هذا هو منطق النظام العسكري في مصر في التعامل مع معارضيه، يسعى النظام الأمني في مصر لممارسة مزيد من الضغوط الأمنية والتصعيد في جانب الاعتقالات والأحكام القضائية على أعضاء جماعة الإخوان ومعارضي الانقلاب قبل استحقاقي الاستفتاء والانتخابات، بهدف أخذ تنازلات كبيرة من جماعة الإخوان تقبل بتخفيض سقف المعارضة وأخذ اعتراف بخارطة الطريق مقابل تخفيف القبضة الأمنية والإفراج عن المعتقلين.
هذه الطريقة الجديدة التي يؤسس لها النظام في التعامل مع معارضيه من جماعة الإخوان ربما تكون مستغربة حيث أن الضغط في حقيقته يولد “الإنفجار” إلا أن النظام يرى في طبيعة تفكير جماعة الإخوان وتعاملها معه خلال سنوات مبارك، ومن خلال الكر والفر السياسي على مدى سنوات، ومن خلال فهمه لسيكولوجية القرار السياسي للجماعة وطبيعة العقل الإداري أنها لا تقدم تنازلات إلا في إطار بيئة ضغط شديدة، و أنها حين تتعرض لتهديد وجودي بحملات قمع كبيرة فإنها تحاول الوصول لصيغ مقبولة لتسوية تحفظ كيان التنظيم من الضربات الكبيرة.
ويتضح ذلك من خلال الأحكام القضائية العنيفة مؤخرا على الطلبة في الأزهر وجامعات القاهرة والاسكندرية وقضية حرائر الاسكندرية، وهذه أحكام لا يمكن فهمها إلا من خلال سياق سياسي و أمني، والأمر نفسه ينطبق على توسيع الاعتقالات بحق أعضاء المكاتب الإدارية للإخوان في المحافظات والتي تهدف في حقيقتها للإرهاب ومحاصرة الحراك لتقديم تنازلات كبرى على صعيد القضية الكلية وتحجيم وتحديد مساحة الصراع و مواضيعه، وهو هدف تأسيسي للنظام الجديد بمصر .
لا يهدف النظام العسكري في مصر لضم الإخوان لمنظومة الحكم كما يذهب البعض محاولا تفسير محاولات النظام للتفاوض أو تكرار نداءاته للإخوان للاعتراف بخارطة الطريق، فهذا الاعتراف الذي يصبو له النظام ويدعو له ليس من بنوده مطلقا إدخال الإخوان في منظومة السلطة فيما يحاول ذات النظام التخلص من ذيول “نكسة يناير” التي لحقت بهم في لعبة السلطة بعد 30 يونيو كما قال أحد القيادات الأمنية، بل إن أقصى ما يهدف له النظام هو دمج الإخوان في منظومة المعارضة المقموعة؛ أي العودة إلى ماقبل يناير من وضع غير قانوني- لكن مسكوت عنه- للجماعة، مع استمرار القمع الأمني المحدود وتبديل الاعتقالات الطويلة المدى بالاعتقالات القصيرة و المحدودة العدد
باختصار، ما تسعى إليه السلطة هو إعادة توصيف للصراع وتحديد أسقفه، وتحويله من صراع “صفري” لصراع “تنافسي” يرضى الإخوان فيه بتخفيف حجم القمع ورفع اليد عن مقدراتهم التنظيمية ومدارسهم وشركاتهم ومستشفياتهم وقياداتهم مقابل تحديد سقف الصراع وليس إنهائه و تحديد حجم الحراك و ليس إيقافه، وضبط أدوات المعارضة وليس غير ذلك .
وقد يفقد النظام كل هذه الطموحات بتغيير طبيعة الصراع، إذا استمر باعتقال القيادات الكبيرة والقديمة داخل الجماعة، لأن ذلك قد يتيح الفرصة لظهور قيادات شبابية داخل الجماعة لا تمتلك نفس تصورات الكبار للحلول ولا تمتلك ذات التخوفات من حجم القمع ولا تمتلك رصيدا من تجارب الموائمة والمفاوضة معه.
وإذا ظهرت فعلا هذه القيادات التي لا تزال قريبة العهد بالثورة وتمتلك رصيدا ثأريا كبيرا بسبب ما رأته في النهضة ورابعة، بسبب حالة “المظلومية” التي تعيشها، فإن هذه الطبقة من القيادات الجديدة ربما تدفع باتجاه تصعيد متوازي أمام تصعيد النظام وليس تنازلات أو موائمات.كما يحلم قادة الانقلاب.
ولذلك، فإن أبواب المستقبل مفتوح على احتمالات أخرى مختلفة، إذ أن استشعار النظام الفاشي في مصر لخطر السيناريو السابق ذكره على مستقبل الصراع معه، وما ينذر به من الوصول إلى أطوار من الصراع أكبر مما توقعها أو أعد لها، قد تدفعه إلى المبادرة للإفراج عن عناصر الصف الثاني في التنظيم كي يعيدوا ربط أجزاء الجماعة إداريا ويتصدروا مشهد التفاوض والقيادة، بينما سيقبع الصف الأول داخل السجون لفترات طويلة لغرض عزلهم وكذلك لغرض الدعاية السياسية أن ما يحدث ليس تصالحا مع الإخوان وإنما موائمات لإدارة الصراع.
هذا كله لا يندرج تحت بند الطعن في النوايا أو تخوين الأطراف، وإنما محاولة استقرائية لطبيعة العقل النضالي داخل الجماعه وفهمه
نُشر المقال لأول مرة في موقع عرب ٢١