الفانتازيا هي نوع من الأدب يستخدم السحر والخيال والأشياء الخارقة للطبيعة كعنصر أساسي للحبكة أو بناء تُبنى عليه الرواية، وتعتبر الفانتازيا قديمة قدم البشر ذاتهم، فقد امتلأت حكايات الشعوب البدائية وأساطيرهم بالخيال والسحر والصراع بين الآلهة والبشر، أو الصراع بين البشر والأجناس الخيالية الأخرى كالتنانين والغيلان وغيرهم، ولعل من أشهر الكتابات الشعبية القديمة في الفانتازيا هي حكايات ألف ليلة وليلة التي تعد جامعة لأساطير عدة شعوب شرقية، سواء عربية أو هندية أو فارسية.
أما مصطلح الفانتازيا فيطلق حاليًا على الفانتازيا الحديثة والتي بدأت مع كتابات عديدة مثل “الأميرة والجوبلِن” لجورج مكدونالد و”ملك النهر الذهبي” لجون روسكِن.
وقد شهدت الفانتازيا ازدهارًا كبيرًا في العصر الحديث، وخاصة مع ملحمة تولكين الغنية عن التعريف “سيد الخواتم” والتي تحولت في العقد السابق إلى فيلم سينمائي حقق نجاحًا كبيرًا، وبالرغم من أن تولكن له جمهور عريض يعده أبا الفانتازيا الحديثة، إلا أن هناك روايات عديدة مكتملة تنتمي إلى الفانتازيا تم نشرها قبل أن يولد تولكن وأثناء حياته، واعترف تولكين بتأثره بها ومنها رواية “ابنة ملك الجن (1) “للمؤلف البريطاني لورد دُنساني، ورواية “التنين أوروبُروس” للكاتب إيرك إديسون وغيرهما.
السيف المكسور وسيد الخواتم
ومع شهرة سيد الخواتم لجأ العديد من الشباب إلى الإقبال على قراءة وكتابة الفانتازيا، ولكنهم بدلًا من أن يرجعوا إلى المصادر الرئيسية التي أخذ عنها تولكين ويستلهمون منها فقد لجأوا إلى تقليد ومحاكاة تولكين فأتت أعمالهم سطحية بها بعض الجن وبعض السحر بدون عمق حقيقي أو حبكة حقيقية أكثر من محاولة محاكاة تولكين.
ويعود ذلك لظنهم أن تولكن هو مؤسس الفانتازيا، كما أن الكثير من الأعمال التي كُتبت قبل تولكن في مجال الفانتازيا اختفت تحت ظلال شهرة سلسلة سيد الخواتم، ومن الروايات التي اختفت تحت ظلال شهرة تولكين رواية “السيف المكسور” للكاتب الأمريكي ذي الأصول الدنماركية بول أندرسن، ويعد هذا الكتاب من الملاحم الفانتازية المغمورة، فقد صدر هذا الكتاب في السنة ذاتها لصدور “صحبة الخاتم” الجزء الأول من “سيد الخواتم”، ولكنه على عكس الكثير من الملاحم الفانتازيا الحديثة التي تستقي كل شيء من تولكين؛ فإن بول أندرسن – بحكم أصوله الدنماركية – يستقي عناصر ملحمته من الأساطير الشمالية التي استقى منها تولكين؛ وهذا أدى إلى وجود العديد من التشابهات بين الملحمتين؛ مثل وجود الجن طوال القامة والأقزام (2) الذين يعيشون بالأعماق، وحتى التشابه بين بعض الأسماء مثل القزم ديرين عند بول أندرسن الذي يشبه في اسمه دورين عند تولكين وكليهما يرجع إلى اسم أحد الأقزام في الأساطير الشمالية، بل وحتى السيف المكسور الذي يشير إليه عنوان الكتاب يوجد أيضًا في سيد الخواتم حيث إنه السيف الذي قام أراجورن بإصلاحه واستخدامه في المعركة الأخيرة وهذا السيف المكسور هو جزء من الأساطير الشمالية.
وفي الوقت الذي نجد فيه أن تولكين قد أخذ الأساطير الشمالية وأعاد صياغتها وحبكها ليخلق عالمه الخاص، فإن رواية أندرسُن تقع في عوالم الأساطير الشمالية نفسها، فهناك ألفهيم أرض الإيلف أو الجن وترولهيم أرض الترول ويوتنهيم أرض العمالقة الزرق وأزجارد أرض الآلهة وبالطبع ميدجارد أرض البشر والتي تعني بالمناسبة “الأرض الوسطى” وهو الاسم الذي تم ذكره أيضًا في ملحمة بيوولف التي ترجمها تولكين وهو الاسم الذي استوحى منه بعد ذلك أرض ملحمته.
كما أننا نجد في رواية أندرسُن ذكر لبعض الآلهة الشمالية القديمة مثل أودين وثور وتير وأيضًا ذكر لوكي وإشارة إلى راجناروك أو معركة نهاية العالم كما في الاساطير الشمالية، فهكذا استغل أندرسُن العالم الثري الموجود بالفعل ونسج على نوله روايته الخاصة.
هذا بالنسبة للعالم، فماذا عن الشخصيات والأحداث؟
في حين أن تولكين يتفوق بلا منازع في بناء العالم وتفاصيله، إلا أن أندرسُن استطاع رسم شخصيات أكثر عمقًا وتشويقًا، حيث لا يوجد هنا خير مطلق أو شر مطلق، فهناك الكثير من المناطق الرمادية في شخصيات الرواية، حتى بطل الرواية سكالفوك يسقط في ظلامه الخاص، وأيضًا هناك شخصية فالجارد البطل الآخر الذي يثير سؤالاً وجوديًا وهو هل يولد الإنسان بطبيعة خيرة أو شريرة أم يقوم هو بتحديد مصيره الخاص؟ كما أن أندرسُن خلق أكثر قصة حب معقدة ومؤثرة من بين كل قصص الحب التي قرأتها طوال حياتي، فلا يوجد شخصية سطحية أو نمطية وكل شخصية تتحرك بدافع وبهدف خاص بها.
القصة أيضًا ليست مثل الشاير عند تولكين أو نارنيا عند لويس تلك الأراضي الخضراء المرحة التي تشعرك بالدفء، بل هو عالم قاسي بارد، يقع تحت مطرقة الحرب، القصة أيضًا ناضجة فهناك الكثير من المشاهد المؤلمة وهناك الكثير من القتل، ومع ذلك فإن كل شخصية تموت في هذه الرواية تخدم الحبكة ولا تخلق الفوضى بل تدفع الرواية وحبكتها للأمام.
فالملامح الفانتازية ليست حديثة العهد كما يظن البعض ولم تبدأ في الظهور مع تولكين، بل سبقه وعاصره العديد من الكتاب الناضجين والمتمكنين من قلمهم، وهذا لا يعني التقليل من تولكين أو عمله، فهو قد قام بتحقيق تحفة فنية ليس لها مثيل، بل السعي لتقليد تولكين لا في قصصه ولكن في المجهود الذي بذله لبناء أعماله، والعودة إلى المنابع الأصلية للفانتازيا من أساطير وحكايات شعبية وملاحم قديمة، ولو فعل الشباب ذلك لرأينا أعمال فانتازية عظيمة تعود للظهور على الساحة مجددًا.