يصل رئيس الحكومة الفرنسية مانويل فالس اليوم السبت إلى الجزائر في زيارة تدوم يومين على رأس وفد سياسي واقتصادي هام لحضور الدورة الثالثة للجنة المشتركة رفيعة المستوى بين البلدين ، في وقت تشهد فيه العلاقة بين الجزائر وفرنسا توترًا على خلفية أوراق بنما.
وسبقت هذه الزيارة بوادر توتر دبلوماسي بين البلدين بعد نشر صحيفة لوموند الفرنسية صورة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة مرفقة باتهام خاطئ له بالتورط في “وثائق بنما“، ووصفت الجزائر هذا الأمر بـ “تحامل الصحافة الفرنسية على مؤسسة الرئاسة الجزائرية باسم حرية التعبير.”
واستدعت الجزائر، الأربعاء، السفير الفرنسي لديها، برنار إيمي، احتجاجًا على نشر الصحيفة الفرنسية لصورة بوتفليقة، ضمن قادة دول وردت أسماؤهم فيما يسمى بـ “وثائق بنما” حول التهرب الضريبي، رغم أن اسمه لم يرد بالوثائق.
وقال بيان للخارجية الجزائرية: “استدعى وزير الخارجية الجزائرية، رمطان لعمامرة، اليوم الأربعاء، السفير الفرنسي في الجزائر، برنار إيمي، لإبلاغه احتجاجًا رسميًا”، مضيفًا بالقول “أبلغ لعمامرة السفير الفرنسي احتجاج الجزائر إزاء الحملة الإعلامية ضد مسؤولين جزائريين، وأن التحامل على مؤسسة الرئاسة الجزائرية من قِبل وسائل إعلام فرنسية باسم حرية التعبير غير مقبول”.
وتعد حادثة استدعاء السفير الفرنسي في الجزائر الثانية من نوعها في ظرف أقل من 6 أشهر؛ حيث سبق للخارجية أن استدعت السفير الفرنسي في الجزائر شهر أكتوبر الماضي على خلفية تفتيش وزير الاتصال عبدالحميد قرين بطريقة اعتبرت “مهينة” من طرف شرطة المطار.
وأكد لعمامرة، بحسب البيان “على الواجب الأخلاقي والسياسي، بأن تعرب السلطات الفرنسية المختصة صراحة عن استنكارها لهذه الحملة التي لا تتلاءم ونوعية ومستوى العلاقات الجزائرية الفرنسية”.
ويأتي احتجاج الخارجية الجزائرية بشأن هذه القضية، بعد تقدم السفير الجزائري لدى باريس، باحتجاج لدى إدارة صحيفة “لوموند” بشأن ما نشر من “معلومات تضليلية” كما نقلت صحف جزائرية.
ووصف وزير الداخلية الجزائري نور الدين بدوي الخميس استدعاء السفير الفرنسي بأنه “رد مناسب” على التغطية الإعلامية الخاصة ببوتفليقة، ونقلت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية عن الوزير قوله “من واجبنا كجزائريين ألا نقبل المساس برموزنا ومؤسساتنا الدستورية”، واعتبر ذلك “خطًا أحمر لا يمكن تجاوزه”.
وكانت جريدة “لوموند” نشرت تقريرًا في الـ 5 من أبريل يشير إلى ورود اسم وزير الصناعة الجزائري عبد السلام بوشوارب الذي تسلم منصبه الوزاري في مايو/ أيار 2014، في “أوراق بنما”، حيث يملك شركة في بنما هي “رويال أرايفل كورب”، أنشئت في أبريل 2015 من خلال خدمات شركة تنشط في تسجيل شركات “أوفشور”.
كما أرفقت الجريدة الفرنسية صورة للرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، وهو الأمر الذي لم تقبله الجزائر ودفعها للاحتجاج من خلال استدعاء السفير الفرنسي لدى الجزائر من قِبل وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، لتبليغه احتجاجًا شديد اللهجة حول ما نشرته “لوموند”.
وأوضحت يومية “لوموند” أنها لم تقصد الرئيس الجزائري بوتفليقة شخصيًا بعد نشرها صورته إلى جانب شخصيات ورد ذكرها في “تسريبات بنما”، إذ قالت الجريدة الفرنسية في 6 أبريل/ نيسان إنه “عكس ما قد يوحيه نشر صورة الرئيس الفرنسي في الصفحة الأولى لعدد أمس، الذي تطرّق لنشر وثائق فضيحة وثائق بنما، فإن اسم الرئيس الجزائري لم يرد فيها، بل مقربين منه تحوم الشكوك حولهم أنهم حولوا جزءًا من موارد البلاد”.
ونفى الوزير الجزائري تلك المعلومات، وقال في إجابة على استفسار من أحد أعضاء اللجنة الاقتصادية بالبرلمان الجزائري إنه برئ من تهمة التهرب الضريبي، وأكد أنه سيقدم تقريرًا مفصلاً إلى بوتفليقة حول القضية، واعتبر أن “تلفيق” هذه التهم ضده يستهدف مؤسسات الدولة وتوجهاته في إصلاح قطاع الصناعة “التي أصبحت تزعج بعض اللوبيات في الخارج والداخل”، حسب ما أوردته وسائل إعلامية.
من جهتها نشرت شركة الخدمات المسماة (cec) التي يتعامل معها الوزير الجزائري في بيان لها، أن الشركة التي يمتلكها بوشوارب، والمسماة بـ “روايال أريفل كورب” أنشئت من أجل تسيير أملاكه الشخصية ولكنها لم تنشط أبدًا ولا تتوفر على أي حساب مصرفي، وأوضحت الشركة “أنها هي المبادرة بإنشاء شركة روايال أريفل كورب (ببنما) والتي تم تأسيسها في شفافية تامة، وأن بوشوارب طلب فور اطلاعه على مساعينا، تجميد أي نشاط لهذه الشركة طيلة مدة ممارسة عهداته العمومية (مهامه الرسمية)”.
ومن المرتقب أن يلقي الاحتقان السياسي الجديد بظلاله على مجريات أشغال اللجنة الحكومية المشتركة الجزائرية – الفرنسية رفيعة المستوى التي سيترأسها رئيسا حكومتي البلدين، اليوم وغدًا، بسبب تشبث الجزائر على لسان وزيرها خارجيتها بضرورة أن تعتذر فرنسا للجزائر عمّا اعتبر “حملة ذات نوايا سيئة ومضللة موجهة عن قصد ضد مؤسسة الرئاسة”، وأن الواجب الأخلاقي والسياسي يقتضي أن تعرب السلطات الفرنسية المختصة صراحة عن استنكارها لهذه الحملة التي لا تتلاءم ونوعية ومستوى العلاقات الجزائرية الفرنسية.
واحتجاجًا على ما قامت به الصحيفة الفرنسية، رفضت السلطات الجزائرية منح تأشيرة دخول لصحافيين تابعين للصحيفة لتغطية زيارة رئيس الحكومة الفرنسية للجزائر اليوم ،وقال مدير عام صحيفة “لوموند” جيروم فينوغليو في تصريح على موقع الصحيفة “رفضت السلطات الجزائرية منح تأشيرة دخول إلى صحافي لوموند الذي كان من المفترض أن يغطي الزيارة الرسمية لرئيس الحكومة مانويل فالس إلى الجزائر ابتداءً من السبت ما سيمنعنا من القيام بعملنا”، وأضاف “أن هذا القرار مرتبط بطريقة تعاملنا مع وثائق بنما خصوصًا المعلومات التي نشرناها حول الجزائر”، معربًا عن “احتجاجه على هذا الانتهاك لحرية الصحافة.”
وكرد على رفض الجزائر منح تأشيرة الدخول لصحافيين من جريدة “لوموند” الفرنسية، بهدف تغطية زيارة رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس، المقررة اليوم السبت 9 أبريل إلى الجزائر، على خلفية أوراق بنما، قررت ثلاث وسائل إعلام فرنسية مقاطعة زيارة الوزير الأول الفرنسي إلى الجزائر،
وقررت كل من الإذاعة الثقافية الفرنسية وراديو انتير بالإضافة لجريدة ليبيراسيون، مقاطعة الزيارة تضامنًا مع صحافي “لوموند”، وأضافت الوسائل الإعلامية الثلاث في بيان مشترك أن “منع صحافيين من تأدية مهامهم هو تقويض لحرية التعبير”.
وكانت جريدة “لوفيغارو” قد أعلنت هي الأخرى مقاطعتها زيارة رئيس الوزراء الفرنسي للجزائر، إذ قالت الجريدة اليمينية الفرنسية: “باسم حرية التعبير لن نرسل فريقًا إلى الجزائر لتغطية زيارة مانويل فالس”.
وكانت الجزائر قد رفضت أيضًا منح فريق صحافي من قناة “كنال بلوس- +Canal” الفرنسية تأشيرة دخول إلى الجزائر، وذلك عقابًا لها على نشر تقارير ساخرة تناولت فيها الحالة الصحية للرئيس الجزائري، وقالت الوكالة أن رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس اتصل في وقت سابق بنظيره الجزائري عبد المالك سلال بهدف الوساطة لهم، إلا أن طلب باريس قوبل برفض جزائري صارم.
ومن المقرر أن يصل رئيس الوزراء الفرنسي فالس الجزائر في زيارة ستستمر يومي الـ 9 والـ 10 من أبريل/ نيسان الجاري، على رأس وفد يضم عشرة وزراء في إطار اجتماعات دورية بين باريس والجزائر على أرفع المستويات منذ انتخاب فرانسوا هولاند رئيسًا لفرنسا.
وتستفيد فرنسا من امتيازات كبيرة في السوق الجزائرية ومن مشاريع مهمة جدًا زادت قيمتها أكثر منذ زيارة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند إلى الجزائر ديسمبر 2012 .
ونشر الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين مؤخرًا وثائق سُرِّبت من شركة “موساك فونسيكا” للمحاماة ومقرها بنما، تحتوي على بيانات مالية لأكثر من 214 ألف شركة فيما وراء البحار في أكثر من مئتي دولة ومنطقة حول العالم.
وقال الاتحاد إن الوثائق أظهرت تورط عدد كبير من الشخصيات العالمية بينها 12 رئيس دولة و143 سياسيًا في أعمال غير قانونية مثل التهرب الضريبي وتبييض أموال عبر شركات عابرة للحدود.