التجنيد الإلزامي.. محاولة إيرانية بالعراق لإجهاض الحرس الوطني

بعد أكثر من عام على رفض بعض الكتل السياسية العراقية الموالية لإيران، إقرار قانون “الحرس الوطني” في البرلمان، خوفًا من هيمنة القوى السنية على مناطق نفوذها، ومواجهة تطرف وعنجهية وطائفية ميليشيات الحشد الشعبي بها، وتأمين ملفها الأمني عوضًا عن الجيش والمليشيات، والتصدى في الوقت عينه للجماعات المتشددة، ودعاوى التعامل الطائفي من قِبل القوات الحكومية، عادت نفس الكتل المنتمية إلى التحالف الوطني الحاكم وبإيعاز إيراني، لطرح فكرة قانون التجنيد الإلزامي في صفوف الجيش والذي كان معمولاً به أيام الرئيس الراحل، صدام حسين.
تداعيات الأزمة
زادت الأزمة المالية بالعراق، ولم تفلح حكومة المالكي في إقناع الشباب خاصة الجانب السني منهم، بالتطوع ضمن قوات الحشد الشعبي التي تهيمن على الجيش العراقي، وبدلاً من أن تفكر الحكومة في حلول تنهي بها الأزمة، قرر أعضاء مجلس الدفاع ومجلس الوزراء طرح قانون حدد لمناقشته منتصف يونيو المقبل، يقضي بفرض التجنيد الإجباري على الشباب ممن في سن التجنيد أو تجاوزه بـ 7 سنوات ، ما يعني مرحلة الشباب ككل.
من المعروف أن قانون الخدمة الإلزامية كان قد تم تعليقه عام 2003 بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، وتم حل الجيش العراقي بقرار من الحاكم المدني الأمريكي وقتها “بول بريمر”، بعد أن كان قانونًا معمول به منذ العام 1935.
ردًا على القانون، وخوفًا من تفريغ الجانب السني بالعراق المشتعلة من قوته الشبابية، وانخراطهم في صفوف قوات الحشد الشعبي، التي لا تفرق في حربها ضد داعش بين المنتمين للتنظيم الإرهابي، وأي سني بالمناطق التي تجتاحها، بدأ العديد من الشباب العراقي في التفكير في الهروب من البلاد لأي وجهة خارجية.
الحاضنة الإيرانية
المشكلة هنا في أن الحدود مع تركيا مغلقة تمامًا، ويحتاج العراقيون لتأشيرات صعبة المنال لدخولها، وليست أمام الشباب الراغب في الهجرة سوى إيران الشيعية، ما يطرح تساؤل هام حول كيفية تعاطيها مع من يصلها من شباب السنة، والعقبات والمواءمات التي يمكنها فرضها عليهم، وتساءل آخرون هل سيشمل التجنيد الإلزامي أبناء المراجع والمرجعية العليا؟ هل سيشمل خطباء المنابر وأولادهم؟ هل سيشمل أبناء الأحزاب الإسلامية؟ وهل ستتوفر الآلية اللازمة لضمان تطبيقها بعدالة على الجميع؟
نقطة خطيرة أخرى يراها عدد من المحللين في القرار، وهو أن الإصرار على تجنيد الشباب إجباريًا، يعني الدفع بالآلاف منهم مكرهين إلى جبهات القتال، في مناطق سنية معظمها، ما يعني أن أزمة الطائفية بالبلاد في طريقها للاشتعال، بل وستتضاعف أعداد الشباب الذين يقتلون كل يوم جراء المعارك أو التفجيرات، مما يعمق مأساة المجتمع العراقي ككل، وستقود الفكرة إلى العودة إلى المناطقية وتشكيل قوات محلية، وسيكون من شبه المستحيل وجود جندي من الموصل في البصرة، أو ضابط وجندي من البصرة في فرقة الموصل، وهو ما يعني التأسيس للتمرد والانقسام.
عسكرة المجتمع
رأي آخر يتعمق في قراءة تداعيات وأسباب القرار، على أنه محاولة لإجهاض مشروع الحرس الوطني للأقاليم السُنية خصوصًا إقليم الأنبار، ومحاولة حصر حمل سلاح شباب السنة في الجيش العراقي القابع تحت تأثير الميلشيات التابعة لأحزاب في السلطة، بمعنى تجريد المكون السني من أي قوة بالمستقبل، والزيادة في تهميشهم، وسيكون تجنيد أبنائهم في الجيش إلزاميًا دعمًا للحشد الشعبي وميليشياته، ولن يلغي ذلك عقيدة الجيش الحالية المشبّعة بالطائفية، وسيكون وجودهم صوريًا فقط، ورغم ذلك وافق على طرحه الأعضاء السنة بالبرلمان، كونهم لا يتقنون فن التفاوض ولا حتى استحصال حقوق جمهورهم.
على أرض الواقع يجب على المطالبين بالتجنيد الإجباري أن يعوا حقيقة الاختلافات الإثنية والطائفية التي تجذرت في العراق خلال السنوات التي تلت الاحتلال الأمريكي، وبات من الصعوبة بمكان أن يلبي الكردي والعربي السني والمسيحي الخدمة العسكرية الإلزامية، فالأول يفضل الخدمة في البيشمركة، والثاني في الفصائل السنية المسلحة التي تخوض حرب جبهوية ضد النظام الحالي في العراق، والتركمان والمسيحيين كذلك، خصوصًا وأن التجربة المريرة للتجنيد الإجباري للشباب إبان الحرب الإيرانية والكويتية في عقدي الثمانينات والتسعينات مازالت عالقة في الأذهان لدى جميع العراقيين، بعد أن أمضوا سنواتهم في الجيش، وقد خرجوا منه ولم يجدوا أية فرص للعيش بكرامة وبلا مستقبل، وهي نفس الحالة الآن في ظل الحرب مع داعش ومثيلاتها بالبلاد.
شد وجذب
مؤيدو الفكرة يرون أنها ستحل مشاكل عديدة أهمها إبعاد العراقيين عن الطائفية، ودمج المجتمع وغرس روح المسؤولية والروح الوطنية لدى الشباب، وجعلهم يشعرون بأنهم أبناء بلد واحد، ويقضي على حالة المحاصصة والتمايز الطائفي الموجودة في القوات المسلحة العراقية الآن، فيما يرى المعارضون أن العراق الآن لا يحتاج لحشود عسكرية، بقدر ما يحتاج إلى علماء وطاقات مخلصة تبنيه، وترفع من مستوى معيشة البشر فيه، وسياسيون يتجاوزون نظرتهم الطائفية والمحاصصية، وتقوية الروح الوطنية لدى المواطن تكون بتوفير المساواة والعدالة الاجتماعية، ومنح الحقوق كاملة للعراقيين، بما فيها تلبية مطالب الكرد والسنة والمكونات الاجتماعية الأخرى.
أصحاب الرأي الرافض للقانون يرون أن التجنيد الإلزامي يعني عودة عسكرة المجتمع، وإعادة الوضع الأليم الذي عاشه العراقيون خلال فترة الثمانينات والتسعينات، ومشكلة الأمن ليست في العدد بقدر ما هي في المنظومة العسكرية التي تخترقها المليشيات التي فرضها نوري المالكي سابقًا.
الإرجاع القسري
الرافضون كذلك أبدوا مخاوفهم من استغلال إيران للموقف وتغييب ما يصلها من الشباب السنة بسجونها، واستبدال هوياتهم مع عناصر مسلحة تابعة لها، تعيدها للمناطق السنية للعمل بداخلها سواء بنسق استخباراتي أو عسكري لتفريغها وإثارة الأزمات بها، تحت مسمى “الإرجاع القسري”.