لم يتوقع إلا القليلون قبل أقل من عشر سنوات عندما وقف ستيف جوبس مؤسس شركة “آبل” ليعلن عن إطلاق هاتف آي فون أن يكون ذلك الإعلان بداية لعالم جديد خلاف الذي نعرفه، تسيطر فيه الشاشات الصغيرة على عقولنا وعلى كل شيء!
القليلون أيضا، خاصة في العالم العربي، اهتموا بمتابعة رجل الأعمال والمبتكر “إيلون موسك” الاسبوع الماضي عندما أعلن عن الموديل الجديد من سيارته الكهربائية تيسلا، التي يصفها بأنها “السيارة التي ستغير العالم”. كان الأسلوب الذي عرض به موسك سيارته الجديدة شبيها بأسلوب ستيف جوبس في عرضه لمنتجات شركته “الثورية” كما كان يحب أن يسميها، ربما فقط مع كاريزما أقل كثيرا من تلك التي كان يتمتع بها جوبس.
السيارة لفتت انتباه الملايين، واجتذبت عشرات الآلاف من الأمريكيين الذين أودع كل منهم ألف دولار في حسابات تيسلا لحجز السيارة التي -غالبا!- ستكون متاحة في نهاية العام المقبل. فما هذه تيسلا، ولماذا كل هذه الضجة حولها، ولماذا لم نسمع بها في المنطقة حتى الآن؟!
تاريخ موجز لـ”تيسلا”
عندما تم وضع شركة تيسلا للاكتتاب العام لأول مرة عام 2010، كانت أول شركة سيارات أمريكية تفعل ذلك منذ شركة فورد عام 1956. ومنذ ذلك الحين، استطاعت الحصول على اهتمام الكثيرين حول العالم، لا سيما بسبب علاقتها برجل الأعمال إيلون موسك. موسك عُرف بأعماله المتعددة في مجالات التقنية والسيارات وحتى الفضاء!
لكن المفاجأة أن موسك لم يؤسس تيسلا! فقد تأسست تيسلا لأول مرة في يوليو 2003 بواسطة مارتن إبيرهارد ومارك تاربينينج، ولم ينضم موسك إلا في فبراير 2004 عندما قام بوضع 7.5 مليون دولار لتمويل صناعة الموديل الأول من تيسلا، وليصبح رئيس مجلس إدارتها.
في فبراير 2005 أنقذ موسك الشركة عندما قام بضخ المزيد من الأموال، وفي 2007 قامت الشركة بجمع أكثر من 40 مليون دولار من موسك ومن رفاقه في صناعة التقنية لتمويل أبحاث النموذج C من السيارة.
لاحقا قامت تيسلا بالتعاون مع شركة لوتس لإنتاج سيارة كهربائية جيدة، لم تحقق نجاحا كبيرا، إذ قامت ببيع 2250 سيارة من موديل رودستر باهظ الثمن بين عامي 2008 و 2012، عُرفت الشركة حينها بتأخرها الشديد في تسليم سياراتها للمشترين، وتوقفت الشركة عن إنتاج رودستر في 2012 للتركيز على إنتاج سيارات أكثر توفيرا للمستهلكين. لكن في 2015 ستُعلن الشركة عن نيتها إعادة إحياء رودستر بعد أربع سنوات، أي في 2019.
لكن في يونيو 2008 تم الإعلان عن أول موديلات تيسلا المعروفة الآن، وهو موديل إس S. كان سعر السيارة التي تستهدف العائلة الأمريكية يبدأ من 50 ألف دولار، وتُقدم على أنها السيارة الأوفر للعائلة.
في يونيو 2009 حصلت تيسلا على قرض بـ465 مليون دولار من وزارة الطاقة الأمريكية، كان من المفترض أن يتم تسديد القرض في 2022، لكن تيسلا استطاعت تسديده كاملا قبل تسع سنوات من ذلك التاريخ في مايو 2013.
وفي يونيو 2010 طرح موسك شركته للاكتتاب العام لتصبح أول شركة تفعل ذلك منذ فورد قبل أكثر من خمسين عاما. مبيعات تيسلا بدأت في الارتفاع، وفي فبراير 2012 تم الإعلان عن الموديل الشهير الثاني من تيسلا، الموديل إكس X. التي اشتهرت بأبوابها التي تُفتح لأعلى.
وفي 2012 أيضا بدأت تيسلا في بناء شبكة صغيرة داخل كاليفورنيا في الولايات المتحدة من مراكز شحن سياراتها الكهربائية. عندما تم الإعلان عنها في 2012 كان هناك ستة نقاط شحن فقط، الآن هناك أكثر من 200 نقطة شحن سريعة لتيسلا Superchargers حول العالم.
يمكن لنقاط الشحن السريع تلك أن تقوم بشحن تيسلا موديل إس لتصبح قادرة على السير مسافة 275 كم خلال ثلاثين دقيقة فقط! في نفس المدة يمكن لنقاط الشحن العادية المتواجدة في الولايات المتحدة أن تشحن السيارة الكهربائية لخمسة عشر كيلومترا فقط!
في 2013 ضُربت شركة تيسلا بقوة بعد عدة حوادث اشتعال في السيارة، لم يُصب أحد لكن أسعار أسهم الشركة هبطت بنسبة أكبر من 20٪. لكن تيسلا تعافت سريعا في 2014، اذ ارتفعت أسهمها بنسبة تقارب 50٪ وقامت الشركة بشحن 28500 سيارة من موديل S في يوليو 2014.
كان من المفترض أن يتم إنجاز موديل X في نهاية 2013، لكن الشركة تأخرت للغاية في إنتاج النموذج، وتم تأجيل البيع لـ2014، ولم يتم إنتاج النموذج إكس حتى الربع الثالث من 2015.
لكن رغم ذلك، وفي منتصف 2014 أعلنت تيسلا عن موديلها القادم Model 3، لم يتم طرح موعد محدد للإعلان عنه حينها، لكننا لاحقا سنرى النموذج الأول منه في نهاية مارس 2016.
تيسلا سيارة أنيقة لا جدال في ذلك، أسعارها المرتفعة في الموديلات السابقة كانت تمثل عائقا أمام اقتنائها بالنسبة للكثيرين، لكن في نفس الوقت يدرك مشتروها أنهم سيحصلون على ما يريدون، في 2015 على سبيل المثال تحدث موسك عن أن نظام التشغيل في تيسلا لن يجعلك تقلق من أن تبتعد بسيارتك عن مصادر الشحن، إذ أن السيارة تقوم بحساب مدى بعدك عن نقاط الشحن السريع في الولايات المتحدة، وإذا ما ابتعدت فإن السيارة تنبهك، مرتين!
فضلا عن ذلك، وفي أبريل 2014 أعلن موسك عن أن شركته بدأت في العمل على دعم استخدامات الطاقة الشمسية، وتقوم بإنتاج وحدات منزلية لشحن السيارة وحتى تغذية المنازل بالكهرباء اعتمادا على الطاقة الشمسية.
السرعة كانت عاملا مهما في نجاح تيسلا، فمرة بعد الأخرى تعلن الشركة عن تعديلات في موديل S الذي أوصلت آخر تعديلاته السيارة للوصول إلى سرعة 100 كم/الساعة في أقل من 3 ثوان.
حاولت تيسلا في تلك الفترة التمدد في أسواق أخرى، لكن في الصين على سبيل المثال فشلت الشركة في الاقتراب من نسبة مبيعاتها المستهدفة، وهو ما أدى لفصل المئات من الموظفين واستبدال مديريها التنفيذيين في البلاد.
وفي 31 مارس الماضي تم الإعلان عن الموديل الجديد من تيسلا. سيبدأ سعر السيارة من 35 ألف دولار. وخلال اليوم الأول وصلت حجوزات السيارة إلى 150 ألف، ارتفعت إلى 276 ألف بنهاية اليوم الثالث.
276k Model 3 orders by end of Sat
— Elon Musk (@elonmusk) April 3, 2016
وفي خلال أسبوع من الإعلان عن الموديل الجديدقالت تيسلا إن هناك أكثر من 325 ألف شخص قاموا بدفع ألف دولار لحجز سيارتهم القادمة! وإذا ما استمر هذا الحماس من قبل المستهلكين، فإن تيسلا تقول إنها ستحقق مبيعات تتجاوز 14 مليار دولار.
Model 3
الموديل الجديد من تيسلا يحمل الكثير من المفاجآت للمستهلكين، فقد تحدث موسك عن سائق آلي للسيارة، لا نتحدث فقط عن نظام تشغيل أو مثبت للسرعة، لكن عن تصميم جديد كليا للسيارة.
وعلى العكس من النماذج السابقة الأغلى سعرا، سيطرح الموديل الجديد تحديات كبيرة أمام تيسلا، فلا يمكن لعدة عشرات من نقاط الشحن السريع أن تخدم مئات الآلاف من الراغبين في اقتناء السيارة الجديدة. عادة لم تكن تلك القضية تمثل مشكلة كبرى لمقتني تيسلا، حتى وإن بلغ عددهم عشرات الآلاف في الولايات المتحدة وحدها، لأن أسعار تيسلا الغالية (موديل إس يتراوح سعره بين 71 ألف دولار و 109 ألف، وموديل إكس بين 81 ألف دولار و 116 ألف) كانت تعني أن شريحة محددة من المستخدمين سيتمتعون بامتلاكها، هذه الشريحة غالبا ما تمتلك منزلها الخاص ومرآب لسيارتها في العادة، لكن مع اتساع شريحة المستفيدين من تيسلا، والذين غالبا ما يصفون سياراتهم في الشارع، فإن الأمر سيزداد تعقيدا وستصبح مشكلة الشحن مشكلة ملحة للكثيرين.
حتى الآن، يمكن لمقتني تيسلا أن يقوموا بشحن سياراتهم مجانا، لكن هذا الأمر قد لا يستمر بحسب خبراء، فلن يمكن الإبقاء على شحن السيارات مجانيا لكي تستطيع تيسلا تمويل بناء عدد كاف من نقاط الشحن السريع.
لكن هل المستقبل مشرق إلى هذا الحد؟
تعتمد تيسلا ويعتمد موسك تحديدا في دعايته على أن السيارة ستوفر مستقبلا نظيفا للكوكب، فقبل الإعلان عن السيارة وأثناء تقديمه للموديل الجديد أشار موسك إلى المعدلات غير المسبوقة من ارتفاع ثاني أوكسيد الكربون، وهي المعدلات التي تهدد على المدى الطويل بفناء الجنس البشري! كما عرض موسك إحصائيات تقول أن هناك أكثر من 53 ألف شخص يموتون سنويا بسبب تلوث الجو جراء وسائل المواصلات المختلفة. لكن ما الذي ستوفره تيسلا في هذا الصدد؟
ليس الكثير! ففي العديد من أنحاء العالم تتولد الكهرباء باستخدام مصادر غير نظيفة، لا سيما الفحم الحجري، إلى الحد الذي جعل بعضهم يصف السيارات الكهربائية بأنها سيارات تسير بالفحم!
إحصائيا، قد تكون السيارات الكهربائية أكثر ضررا، فكما يذكر مقال رأي منشور في صحيفة يو إس إيه توداي USA Today الأمريكية في فبراير 2015، إذا ارتفع عدد السيارات التي تُدار بالبنزين حتى عام 2020 في الولايات المتحدة بنسبة 10٪، فإن هناك 870 شخصا سيموتون جراء التلوث الناجم عن ذلك، في حين أنه إذا زاد عدد السيارات الكهربائية بنفس النسبة فإن أكثر من 1600 شخصا سيموتون بسبب التلوث الناجم عن حرق الفحم الحجري!
وبحسب مقالنشرته صحيفة التلغراف البريطانية قبل يومين، فإن الأثر المميت للتلوث من الفحم والذي ستتسبب فيه زيادة مبيعات السيارات الكهربائية في شنغهاي الصينية على سبيل المثال، سيكون أعلى بمعدل ثلاثة أضعاف على الأقل من أثر تلوث الهواء الناتج عن السيارات التي تُدار بالنفط. يؤكد المقال أيضا أن الأموال والدعم الذي يُضخ لصالح السيارات الكهربائية لا يُقارن بفائدتها المحتملة على البيئة ومستقبل الأرض! فما يمكن لتيسلا ونظيراتها من السيارات الكهربائية أن تفعله هو التقليل من أثر الاحتباس الحراري بمعدل لا يُذكر، أو تأخيره لثلاثين دقيقة فحسب بحلول نهاية القرن!
لكن هذه النقطة الجدلية قد يتم حسمها إذا ما قام المستثمرون والحكومات بتوفير مصادر أكثر نظافة للكهرباء، مثل الشمس على سبيل المثال!
ورغم أنه سبب منطقي للكثيرين لكي لا يقوموا بإبداء حماسة تجاه شراء سيارة كهربائية، إلا أن هذا لا يبدو أنه سبب عدم اهتمام العالم العربي بـ”تيسلا”!
فرغم أن المنطقة العربية قد تكون من ضمن الأكثر تضررا في العالم بسبب التلوث والاحتباس الحراري، إلا أنه لا يبدو أن أحدا يهتم! فمع انخفاض سعر الوقود في دول الخليج العربي والشرق الأوسط بشكل عام، يبدو البحث عن بديل جديد للطاقة أمرا غير محتمل، خاصة مع انعدام الوعي بالمخاطر التي قد يسببها التلوث على حياة الجيل الحالي والأجيال التي تليه.
لكن كما أن أحدا لم ير العالم يتغير عندما وقف ستيف جوبس بنظاراته المستديرة وقميصه الشهير متحدثا عن آي فون، قد لا نستطيع الآن تخيل عالم تحكم شوارعه السيارات الكهربائية “النظيفة”.