ضباب يحيط بمستقبل حكومة فايز السرَّاج الجديدة في ليبيا، والتي تشكلت بقرار من الأمم المتحدة، ولئن رحَّب الليبيون في البداية، بتدخل شمال الأطلنطي “الناتو” والغرب، في الثورة، من أجل إنجاحها وإزاحة العقيد الليبي معمر القذافي ونظامه، فإنهم وبعد معاناة لخمس سنوات من تخلي المجتمع الدولي عنهم، حتى تفاقمت أزمة وطنهم إلى المستوى الراهن؛ باتوا ينظرون بعين الريبة إلى أي شيء أو تحرُّك يأتي من جهة الغرب والمجتمع الدولي.
بداية عسيرة لحكومة السرَّاج، التي تشكلت بموجب اتفاق الصخيرات الأخير، عندما وصل إلى العاصمة طرابلس بحرًّا، ومكث في القاعدة البحرية التابعة للمدينة، بعد إغلاق الأجواء أمام الطائرة التي كان من المقرر أن يستقلها إلى مطار معيتيقة، ثم وقوع اشتباكات بين مؤيدي حكومته ومعارضيها.
ولا يقتصر هذا المخاض الصعب على الوضع الأمني الهش في العاصمة الليبية وفي بنغازي، كُبرى المدن الليبية بعد العاصمة وأحد أهم رموز الثورة الليبية؛ حيث نقف أمام صورة مهمة تتعلق بمعوقات أخرى، تمتد من داخل ليبيا، لكي تشمل التحالفات والخصومات الراهنة في الشرق الأوسط، والتي سوف يكون من شبه المستحيل معها، أن تكون حكومة السرَّاج هي حكومة كل ليبيا.
ولذلك؛ فقد أعلن السفير البريطاني لدى ليبيا، بيتر ميليت، أن اجتماعًا لكبار المسؤولين في حكومة السرَّاج، مع بعثة الأمم المتحدة، سوف يعقد في تونس، في غضون الأيام القليلة الماضية “لمناقشة تنسيق الدعم الدولي ليتلاءم مع أولويات حكومة الوفاق الوطني”، التي يرأسها السرَّاج.
المشهد والكواليس في طرابلس
بعد أيام من وصول السراج وبعض وزراء حكومته، أعلنت بلديات عدة، ما بين 11 إلى 13 بلدية في الجنوب والغرب، عن تأييدها له ولحكومته، كما أعلنت المؤسسات المالية والاقتصادية السيادية وهي: المصرف المركزي، والمؤسسة الوطنية للنفط، والمؤسسة الليبية للاستثمار ومقرها طرابلس، عن دعمها لحكومة السرَّاج، الذي قام بدوره بإلغاء أية توقيعات أو تعاملات مالية تتم خارج إطار حكومته.
ساهم في تحسين فرص السرَّاج في التواجد في طرابلس، موقف ميليشات أساسية مثل لواء الصمود في مصراتة، والذي كان يُعتبر أقوى فصيل مسلَّح يعارض اتفاق الصخيرات الموقع في ديسمبر 2015م الماضي بين أطراف من برلمان طبرق المنتهية ولايته والمعترف به دوليًّا، وبين برلمان طرابلس الذي لا يلقى اعترافًا دوليًّا.
مشكلة الاتفاق أنه تم التوقيع عليه بشكل شخصي من جانب أعضاء كلا البرلمانَيْن برعاية الأمم المتحدة، وبالتالي؛ ترى بعض الأطراف السياسية والفصائل المسلحة في ليبيا، أنه – أولاً – لا يُعبر سوى عن أصحابه، وبالتالي هو فاقد للمشروعية السياسية، لأن المؤسسات المعنية لم تعترف به، وثانيًا، أنه جاء في إطار ضغوط من الأمم المتحدة، بينما يرفض الكثير من الليبيين، أي تدخل دولي في شؤونهم، بعد تجربة خذلانهم في أشهر الثورة الأولى وما بعد الإطاحة بالقذافي.
الإنجاز السريع الذي حققته حكومة السرَّاج في طرابلس قد لا تستطيع أن تحققه في الشرق في طبرق، لأسباب وبواعث عدة سنتناولها في موضع لاحق.
لكن قبلاً وجب التأكيد على أن تثبيت حكومة السرَّاج لأقدامها في طرابلس كان وراءه اعتبارات أمنية واقتصادية بالأساس.
الاعتبارات الأمنية تتعلق أولاً بـ”داعش” ومساعيها للسيطرة على الهلال النفطي، والتوسع في مدن ومناطق أخرى بجوار سرت، مثل صبراتة، وهو ما يهدد بتدخل عسكري إقليمي ودولي، لا يرغب فيه الليبيون.
كما أن اتهامات عدة وُجِّهت إلى حكومة طرابلس بتمهيد الأوضاع لتنظيم “داعش” كعنصر تهديد وفاصل جيوسياسي بينها وبين جماعة طبرق، في أية محاولة للزحف، وذلك كتفسير من جانب مراقبين، لقيام حكومة طرابلس بسحب اللواء 166 من مدينة سرت، في فترة من الفترات، في العام الماضي، مما كان سببًا مباشرًا في سيطرة “داعش” على سرت.
ثانيًا، وهو جانب أمني له أبعاده الاقتصادية؛ حيث إن مختلف الجماعات المسلحة التي كانت تدعم حكومة طرابلس، قد تأثرت بالأزمة المالية التي واجهت الحكومة التي كانت قد انبثقت عن المؤتمر الوطني العام الذي تم انتخابه عقب الثورة الليبية.
وثمة تصريح لسياسي ليبي مقرّب من السرَّاج، ذكر فيه أن حكومة طرابلس، قد أفلست، مما أدى إلى تعويق قدرتها على تمويل الجماعات المسلحة ودفع رواتب قياداتها وعناصرها، مما أدى إلى انفضاض الغالبية العظمى من هذه المجموعات من حولها.
ويذهب البعض إلى أن هذا العامل، كان وراء تأييد لواء الصمود في مصراتة لحكومة السرَّاج؛ حيث إنه كان سوف يصبح معزولاً لو كان قد تبنى موقفًا معاديًا لها، فحتى كتائب مصراتة، تؤيد اتفاق الصخيرات، وحكومة السرَّاج، وكذلك المجلس الرئاسي الذي انبثقت عنه.
تبعًا لهذه التطورات، انتخب مجلس الدولة الليبي، وهو جهة استشارية، يوم السادس من أبريل، عبد الرحمن السويحلي، رئيسًا له، وذلك من الجلسة الثانية من دون معوقات.
إلا أن الأمور في طرابلس لم تستقر بعد؛ فبالرغم من إعلان الحكومة في طرابلس مغادرة الحكم ودعوتها لتسليم السرَّاج للوزارات؛ فإن رئيس حكومة طرابلس خليفة الغويل أعلن أنه يرفض تسليم السلطة، ليكون ذلك هو أول ململح من ملامح تأثيرات التحالفات القائمة في الشرق الأوسط على الأوضاع الراهنة في ليبيا.
فالغويل أحد الأطراف المحسوبة على الإخوان المسلمين في ليبيا، وهؤلاء – وهو أمرٌ غير خافٍ على أحد – تلقوا خلال السنوات الماضية، كامل الدعم المادي والعسكري والسياسي من المحور التركي القطري، في مقابل تلقِّي جناح طبرق لكامل الدعم من مصر والسعودية والإمارات.
جاءت الإجراءات الإقليمية في صدد فرض حصار – وفق الأمر الواقع بالفعل – على ليبيا، وخصوصًا الخط البحري الواصل بين السواحل الليبية وبين قبرص التركية، وغلق أجواء مطار معيتيقة أمام حركة الطيران المدني الذي كان غالبًا ما كان يُستغل في عمليات نقل مقاتلين أو إسقاط أسلحة في مناطق الميليشيات المختلفة في غرب ووسط ليبيا؛ جاءت هذه الإجراءات لكي تفت من عضُد حكومة طرابلس في السيطرة على الموقف وخصوصًا في الجانب الاقتصادي كما تقدم.
كما عانت حكومة طرابلس من انتقادات متزايدة من دول الجوار المغاربي ودول الجوار المتوسطي، سواءٌ فيما يتعلق بقضية توطن التنظيمات الإرهابية وتحول ليبيا والمناطق التي تسيطر عليها حكومة طرابلس إلى بؤر انطلاق لتهريب السلاح والمقاتلين، وكانت تونس أكثر من عانت في ذلك، أو نقطة انطلاق مهمة للمهاجرين غير الشرعيين، وهو ملف تزايدت مخاطره الأمنية على أوروبا في الآونة الأخيرة.
وكانت هجمات باريس، في نوفمبر 2015م وتفجيرات بروكسيل في مارس 2016م، نقطة إنذار قوية للأوروبيين في صدد ضرورة البدء في البحث عن علاج لأزمات الشرق الأوسط، وخصوصًا سوريا وليبيا، بعد تحول كلا البلدَيْن، بسبب غياب الحكومة المركزية في كلا الدولتَيْن منذ سنوات طويلة.
وبالفعل، لم يكن تحرك الأوروبيين في الملفَيْن السوري والليبي وقضية المهاجرين إلا استجابة لتصاعد هذه المخاطر في العامَيْن الأخيرَيْن.
ولكن ما تم لحكومة السرَّاج لم يكن وليد الأقدار السياسية فحسب، فالميليشيات المسلحة لعبت أكبر الأدوار في استتباب الأمور له ولمجلسه الرئاسي المكوَّن من تسعة أشخاص، وهو ما لم تعلنه وسائل الإعلام الليبية والدولية.
فوزراء حكومة الغويل وكبار مسؤوليها، تعرضوا إلى تهديدات مباشرة وعرضت عليهم رشاوى مصحوبة بهذه التهديدات، وحتى رشاوى سياسية من جانب بعثة الأمم المتحدة على عهدة الرواة.
وضمن ذلك، قيام ميليشيات طرابلس بسحب عناصر الحماية التي كانت تقوم على تأمين الغويل ووزرائه، وكذلك إغلاق المقار الحكومية في وجوههم، بحيث، وقبل إعلان حكومة طرابلس عن تخليها طواعية عن السلطة، وتحولها إلى المعارضة السلمية “حقنًا لدماء الليبيين”، كان الوزراء وكبار المسؤولين فيها يمارسون أعمالهم من بيوتهم.
كما بدأت عناصر من هذه الميليشيات في إزالة شعار واسم حكومة الغويل من مقرها الرسمي في شارع “السكة” في وسط طرابلس، تمهيدًا لإعلان تسليمه رسميًّا لحكومة السرَّاج، بجانب إتمام تسليم الموقع الإلكتروني الرسمي لحكومة الغويل للمكتب الإعلامي التابع لحكومة السرَّاج.
طبرق.. المعضلة
على الجانب الآخر، لا تبدو الأمور على هذا القدر من السهولة الذي تم بها الأمر في طرابلس الضعيفة من الأصل، في طبرق؛ حيث التحدي أكبر، بسبب – كذلك – سياسات التحالفات القائمة.
فهناك أولاً عدم قبول نصف برلمان طبرق المنتهية ولايته، لحكومة السرَّاج، لذلك قام السرَّاج بزيارة إلى طبرق من أجل محاولة تذليل عقبات الاعتراف به وبحكومته إلا أن ذلك من دونه الكثير من المصاعب.
أول هذه المتاعب، موضوع الفريق خليفة حفتر، المدعوم من محور مصر والإمارات والسعودية؛ حيث إن أكثر من تسعين من أعضاء برلمان طبرق – حوالي 94 نائبًا – والمكون من 190 نائبًا، يرفضون مجرد الحديث عن الاستغناء عن حفتر كقائد عام لما يُعرف بالجيش الوطني الليبي.
ولا تقتصر أزمة حفتر على البرلمان في طبرق؛ حيث إن اثنين من تسعة أعضاء في المجلس الرئاسي التابع للسرَّاج، يقاطعان جلسات المجلس، بسبب موضوع حفتر هذا، وهما علي القطراني وعمر الأسود، واللذان اتهما السرَّاج صراحة بأنه ينساق وراء “تعليمات” من الإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة، في هذا الصدد، وفي غيره من القرارات في حقيقة الأمر.
عقيلة صالح رئيس برلمان طبرق، يتبنى ذات الموقف ويشير إلى أن تأييده لحفتر ينطلق من أنه يدعم القوة التي يديرها حفتر من بنغازي والمعروفة باسم “الجيش الوطني الليبي”، ويرفض تمامًا فكرة ضم الفصائل التي تكون “الجيش” الذي كان يدعم حكومة الإنقاذ الوطني المنتهية ولايتها في طرابلس، التي كان يترأسها الغويل، باعتبار أنها تضم ميليشيات مصنَّفة إرهابية، ولا يمكن ضمان موقفها إذا ما تم دمجها في الجيش الليبي.
ويدعمه في ذلك، علي القطراني، الذي نقلت عنه وكالة الأنباء الليبية الرسمية (واج)، قوله إن تشكيل مجلس أعلى للدولة في طرابلس، ودخول السرَّاج إليها “يدل على عدم احترام إرادة إقليم برقة المتمثلة في دعم المؤسسة العسكرية الحالية في طبرق”.
وهنا نصل إلى النقطة شديدة الحساسية في مسألة جناح طبرق وبنغازي، والأخيرة تمثل نقطة خطاب عاطفية لعقيلة صالح ومن والاه، وهي قضية إقليم “برقة” الذي هدد بالانفصال عن ليبيا أكثر من مرة.
فالجناح المكون من 94 عضوًا في برلمان طبرق، يسعى إلى تشكيل مجلس رئاسي جديد، يكون مقره بنغازي، بدلاً من ذلك الذي تشكل في طرابلس.
وقدم هؤلاء طلبًا رسميًّا بذلك إلى عقيلة صالح، وقالوا إنهم سوف يعملون على عقد جلسة أولى للمجلس المزمع في غضون بضعة أيام، سيترأسها النائب جمعة السايح باعتباره أكبر الأعضاء سنًّا في هذه المجموعة.
يحظى هذا التحرك بدعم اثنَيْن من أقطاب السياسة والحكم في ليبيا حاليًا، الأول هو عقيلة صالح الذي تكلم مطولاً عن بنغازي ورمزيتها السياسية والثورية ومعاناتها خلال خطابه يوم الثاني من أبريل حول موقفه وموقف مؤسسته من حكومة السرَّاج.
الطرف الثاني، هو علي القطراني، الذي نقلت عنه (واج) بجانب تصريحه السابق حول الجيش الوطني الليبي، إنه ما لم تُحترم رغبة هذا الجناح في تقرير المصير “فإن هذا سيؤدي إلى فك الترابط بين إقليم برقة وإقليم طرابلس الذي يستعمل سياسة التجويع”، بحسب ما قال.
“برقة”.. هل تنفصل بسبب السرَّاج؟!
هذه القضية التي أثيرت في السنوات الأخيرة التي تلت الإطاحة بالقذافي، كانت أحد أهم عوامل انقسام ليبيا طيلة الفترة الماضية، إلى حكومتَيْن وبرلمانَيْن، ويبدو أن هذا الملف لم يُغلق، ولا يزال مشتعلاً تحت الرماد بانتظار من ينفخ فيه.
و”برقة”، هي الجزء الشرقي من ليبيا في الوقت الراهن، ويعود تاريخها إلى منتصف القرن السادس قبل الميلاد، واسمها أصوله إغريقية، واشتُق من إقليم تابع لها، وهو إقليم “بركايا”، وأهم مدنه، مدينة بنغازي، وتوكرة، وواحة جغبوب.
تحولت “برقة” إلى إمارة مستقلة لوقت قصير، في العام 1949م، عندما أعلن الملك إدريس السنوسي، منها إمارة مستقلة، بدستور مستقل، من جانب واحد، في مطلع مارس من ذلك العام، ودعمته بريطانيا في ذلك؛ حيث أصبحت الدولة المستقلة الثامنة بين البلدان العربية في ذلك الوقت، وكان إعلان السنوسي لها، من بنغازي.
ولكن، عندما تم إعلان قرار استقلال ليبيا، في الحادي والعشرين من نوفمبر 1949م، اتفقت بريطانيا وفرنسا على أن تتكون ليبيا المستقلة من أقاليم ثلاثة كانت تحتلها كلا البلدين وإيطاليا، وهي: برقة وطرابلس وفزان.
وبالفعل أُعلن في الرابع والعشرين ديسمبر من العام 1951م، عن استقلال ليبيا على حدودها الحالية، وتحولت حدود إمارة “برقة” إلى حدود ولاية “برقة” الحالية، سواء في العهد الملكي أو العهد الجمهوري، بعد إطاحة القذافي بالسنوسي في الأول من سبتمبر من العام 1969م.
تجددت مطالب “برقة” التي تضم واحات غنية بالنفط والمحاصيل الزراعية، بالانفصال بعد ثورة فبراير 2011م، ولكن كبار شيوخ القبائل في تلك المنطقة اعترضوا على ذلك، وظلت في إطار ليبيا الأزمة، الحالية.
تحديات آنية ومستقبلية
لا تُعتبر قضية “برقة” التحدي الوحيد أمام حكومة السرَّاج، فهناك الكثير مما هو عليها أن تثبته خلال الفترة المقبلة، لكي تثبت جدارتها.
فهناك الأزمات الأمنية بسبب “داعش” والميليشيات التي لم تعلن موقفها بعد، وحتى من أعلنت عن تأييدها لحكومة السرَّاج، تواجه الحكومة الجديدة مشكلة إزاء سلاحها وعناصرها حيث إنه من قبيل المستحيل تسليمها لسلاحها، ولو حصل ذلك فكيف سوف يمكن إقناع قوات حفتر بدمجها في قوات “الجيش الوطني الليبي”، وقد كانوا ضد بعضهم البعض على خط النار قبل قليل؟!
ولا توجد سابقة واحدة في العالم، نجحت فيها مساعٍ من هذا القبيل.
وما سبق ليس ببساطة كتابة بضعة السطور هذه؛ فهي مشكلة حقيقية وربما هي الأخطر والأهم، لأنها تتعلق بقوى منتشرة على الأرض ولها نفوذ أكثر من حكومة السرَّاج ذاتها، بل إنها هي التي كانت ضمانة بقاء حكومة طرابلس طيلة السنوات الماضية، أي أن النفوذ السياسي الحقيقي في قبضتها هي لأنها هي التي تملك القوة المسلحة الفاصلة التي تفرض القوة السياسية على الأرض.
التحدي الثاني يتعلق بالقضايا الاقتصادية؛ فكيف يمكن في ظل وضع أمني وسياسي منقسم مثل هذا، أن تبدأ حكومة السرَّاج في إدارة موارد البلاد من النفط وغيره، وبدء عملية تنمية حقيقية تشمل توزيع حقيقي للسلطة والثروة؟ بالتأكيد الأمر في حكم المستحيل.
………….
تبقى في الإطار الإشارة إلى أن الحل الوحيد، هو توافق طبرق مع السرَّاج، وبالتالي قبول – ولو على مضض – دمج الميليشيات المسلحة في الجيش الوطني الليبي، ولكن، وحتى إن قبلت الفصائل المسلحة ذلك، فهل يقبل المجتمع الدولي ويرفع الحظر المفروض على الجيش الليبي، وهو أمر ضروري لمكافحة الإرهاب والتصدي لـ”داعش” وعصابات الهجرة غير المشروعة؟
بالتأكيد غير ممكن هذا الأمر لأنه، وبأبسط التقديرات، لو تجددت الأزمة في ليبيا لسبب أو لآخر، فإن هذا السلاح سيقع – بالتأكيد – في أيدٍ غير مرغوب فيها، تمامًا كما حدث مع السلاح الأمريكي في أفغانستان وسوريا.
يبقى الأمر في يد الائتلافات الإقليمية المسيطرة على القوى المختلفة في ليبيا، ولكن هذه الائتلافات الإقليمية بينها وبين بعضها البعض بون شاسع، سياسي وأيديولوجي مبدأي من قضية الثورة والإسلاميين، بما يقول إن الاتفاق فيما بينها، لم يكون بهذه السهولة، خصوصًا وأن بعض هذه القوى لا يملك قراره السيادي في هذه الأمور، بل الأمر في قبضة قوى أخرى أكبر وأقدر، من مصلحتها استمرار هذه الحالة من التفتت والفوضى وعدم الاستقرار في ليبيا وغيرها إلى عقود طويلة قادمة!