ونشره من أخبار ومقالات صحفية حول ما يعرف بملف وثائق بنما فإنّ وزير العدل عمر منصور أذن للوكيل العام لدى محكمة الاستئناف بتونس بمتابعة الموضوع بدقة وإجراء التحقيقات اللازمة عند الاقتضاء”.
وقال محافظ البنك المركزي التونسي اليوم أمس إنه من الوارد فتح تحقيق في حال ثبوت تورط تونسيين في أي خرق للقانون على خلفية “وثائق بنما”.
وصرح محافظ البنك الشاذلي العياري لوسائل الإعلام خلال مؤتمر خصص لدراسة المعايير الدولية لمكافحة الجرائم المالية بأنه سيتم إحالة أي ملف دون استثناء إلى القضاء في حال وجود خرق للقوانين، وقال العياري: “علينا أن نبحث قبل كل شيء في صحة المعلومات وعدم وجود خرق للقوانين التونسية، ومن ثم البدء في إجراء قضائي عادي”، وأضاف :”ليس لدينا حتى الآن معطيات رسمية حول الأسماء المذكورة، لكن سنبحث على مستوى البنك المركزي والجمارك ما إذا كان هناك تحويل غير قانوني”.
وطالب نواب تونسيون، أمس، بتشكيل لجنة تحقيق برلمانية، للتحقيق في صحة ادعاءات بـ “الفساد المالي” منسوبة لشخصيات في البلاد ضمن ما يعرف إعلاميًا بـ”وثائق بنما”، حيث تقّدم التيار الديمقراطي (كتلة نيابية معارضة) بعريضة إلى مجلس نواب الشعب، أمس، تطالب بإنشاء لجنة تحقيق برلمانية للتحقيق فيما أوردته “وثائق بنما” بخصوص شبهة تورط شخصيات تونسية في ملفات فساد.
وتجاوز عدد النواب الموقّعين على هذه العريضة 127 نائبًا من مختلف الكتل النيابيّة، وبذلك يكون النصاب القانوني للتقدم بعريضة لإنشاء لجنة تحقيق برلمانية اكتمل؛ حيث يفترض النظام الداخلي للبرلمان في المادتين 97 و98 منه توفر ربع عدد أعضاء مجلس النواب وأغلبية أعضاء المعارضة (من جملة 217 نائبًا).
يشار إلى أن الائتلاف الدولي للصحفيين الاستقصائيين، تمكن من الوصول إلى قرابة 11.5 مليون وثيقة عائدة لشركة “موساك فونسيكا” للمحاماة، ووزعها على وسائل إعلامية في 80 بلدًا مختلفًا، حيث أشارت الوثائق التي نشرتها صحف عالمية منها “الغارديان” البريطانية، و”سودوتش زايتونغ” الألمانية، إلى تورط عدد كبير من الشخصيات العالمية بينها 12 رئيس دولة، و143 سياسيًا بأعمال غير قانونية مثل التهرب الضريبي، وتبييض أموال عبر شركات “أوفشور”، وأطلق اسم “وثائق بنما” على تلك التسريبات التي تعد الأكبر حتى اليوم.