لم تعد عمليات بيع الأسلحة معقدة كما كان الأمر في السابق، ولم يعد بحاجة تجار السلاح إلى بذل مجهود كبير في تسويق بضاعتهم، بل كل ما عليهم عرض بضاعتهم بشكل علني على مواقع التواصل الاجتماعي.
الإنترنت بات سوقًا كبيرًا لتجارة مختلف أنواع الأسلحة وهو ما أثار قلقًا عالميًا لنمو وازدهار هذه التجارة الحساسة بهذا الشكل، خاصة مع توافر العديد من الأنواع والكميات المختلفة دون رقيب.
يؤكد خبراء إن أكثر طرق الإعلان عن بيع الأسلحة شيوعًا عبر الإنترنت هي استخدام مواقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”، بينما أحيانًا تستخدم خدمة “واتس آب” لمراحل تالية من عمليات البيع والشراء كعمليات التفاوض على الأسعار، فيما يعتقد أن وسائل أخرى مثل تطبيق “إنستجرام” المملوك لشركة “فيس بوك” أيضا، وموقع التواصل الاجتماعي “تويتر” وسائل شائعة في بيع الأسلحة عن طريق الإنترنت.
صحيفة نيويورك تايمز فتحت هذا الملف واكتشفت أن هناك المئات من المجموعات على فيس بوك تحديدًا تستخددم لبيع السلع، وهو الأمر الذي ينتهك سياسة فيس بوك في بيع السلع عبر الموقع، وهناك ما هو أكثر من ذلك، حيث تتواجد المجموعات المتخصصة في بيع الأسلحة خلال الشرق الأوسط وبالتحديد في ليبيا وسوريا والعراق.
واحدة من تلك الصفحات على موقع فيس بوك أغلقت بعد أن نشرت عنها صحيفة الجارديان البريطانية تقريرًا في فبراير الماضى، وكانت تحمل الصفحة اسم “سوق الأسلحة الأولى فى ريف إدلب”، والتى جذبت أكثر من 3500 متابع خلال أيام قليلة على إطلاقها.
الصفحة أخذت في عرض أنواعًا كثيرة من الأسلحة للبيع، بينها قواعد لصواريخ ثقيلة مثل صاروخ “تاو” الأمريكى المضاد للمدرعات، إضافةً إلى الأسلحة الفردية والمناظير الليلية وغيرها، لكن تلك كانت واحدة من ضمن العديد من الصفحات والمجموعات المنتشرة فى هذا الشأن والتى ليس من الصعب الوصول إليها.
يتضح من هذا أن تجارة الأسلحة لم تقف عند حد الأسلحة الخفيفة مثل الرشاشات أو القذائف لكنها وصلت أيضًا إلى الدبابات وقطع غيارها، وحتى ملابس الحرب مثل القمصان الواقية من الرصاص.
ويكفي أن يُشار إلى أن هناك بين 3 آلاف و12 ألف صاروخ مضاد للطائرات “مفقود” في ليبيا، في ظل الفوضى التي تغرق البلاد خلال السنوات القليلة الماضية، ويُرجح أن يستخدم الإنترنت في عملية ترويج بيعهم ولا سيما مواقع التواصل الاجتماعي الأكثر انتشارًا.
“فيس بوك” ينتبه
انتبهت شركة فيس بوك مؤخرًا لهذه السوق مستخدميها على مستوى العالم من تنسيق مبيعات الأسلحة النارية من شخص إلى شخص عبر شبكتها الاجتماعية على الإنترنت وخدمتها انستجرام.
إذ تزايدت المخاوف المتعلقة باستخدم موقع التواصل الاجتماعي بشكل غير مسبوق للالتفاف حول التحريات المطلوبة عن الخلفية القانونية بشأن مبيعات الأسلحة النارية، فحظرت فيس بوك بالفعل على البائعين الخاصين للأسلحة النارية من عملية الإعلان “دون شرط مراجعة الخلفيات” أو إجراء تحويلات عبر حدود الولايات الأميركية بدون موزع يحمل ترخيصًا، إذ قالت الشركة إن مثل هذه الإعلانات تشير إلى رغبة في التحايل على القانون.
هذه الإجراءات التي أعلنت عنها فيس بوك مؤخرًا من شأنها أن تعيق صفقات الأسلحة التي تجرى عبر موقعها لكنها لن تقضي عليها تمامًا كما هو متوقع، إذ لا تزال حسابات ومجموعات تعمل بصورة طبيعية في ممارسة نشاطها المتعلق ببيع الأسلحة.
حيث أشارت دراسات بحثية أجراها مجموعة من المتخصصين في مجال انتشار السلاح إلى أنه توجد آلاف المنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي التي تُعلن عن أسلحة للبيع عبر دول الشرق الأوسط والتي تعاني صراعات مسلحة.
وبحسب تقرير لصحيفة “تليغراف” البريطانية، أعلنت شركة “فيس بوك” أنها بصدد “اتخاذ إجراء” لوقف الإعلان عن بيع الأسلحة عبر الموقع نهائيًا بعد أن تعلق الأمر بالأسلحة الغير مرخصة في السابق.
ليبيا السوق الأوسع انتشارًا
تظهر الدراسة التي صدرت مؤخرًا فيما تنامي الصفقات التي تبرمها مجموعات مسلحة في عدة دول عبر تلك المواقع، لا سيما في ليبيا، حيث الأسلحة المتوافرة بغزارة بُعيد سقوط مخازنها في أعقاب مقتل العقيد القذافي في الثورة الليبية.
وقد رصدت المئات من قطع الأسلحة بدءًا من الصغيرة مرورا بالمتفجرات والألغام الأرضية، حتى صواريخ الأرض جو، تباع عبر مواقع التواصل.
هذه الدراسة الحديثة التي قامت بها شركة الأبحاث الخاصة “أرمامنت” ونشرتها أولًا جريدة نيويرك تايمز، تتبعت مسار مجموعات وأفراد يبيعون السلاح في ليبيا وتوصلت إلى أن رقم المبيعات غير القانوني يصل إلى 1346 قطعة سلاح في سنة واحدة.
تستغل المليشيات المقاتلة في الشرق الأوسط هذا الرواج في سوق السلاح بهذه الصورة لتحديث ترسانتها من الأسلحة، حيث تنتشر في ليبيا قاذفات صواريخ وقنابل، وأسلحة مضادة للدبابات وأنظمة الدفاع الجوي المحمولة بأسعار زهيدة مقارنة بالسعر الأصلي في السوق العالمية، وهو الأمر نفسه في العراق وسوريا واليمن، لكن ليبيا حتى الآن لا زالت أحد المصادر الرئيسية والخصبة جدًا للمجموعات المسلحة في الشرق الأوسط باختلاف توجهاتها.
كيف يتم البيع باستخدام “فيس بوك”
تقوم مجموعات تجارة الأسلحة بإنشاء مجموعات سرية على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”، ومن ثم تقوم بنشر منتاجاتها للتسويق في هذه المجموعات التي ينضم إليها المهتمين بالأمر.
يتواصل الراغبون في الشراء مع العارضين وربما يقومون بالاتفاق على الأسعار وبقية تفاصيل الصفقة على وسيلة تواصل أخرى أكثر أمنًا، وقد وثقت عمليات بيع أسلحة ثقلية بهذه الصورة منها أسلحة تستخدم كمضادات للطائرات، إلا أن الأمر الأكثر شهرة هو بيع الأسلحة الخفيفة ذات الاستخدام الشخصي كالمسدسات والرشاشات الآلية مختلفة الأنواع.
لا يقتصر الأمر بأي حال على دولة ليبيا في انتشار هذا الأمر، حيث تنتشر الأسواق نفسها في دول النزاعات كالعراق وسوريا واليمن، في العراق أسلحة الجيش العراقي في أيدي المليشيات الشيعية وهي أسلحة أمريكية من أجيال متقدمة جدًا، وثمة عملية تجارة بها من قبل البعض، ولا يقتصر الأمر بطبيعة الحال على المليشيات الشيعية بل يتهم تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” بالتجارة بالأسلحة.
الأمر ذاته يكون في سوريا التي تُلقى فيها أسلحة من دول عدة على الفصائل المقاتلة، والفصيل التي تكون له الغلبة في بعض المناطق يستولي على أحدث الأسلحة الموردة إلى سوريا، ثم تتوالى ظهورعروض بيع الاسلحة لمليشيات أخرى.
عمليات الاتجار بالأسلحة من خلال فيس بوك موثقة بالدلائل والأرقام، وقد أكد فيس بوك هذا الأمر واعترف بأن هناك ما يزيد عن 6000 آلاف صفقة سلاح عبره، ومن المرجح أن يكون هناك أكثر من ذلك بكثير.
أسعار ودوافع
تختلف الأسعار والدوافع للمتعاطين مع إعلانات بيع الأسلحة عبر فيس بوك، فبين رغبة اقتناء السلاح الشخصي، وبين رغبة تسليح المليشيات بالكامل تترواح الطلبات، وقد لوحظ أن الإقبال في ليبيا على شراء المسدسات على سبيل المثال، ويرجع البعض ذلك إلى عدم الشعور بالأمان هناك، لذا يفضل البعض اقتناء مسدس شخصي يتراوح ثمنه بين 2200 دولار إلى 7000 دولار حسب نوعه.
أما في العراق فتجد الأسلحة المعروضة مختلفة تمامًا حيث تشمل البنادق القصيرة M4 وبنادق M16، M249، وأسلحة آلية وتشكيلات مختلفة، مثل رشاش MP5 وغلوك مسدسات نصف آلية.
وبالمثل في سوريا تحضر الأسلحة الأمريكية التي زودت بها ما تسميها المعارضة المعتدلة مثل حركة حزم التي خاضت صراعًا مع جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة في سوريا، وهو ما أدى إلى وقوع العديد من الأسلحة الأمريكية الحديثة في أيدي تنظيم النصرة، ومن ثم رصد بعدها زيادة في نشاط بيع الأسلحة.
ويُلاحظ أيضًا نشاط سوق الأسلحة هذه في مناطق تواجد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” التي ربما تحصل على الكثير من “الغنائم” في المعارك من بينها أسلحة تستخدمها في أغراض التجارة بهدف توفير التمويل للتنظيم.
وقد طالبت العديد من الهيئات العالمية فيس بوك باتخاذ تدابير أكثر صرامة لمواجهة هذه الظاهرة المتسعة في انتشارها في إطار جهود مكافحة الإرهاب، ومكافحة أنشطة تهريب الأسلحة عبر الإنترنت.