ترجمة حفصة جودة
يسهل التهكم من مرشح الولايات المتحدة الجمهوري الأوفر حظًا، دونالد ترامب، فهو يوفر إمدادات لانهائية لمواد السخرية والنقد، لكن هناك مشكلة حقيقية هنا، فالناخبون غاضبون على جانبي المحيط الأطلسي، والأمر يتعلق بالديموقراطية.
يواجه الاتحاد الأوروبي ضربتين شديدتين؛ ففي يونيو سيقرر الناخبون في المملكة المتحدة إذا ما كانت بريطانيا ستبقى ضمن الاتحاد الأوروبي أم لا، بينما تواجه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تراجعًا كبيرًا بعد دعم الناخبين للجناح اليميني بسبب سياستها مع اللاجئين المثيرة للجدل.
إنها الهجرات الجماعية التي تغذي مخاوف وغضب الناخبين على جانبي المحيط الأطلسي، فالدعم الذي يتلقاه ترامب سببه الاستياء من المهاجرين، حيث يقول ترامب بأنه يريد عودة المكسيكيين للمكسيك، وعدم السماح للمسلمين بالتواجد في الولايات المتحدة.
معاناة الفقراء
يزيد التغير المناخي من حدة الصراعات ويخلق الهجرات الجماعية، فعشرات الملايين من السكان ينزحون بسبب التغير المناخي وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة، والجفاف الشديد وموجات الحر في سوريا والشرق الأوسط برمته قد سبقت الحرب، وتركت الناس بلا عمل أو غذاء أو أمل، فحاولوا الهجرة للنجاة بحياتهم، هذه الموجة غير المسبوقة من اللاجئين للاتحاد الأوروبي تؤدي إلى انهيار حكومة ميركل الناجحة، فألمانيا كانت ومازالت العمود الفقري لاقتصاد الاتحاد الأوروبي.
موجات الهجرة الجماعية بسبب التغير المناخي، تغذي التعصب العرقي والخوف وكراهية الأجانب السياسية، والتي تستند إليها جاذبية ترامب، قد تؤدي موجات الهجرة الجماعية تلك إلى انهيار جغرافي سياسي (جيوبوليتيكي) للديموقراطية الغربية، وهذه الموجة من الهجرات جديدة لكنها مرتبطة بتغير المناخ، وهؤلاء المهاجرون قد جاءوا للاستقرار هنا.
تغير المناخ كان نتيجة لمؤسسات “بريتون وودز” (بريتون وودز هو الاسم الشائع لمؤتمر النقد الدولي المنعقد عام 1944 ونتج عنه تأسيس صندوق النقد الدولي من أجل استقرار النظام المالي العالمي وتشجيع إنماء التجارة) وسياستها المتعمدة لعولمة الاقتصاد العالمي القائم على الصادرات الشاملة للموارد الطبيعية من الدول الفقيرة، وهذا يعني البترول والفحم والغاز والمعادن والمنتجات واللحوم.
فمنذ إنشائهم عام 1945، كان البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية، يعتمدون على فرط استغلال الموارد الطبيعية التي يحصلون عليها بوفرة، وربما بالإكراه، من الدول الفقيرة.
ساهم انخفاض أسعار الموارد الطبيعية في زيادة فجوة الثراء عدة أضعاف بين الدول الفقيرة والغنية منذ الحرب العالمية الثانية، وكانت هذه هي أكثر الفترات الصناعية نجاحًا التي يشهدها العالم، لقد كانت قائمة على الاستهلاك المفرط للموارد الطبيعية، والنتيجة المباشرة كانت تغير المناخ.
يعاني فقراء العالم من أسوأ العواقب، فهناك إفراط في التعدين في بوليفيا وهي واحدة من أكبر أماكن احتياطي الغاز الطبيعي في أمريكا الجنوبية، وهناك جفاف للموارد المائية في “أورو – موراتو” وهي مجموعة عرقية وواحدة من أقدم الثقافات في جبال الإنديز.
لقد عاشوا دائمًا كصيادين على شواطئ بحيرة “بوبو” المالحة، وهي واحدة من أكبر المسطحات المائية في بوليفيا، لقد دامت طوال فترة إمبراطورية الأنكا والغزو الإسباني، لكنها الآن في طريقها للانقراض نتيجة عولمة المصادر الطبيعية التي أنشأتها مؤسسة “بريتون وودز” الناجحة.
“الآن، لا يوجد طعام لنأكله، فالماء قد نضب، وذهبت معه الأسماك والطيور، ولهذا فنحن نواجه مشكلة الانقراض” يقول فيليكس كوندوري، عمدة قرية أورو موراتو.
أعلن الرئيس البوليفي مؤخرًا أنه سيقوم بفتح 22 محمية طبيعية لاستغلال المواد الكربوهيدراتية، “مهما يقولون، فالاقتصاد السياسي للحكومة يعتمد على الأنشطة الاستخراجية، لذا فمن المحتم أن يحدث ذلك”.
منذ ما يقرب من عقد من الزمان، حذرت الأمم المتحدة من أن “الشعوب الأصلية هي أول من سيواجه العواقب المباشرة للتغيرات المناخية، لاعتمادهم على البيئة ومصادرها وعلاقتهم الوطيدة بها”، هذا ما يحدث الآن في بوليفيا، وهي دولة سكان أصليين كبيرة، وما يحصل هناك هو صورة مصغرة للاتجاه العالمي.
لقد أصبح الماء الآن أحد أندر الموارد على الصعيد العالمي، وفقًا لتقرير الأمم المتحدة، والقصة نفسها تتكرر في جميع أنحاء العالم النامي.
ما العمل؟
نحن بحاجة لاستبدال نظام “بريتون وودز”، لقد كان أول مؤسسة مالية عالمية شهدها العالم، وقد أدى مهمته لكنه الآن يقوم بدفع العالم نحو كارثة بيئية.
نحن بحاجة لمؤسسات مالية عالمية جديدة لوضع الأمور في نصابها الصحيح، فنحن بحاجة للحد من استغلال الغلاف الجوي للكوكب، مسطحاته المائية، والتنوع البيولوجي، هذه هي الاحتياجات الأساسية لبقاء الإنسان: نحن بحاجة لمياه نظيفة وهواء نقي وغذاء، وبدونهم لن تكون هناك حياة، كل هذه الأمور ممكنة ويجب أن نفعلها.
القيود المفروضة على استخدام الموارد يجب أن تكون مرنة بمرور الوقت مع إنشاء أسواق عالمية منصفة وفعالة للمشاع العالمي.
فرض القيود على استخدام الماء والهواء والتنوع البيولوجي هو ما تحتاجه البشرية من أجل البقاء، يتوازى ذلك مع القيود المفروضة على انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وغازات الدفيئة، التي تم الاتفاق عليها في اتفاقية “كيوتو عام 1997، وسوق الكربون الناجم عنها، والتي تم حظرها ضمن القانون الدولي في عام 2005.
تداول سوق الكربون حوالي 176 مليار دولار عام 2011 وقام بضخ أكثر من 100 مليار دولار للدول الفقيرة من أجل إنتاج الطاقة النظيفة، وقامت الدول المشاركة في اتفاقية كيوتو بتقليل انبعاثاتها بشكل كبير.
يجب أن يتم تحسين اتفاقية باريس الأخيرة، والتي تضع حدودًا للانبعاثات أو حتى تنظمها، فإنشاء نظام جديد يحترم مصادر الحياة الحيوية في الكوكب من شأنه أن يغير النظام الرأسمالي العالمي، ويقدّر المشاعات العالمية والهواء النقي والمياه النظيفة والتنوع البيولوجي، هذه الأشياء ليس لها قيمة اقتصادية اليوم، لكنها يجب أن تكون كذلك.
نحن بحاجة للفصل بين التقدم الاقتصادي والوقود الأحفوري إذا أردنا البقاء على قيد الحياة كأحد أنواع الكائنات الحية، وتشير وكالة الطاقة الدولية بأنها بدأت في ذلك بالفعل، فالحضور التفصيلي المصاحب للسياسات الاقتصادية يجب أن يصحح النمو الاقتصادي ليتناغم مع الموارد العالمية ومع بقاء الجنس البشري.
المصدر : الجزيرة الإنجليزية