ترجمة شيماء الحديدي
كريم فتى يبلغ عمره 11 عامًا، وهو تقريبًا نفس عمر ابنتي، بات في عداد المفقودين منذ الأربعاء الماضي.
التقيت كريم منذ أسبوعين فقط في ولاية “كاليه” الفرنسية، حينما كان في حافلة قديمة مشاركًا في جولة متطوعين بريطانيين، كان كريم يرتدي قميصًا وردي اللون أعطاه إياه أحدهم.
ظل كريم بمفرده في مخيم للاجئين لعدة أشهر حيث لا أحد يعتني به، وما أدهشني حينها لم يكن شعوره بالضعف، بل كان تصميمه على البحث عن الراحة والمودة.
تابع الفتى جولة المتطوعين البريطانيين، كان كريم يعانقهم ويجعلهم يضحكون على نكاته، وقتها، تحدثنا قليلًا ليقوم هو بعناقنا نحن أيضًا عناقًا طويلًا قبل أن نغادر، لا أحد يعلم تمامًا كيف وصل كريم من أفغانستان إلى ولاية “كاليه”، أو أين يكون والداه الآن.
خلال أشهر الشتاء، كان هذا الطفل ينام في خيمة بـ”كاليه” بدون والديه، ودون أن تقدم الحكومة الفرنسية في اتخاذ أي إجراء لمساعدته، ولا أي احتجاجٍ من الحكومة البريطانية، حتى اختفى كريم يوم الأربعاء، فيما أكد عمال الإغاثة أن الطفل شوهد يصعد على متن سفينة متجهة إلى مدينة “كينت”، هذا ولم يتم تقديم أية تقارير إلى السلطات الفرنسية حول المفقودين، بينما قامت بعض الجمعيات الخيرية البريطانية بالاتصال بمفوضية الأطفال لمحاولة الحصول على مساعدة الشرطة والمجتمع المدني في مدينة “كينت”.
مهما كان رأيك في الأشخاص الذين يتسللون بشكل غير قانوني، وأيًا ما كان رأيك في خطأ الحكومتين الفرنسية والبريطانية، أو رأيك عن اللاجئين، فقط مجرد التفكير في طفلٍ في عمر الحادية عشر، تحمل كل ذلك وحيدًا في خيمة باردة، وهو عرضة لأن يتم الإتجار به، والمعاملة السيئة، وأيضًا الاستغلال الجنسي، فيما يجازف بحياته حتى يجد شخصًا ما يعتني به.
المشكلة أن كريم ليس الطفل الوحيد الذي يتعرض لكل ذلك، فقد وثقت الجمعيات الإغاثية نحو 400 طفل ومراهق وصلوا وحدهم إلى غابة “كاليه” دون أي صحبة لذويهم، ورغم أن العديد من هؤلاء الأطفال لديه عائلات في المملكة المتحدة، إلا أن عملية لم الشمل بشكل قانوني تستغرق شهورًا.
تم تهريب الكثيرين منهم بشكل غير قانوني، يتعرض عدد منهم لمخاطر جنونية كل ليلة لمحاولة الهرب، فيتسلقون الجزء الخلفي من القطارات والسيارات أو حتى العبارات، رغم أن العديد منهم يعاني من أمراض كالجرب والتهاب الشعب الهوائية.
تتحدث الآن الجمعيات المساعدة للاجئين عن اختفاء ثلث هؤلاء الأطفال، إذ أصبحوا في عداد المفقودين، وذلك منذ الفترة التي بدأت فيها السلطات الفرنسية تطهير المخيمات، كنا قد حذرنا من عدم وضع مؤن خاصة لدعم هؤلاء الأطفال، والنتيجة أن هذه الجمعيات ولا حتى السلطات تعرف أين ذهبوا الآن.
وفقًا للشرطة الأوربية “يوروبول”، تقدر أعداد الأطفال المراهقين غير المصحوبين بذويهم، والذين باتوا في عداد المفقودين في أوروبا وحدها بين 10 آلاف طفل إلى 26 ألفًا، وذلك بسبب أزمة اللاجئين الأخيرة.
الجمعة الماضية، علمنا أن مراهق يدعى “محمد” مات تحت عجلات شاحنة، وفي يناير توفى آخر اسمه “مسعود” عمره 15 عامًا وذلك في الجزء الخلفي من شاحنة، كلا الطفلين كانا يحاولان اللحاق بعائلاتهم في المملكة المتحدة.
عدد كبير من الأطفال لقوا حتفهم خلال تلك المخاطرات اليائسة في إيجاد أحد ما يهتم بهم ليحافظ على سلامتهم، اختفى الكثير منهم بعد وقوعهم في أيدي العصابات الإجرامية. لا يمكنك إلقاء اللوم على فرنسا أو ربما اليونان وإيطاليا لفعل كل شىء في هذا الأمر، على بريطانيًا هي الأخرى دور لابد أن تقوم به لمساعدة هؤلاء الأطفال.
يجب على السلطات الفرنسية حماية هؤلاء الأطفال وتهيىء مكان مناسب لهم، لكن على بريطانيا هي الأخرى الضغط بشكلٍ عاجل على فرنسا لتنفيذ ذلك، وكذلك فرز نظام لم الشمل لهؤلاء الذين لديهم أقارب هنا في بريطانيا.
وبوقوف دول أوروبية أخرى جنبًا إلى جنب، يتعين على بريطانيا أن تفعل شيئًا حيال الأطفال الذين فُقدوا مثل كريم.
ألفريد دبس كان طفلًا من أصل 10 آلاف طفل يهودي أنقذتهم بريطانيا من النازية في “ كيندرترانسبورت”.
من المنتظر أن يتم التصويت من قبل أعضاء البرلمان على تعديله المقترح لقانون، يدعو بريطانيا لأخذ 3000 من الأطفال اللاجئين غير المصحوبين بذويهم من أوروبا، وذلك خلال الأسابيع القادمة.
قبل أسبوعين، عندما ضغطتُ على رئيس الوزراء لقبول التعديل رفض أن يفعل مبررًا ذلك بقوله أنه يجب على البلدان الأخرى أن تتحمل المسؤولية كاملة بدلًا من ذلك.
وجدنا كريم أمس في “كينت”، وتحاول الخدمات المجتمعية تقديم المساعدة له، لكن السؤال هنا، هل لابد أن يذهب عدد أكبر من الأطفال في عداد المفقودين أو الموتى على التراب الأوروبي قبل أن يعيد رئيس الوزراء النظر في تلك الكلمات التي قالها لي؟
المصدر: الاندبندنت