افتتح ملك السعودية سلمان بن عبدالعزيز زيارته الأولى لمصر منذ توليه عرش المملكة بعد وفاة أخيه الملك عبدالله بن عبد العزيز، في حدث تاريخي استعدت له مصر منذ شهور لاستقبال الداعم الأول والرئيسي إقليميًا للنظام الوليد في مصر الذي نتج عن انقلاب الثالث من يوليو على الرئيس السابق المنتخب محمد مرسي.
سفير السعودية في القاهرة أحمد القطان أكد أن الزيارة لها أهمية خاصة في إثبات أن العلاقات وطيدة بين البلدين بعدما أشيع مؤخرًا تباعد في المواقف، فيما أكد القطان أن السعودية ومصر هما “ركيزتا وجناحا هذه الأمة”، قائلا: “بهما سيعود الاستقرار إلى منطقة الشرق الأوسط”، وأضاف: “وحدة الرؤى والمواقف بين الرياض والقاهرة أحد العوامل الهامة التي تحفظ استقرار الأمة العربية بأكملها”.
بالتأكيد زيارة الملك سلمان ستكون هدفها إعادة القاهرة إلى مربع الرياض إقليميًا، وتوحيد الرؤى تجاه القضايا الإقليمية المختلفة سيكون الهدف الأول للزيارة وعلى رأس أجندتها، خاصة فيما يتعلق بالموقف من دولة إيران التي تسعى السعودية بكل ثقلها إلى مواجهة سنية بقيادتها أمام المد الإيراني في المنطقة.
إرهاصات نتائج هذه الزيارة فيما يتعلق بالشأن الإيراني ظهرت سريعًا بعد أن أعلنت الخارجية المصرية عن انزعاجهم بشأن التقارير التي تشير إلى ضبط شحنات أسلحة إيرانية، في أثناء تهريبها إلى اليمن على مدار الأسابيع الماضية، وخاصة في الوقت الذي تُبذل فيه جهود إقليمية ودولية؛ للتوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار في اليمن.
الموقف المصري من إيران وحلفائها كان متذبذبًا الفترة الماضية، حيث استقبلت القاهرة وفودًا عدة تعد من حلفاء إيران على رأسها وفد تابع لحزب الله اللبناني الذي صنفت السعودية أنشطته بالإرهابية، والبيان الأخير الذي صدر متعلقًا بانتقاد إيران هو أحد نتائج الزيارة السريعة التي سيكون هدفها تعديل المواقف المصرية المختلفة مع السعودية لتتوائم مرة أخرى مع راية الرياض الإقليمية، وقد مهدت القاهرة هذا الأمر بحذف قناة المنار التابعة لحزب الله اللبناني من قمر نايل سات قبيل زيارة الملك السعودي بيوم واحد، في خطوة تعتبر خطبًا لود الرياض قبيل الزيارة.
كما يُنتظر أن تشهد هذه الزيارة محادثات على مستوى القمة، بين كبار المسؤولين في الدولتين، حول القضايا الإقليمية المهمة المتعلقة بالبلدين، وفي مقدمتها سوريا والعراق واليمن وليبيا، لضبط البوصلة المصرية السعودية تجاههم.
وعلى صعيد العلاقات الثنائية بين البلدين ستجري تصفية عدة ملفات تاريخية عالقة بين القاهرة والرياض، لعل أبرز هذه الملفات م تم تسريبه للصحافة فيما يتعلق بترسيم الحدود البحرية بين السعودية ومصر.
حيث أكدت مصادر صحفية مختلفة على تضمن أجندة زيارة الملك سلمان للقاهرة مناقشة إعادة ترسيم الحدود المائية بين البلدين، حيث توجد جزيرتين عليهما خلاف تاريخي بين مصر والسعودية في البحر الأحمر، وقد خرجت قيادة البلدين بتوقيع اتفاقية تنهي هذه الأزمة، واختلفت المصادر فيما بينها في مسألة “مقابل إنهاء” هذا النزاع، حيث أوردت بعض الصحف المعارضة أن التوقيع سوف يكون في مصلحة السعودية مقابل مبلغ مالي سنوي قدره 2 مليار دولار سنويا بالإضافة إلى 25% من قيمة الغار والبترول المستخرج منهما، ولم يتسن لنا التأكد من المعلومات الأخيرة المتعلقة بمقابل إنهاء النزاع.
يزيد من احتمالية توقيع هذا الاتفاق الأخبار التي تدوالتها الصحافة السعودية عن قرب إنجاز مهمات اللجنة المشتركة المشكلة لتعيين الحدود البحرية بين البلدين.
الجانب الاقتصادي من الزيارة
الجانب الاقتصادي هو الأكثر أهمية الآن إلى القاهرة التي تعاني من وضع اقتصادي متردي، وتعلق آمالها على المملكة العربية السعودية في مسألة حل أزمتها الاقتصادية التي تسببت في تآكل شعبية النظام في مصر.
ومن المقرر أن تشهد الزيارة مراسم التوقيع على 24 اتفاقًا ومذكرة تفاهم بين الملك سلمان والرئيس المصري تم ترتيبها في إطار مجلس التنسيق المصري- السعودي المشترك، الذي يعقد اجتماعه السادس بالتزامن مع الزيارة.
كما سيوقع الصندوق السعودي للتنمية مع وزارة التعاون الدولي المصري 12 اتفاقًا ومذكرة تفاهم تتعلق بمشروعات للتنمية في شبه جزيرة سيناء بقيمة تصل إلى نحو 1.5 مليار دولار، من بينها مشروع إنشاء جامعة الملك سلمان بن عبدالعزيز في مدينة الطور جنوب سيناء، بتكلفة تصل إلى نحو 300 مليون دولار، وهي الجامعة التي يُنتظر أن تُفتتح في 2018.
السعودية تأمل في هذه الزيارة أن ترفع من عوائد استثماراتها في القاهرة مع تعزيز حركة التجارة بين البلدين، كما حولت السعودية في هذه الزيارة من دعمها إلى النظام عبر قنوات خاصة فيما بينهما إلى قنوات الدولة الرسمية بضخ الأموال المقدمة كمساعدات إلى مصر بصورة نقدية أو عينية بترولية إلى مؤسسات الدولة.
وذلك بعد الحديث عن إهدار الأموال السابقة التي تم تقديمها كمال سياسي عقب الانقلاب العسكري، حيث تحولت السعودية الآن للبحث عن عوائد لاستثماراتها في مصر، خاصة مع الأزمة المالية التي تشهدها السعودية بسبب انخفاض أسعار النفط.
ترتيبات إقليمية
جرى الحديث قبيل هذه الزيارة وأثنائها عن لعب المملكة العربية السعودية دورًا في مسألة المصالحة بين دولتي مصر وتركيا خاصة أنهما من أبرز أعضاء التحالف الإسلامي الذي شكلته السعودية، وعليه تريد السعودية أن تجعل من أكبر دول المنطقة ظهيرًا لها في خصومتها مع إيران في عدة ملفات إقليمية.
يعزز هذا الحديث اتجاه الملك سلمان إلى العاصمة التركية أنقرة بعد مغادرته مصر ومن ثم التوجه إلى مدينة اسطنبول مقر انعقاد قمة التعاون الإسلامي والتي من المفترض أن تسلم مصر رئاستها إلى دولة تركيا في اجتماعها الأول هذا الشهر.
وحتى الآن مصر لم تحدد الموقف من مشاركتها في القمة خاصة في ظل توتر العلاقات بين البلدين منذ موقف تركيا الرافض للانقلاب العسكري في مصر، ويتوقع متابعون أن تتخذ مصر موقفًا من السفر إلى اسطنبول بعد زيارة الملك سلمان الذي يرجح البعض أنه يقود مصالحة بين البلدين ستبدأ من القمة الإسلامية، وسيكون لها ما بعدها من جولات أخرى.
وعليه ستعمل السعودية مع مصر على تنسيق مواقف إقليمية أكثر تقاربًا عقب هذه الزيارة، بعد مواقف القاهرة الأخيرة المختلفة مع المملكة خاصة فيما يتعلق بالشأن السوري، ومشاركة مصر الضعيفة بجوار السعودية في الأزمة اليمنية، مع العمل على تجذير شراكة السعودية مع الجيش كخيار استراتيجي وليس خيارًا تكتيكيًا.