تسريبات أوراق بنما كشفت عم كم هائل من البيانات لشركات ومصارف وأشخاص يتعاملون مع الشركات الوهمية أو ما يمسى بالأوف شور، إذا ذكرت الوئاق عن وجود أكثر من 210 ألف شركة وهمية في 21 منطقة ومقاطعة حول العالم، وجاء من بين الأسماء مشاهير مثل ليونيل مسي تعامل مع شركة وهمية من أجل التهرب الضريبي، وملوك وأمراء في الخليج كشفت الوثائق عن تعاملهم معها أيضا لإخفاء ثرواتهم عن الشعب والاختباء وراء أسماء لشركات وهمية، ولم يكن قادة الحكومات البائدة بمنأى عن هذه التسريبات حيث جاء ذكر معمر القذافي وعائلة مبارك وبشار الأسد وغيرهم لتعاملهم مع تلك الشركات لإخفاء ثروات نهبوها من بلدانهم على شكل أموال في مصارف أجنبية، أو أسهم وسندات وعقارات فارهة حول العالم. عمل شركات الأوف شور بات يتمحور حول غسيل الأموال الغير شرعية وتمريرها عبر القنوات الرسمية لفصلها عن مصدرها الغير شرعي، من خلال أسماء وشركات وهمية من أجل تضليل الحكومات والمتعقبين عن إيجاد مالك الحقيقي لهذه الأموال.
ما هي شركة الأوف شور؟
العمل في الخفاء هو أكثر ما يميز هذه الشركات، “أوف شور” تعني لغويًا خارج الشاطئ واقتصاديًا تعني مؤسسة مالية خارجية وهي المكان الذي يخفي فيه الأثرياء والمشاهير والزعماء أموالهم للتهرب من الضريبة والرقابة عليهم في التربح من وظائفهم الرسمية.
الترخيص لشركة أوف شور يتم في بلد معين ولكن تمارس نشاطها وتنفذ أعمالها في بلد آخر، فعلى سبيل المثال: يمكن لشركة إنجليزية تعمل في مجال الشحن البحري ولها مكتب وموظفين في إنجلترا أن ترخص شركة أوف شور في بنما مثلاً وترفع علم بنما على سفنها التجارية بحيث تتجنب دفع ضرائب عالية على أعمالها التي تزاولها خارج إنجلترا، لذلك يشترط ألا تقوم هذه الشركة بتوزيع منتجاتها في السوق المحلي التي تتواجد فيه.
أما عن اختيار البلد لتأسيس شركة الأوف شور فهي منتشرة في أرجاء العالم تتنافس فيما بينها في تقديم الخدمات المالية بأفضل كفاءة ممكنة، وسميت هذه البلدان ببلدان “الملاذات الضريبية الآمنة” وتعد سويسرا البلد الأكثر والأشهر في تأسيس مثل هذه الشركات ويوجد في القائمة بنما وسنغافورة، وقبرص ودبي وجزر السيشيل وجزر العذراء.
تشير الأرقام الورادة في وثائق بنما إلى وجود ثروة تقدر بـ 11.5 ترليون دولار يخفيها الأثرياء في تلك البلدان، وتلعب عوامل عديدة في جذب الأموال إليها وتأسيس شركات الأوف شور مثل السرية التامة فيما يخص الأموال والموجودت المالية والإعفاءات الضريبية الكاملة والجزئية للعملاء، وسهولة فتح الحساب البنكي بكل العملات الرئيسية من خلال مبلغ لا يتجاوز 3500 دولار وجواز سفر ومكان الإقامة، ولا يقتصر الحساب على المال فحسب بل يتعداه للذهب والمقتنيات الشخصية الثمينة.
ولكن كيف أرخص لشركة أوف شور؟
يتم ترخيص شركة الأوف شور بشكل يسير وبسرعة حيث يتطلب هذا أن تجد شركة خدمات مالية كشركة موسكا فونيسا الواردة في وثائق بنما، تقوم لك بإجراءات هذا الترخيص، وهي كثيرة ومنتشرة في بلدان الملاذات الضريبية، ومن ثم يطلب منك أن ترسل لهم الاسم الذي تريده للشركة بالإنجليزية وترسل لهم صورة عن جواز السفر وعنوانك بالإيميل، ودفعة أولية كعربون للشركة وبعدها تبدأ إجراءات التأسيس لشركة الأوف شور من خلال ملء استمارة الطلب وتعبئتها وإبلاغ العميل بكل التفاصيل عن طريق البريد الإلكتروني وبعد تحويل المستحقات المالية الكاملة للشركة كدفعة ثانية ونهائية تقوم بإصدار الأواراق بشكل رسمي وتُسجل الشركة في البلد، وبهذا يصبح لك شركة باسم معين وبسجل تجاري ومرخصة ترخيص قانوني في أحد بلدان الملاذ الضريبي الآمن وبوقت قياسي.
ماذا أفعل بترخيص شركة الأوف شور؟
شركة الأوف شور تنحصر في نشاطات تجارية محددة من أهمها:
– التفاوض وتوقيع العهود بشأن عمليات وصفقات تجارية تجري خارج الأراضي المصرية – لو أنت تقيم في مصر مثلاً – تعود لمنتجات وبضائع موجودة في الخارج أو في المناطق الحرة.
– يمكن لهذه الشركات القيام بأعمال ونشاطات النقل البحري وتملك أسهم وحصص وسندات في مؤسسات وشركات أجنبية.
– الاستثمار والتملك في المشاريع الاقتصادية الكافة.
– إيداع الأموال ونقلها والاستفادة من انخفاض الضرائب هناك.
أين المشكلة إذن؟
المشكلة أن الحابل اختلط بالنابل وباتت هذه الشركات لا تؤسس من أجل ما يمكن أن نطلق عليه “المحاسبة الخلاقة” من خلال تقليص الضرائب التي تدفعها الشركات؛ حيث يعمد المحاسبون إلى التلاعب في حسابات الشركة بطرق محاسباتية من أجل تخفيف العبء الضريبي على الشركة وهذا الأمر شائع في مختلف الدول على مستوى الشركات الصغيرة والمتوسطة والكبيرة، وهو يختلف عن التهرب الضريبي لو أردنا التمييز بينهما، فالتهرب الضريبي هو مخالفة قوانين الضرائب بشكل مباشر والتملص من دفع الضرائب بشكل شبه كامل، وهذا العمل تصل عقوبته لحد السجن في كثير من البلدان.
لم يقتصر عمل هذه الشركات على النطاق التجاري الضيق بل توسعت لإخفاء أموال غير مشروعة ومكتسبة بحالات غير طبيعية تسمى بالأموال القذرة مثل التجارة بالمخدرات والسلاح والدعارة والسرقة وغيرها، وهناك فئة أخرى ممن يعملون في الأوساط الرسمية كالوزراء والقادة والرؤساء يمتلكون ثروات وأموال بسبب الفساد المالي ويريدون التكتم عليها وألا تنسب لهم، فيعمدون لتأسيس هذه الشركات لإخفاء أموالهم فيها والابتعاد عن الرقابة والعدالة.
وكون هذه الأموال جاءت بطريقة مشروعة لذلك تحتاج إلى غسيل من أجل إضفاء عليها صفة الشرعية فتطوعت شركات الأوف شور ومن يؤسسها لهذه المهمة التي تعني بتبييض الأموال القذرة.
ما هي عملية غسيل الأموال؟
هي عملية تقوم على تحويل الأموال التي تم تكسبها بطرق غير قانونية إلى أموال نظيفة وقانونية عن طريق إخفاء وتغطية المصادر التي تم اكتساب هذه الأموال من خلالها باستخدام هذه الأموال في مجالات وقنوات استثمار قانونية.
ما هي مراحل غسيل الأموال؟
تبدأ عملية غسيل الأموال بعملية التمويه أو التعتيم بعد اتفاق بين الشركة التي تريد أن تغسل الأموال والتي تتصرف نيابة عن عميلها وبين المصرف، فيلجأ البنك لعمليات مصرفية معقدة جدًا إذ تفصل الأموال المراد غسلها عن مصدرها غير الشرعي من خلال نمط العمليات المصرفية المشروعة، ويقوم بعدها البنك بتكرار عملية تحويل تلك الأموال من بنك لآخر ومن شركة وهمية لأخرى من أجل أن يصبح تتبع تلك الأموال غير المشروعة أمرًا صعبًا، وما سهل الأمر هو عملية التحويل الإلكتروني للأموال حيث تنتقل الأموال بكبسة زر بين بنك وآخر وبين بلد وأخرى وفي بلدان يطلق عليها ملاذات مصرفية آمنة تتسم بتساهل قوانينها وجودة وسائل النقل من طائرات وسفن وسهولة تأسيس شركات فضلاً عن هذا كله تتبع قواعد صارمة من السرية في إيداع الأموال من حيث الاسم والكم، كما في بلدان الملاذات الضريبية الآمنة.
ومن ثم تبدأ تلك الأموال تدخل الدورة الاقتصادية والنظام المصرفي العالمي وكأنها أموال شرعية جاءت من مكتسبات طبيعية لصفقات تجارية، فتدخل الأسواق المالية من أوسع أبوابها فيتم إقراضها وشراء سندات سيادية وأسهم لشركات كبيرة حول العالم وعقارات في شتى أنحاء العالم، وبهذه المرحلة تكون وصلت عملية الغسيل لمرحلة معقدة جدًا من الصعب اكتشاف مصدر الأموال بعد كل تلك الدورة.
هل من المستحيل تتبع تلك الأموال؟
من خلال كم هائل من الوثائق تشمل صور وإيميلات وبيانات وأسماء وأرقام من أوراق بنما مع عمل مضنٍ يوصل الليل بالنهار، قد يتم التوصل للطريقة التي هرّب بها معمر القذافي أمواله من ليبيا ومتى حصل ذلك وماذا استثمر بها وماذا يملك من عقارات وحسابات مصرفية وأموال سائلة وغير سائلة في شتى أنحاء العالم، ومثله العائلات الخليجية وعائلة بشار الأسد في سوريا وعائلة مبارك في مصر، وغيرهم الكثير.
الخلاصة أن شركات الأوف شور باتت تعتمد على غسيل الأموال لإخفاء الثروات وتجنب المقاضاة وتجنب الضرائب وزيادة الأرباح وتحويل الأموال غير المشروعة إلى أموال مشروعة، لأناس تربحوا أموالهم بطرق غير مشروعة من مشاهير وسياسين ورجال أعمال يريدون التهرب والتملص من الضريبة في بلدانهم أو التستر على أملاكهم وثرواتهم التي جنوها بطرق غير قانونية من مناصبهم الرسمية.
وعلى الحكومات أن توسع قاعدة عملها ضد تلك الشبكات التي تحرم بلدانها من الضرائب التي تمكن الحكومة من التوسع في الخدمات وبناء المؤسسات التي تخدم الشعب في كافة المجالات، فنساهم في توزيع الثروة بطرق عادلة وبشكل متساوٍ.