المقابلات التي أجراها ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مع الصحف والوكالات، أثارت عاصفة من التساؤلات حول مصير شركة أرامكو السعودية التي تحتل مكانة هامة حول العالم، حيث ذكر الأمير في مقابلة مع مجلة الإيكونوميست البريطانية في 4 يناير/ كانون الثاني في العام الجاري، أن المملكة تنوي عمل إجراءات جديدة منها طرح جزء من أسهم شركة أرامكو الوطنية في الأسوق العالمية وفرض ضريبة القيمة المضافة في سبيل تخفيف العبء على الميزانية العامة التي تعتمد على إيرادات النفط بشكل كبير، ولحقها مقابلة أخرى أجراها الأمير مع موقع بلومبيرغ الإخباري كشف فيها نية المملكة إنشاء صندوق استثماري بقيمة 2 ترليون دولار ورفع نسبة الاستثمارات العالمية من 5% إلى 50% حتى عام 2020 لنفس الهدف.
وقد تأكد ذلك بعدما أعلنت الشركة في بيان أنها تجري دراسة طرح “نسبة ملائمة” من أسهمها في أسواق المال العالمية، تبعها بعد ذلك تصريح من رئيسها التنفيذي بعزم الحكومة السعودية مبدئيًا على الأقل الاحتفاظ بحصة مسيطرة من الأسهم.
ما هي أرامكو؟
في عام 1933 أبرمت المملكة العربية السعودية اتفاقية امتياز للتنقيب عن النفط مع شركة “سوكال” الأمريكية، التي قامت بتأسيس شركة لها في السعودية باسم “كاسوك” لتنفيذ ما جاء في الاتفاقية، ومُنحت الشركة حق امتياز 60 عامًا للتنقيب وإنتاج وإدارة وتسويق النفط والغاز الطبيعي والمعادن على مساحة 360 ألف ميل مربع في المملكة أي ما يعادل نصف مساحتها.
وفي العام 1939 تم تمديد الامتياز لمدة غير محددة ووسعت مساحة الامتياز لتشمل تقريبًا معظم الأقاليم البرية والبحرية الخاضعة للسيادة السعودية باستثناء أجزاء محيطة بمكة والمدينة.
وقد تم اكتشاف النفط بكميات كبيرة في نهاية الثلاثينات وانضم إلى سوكال – المعروفة حاليًا باسم شيفرون – ثلاث شركات أمريكية أخرى فيما بعد هي: “تكساكو” و”إكسون” و”موبيل”، وفي عام 1948 جرى تغيير اسم كاسوك العاملة في الأراضي السعودية إلى “شركة الزيت العربية الأمريكية” وهي الأحرف الأولى للكلمة اللاتينية أرامكو ARAMCO.
حسب اتفاق الامتياز الموقع بين البلدين كانت المملكة تحصل على أجور سنوية و15% من الأرباح وصلت تدريجيًا إلى 50% في بداية السبعينات، وفي العام 1972 بدأت المملكة بتأميم الشركة على إثر ضغوط عمليات التأميم التي حدثت في عدد من الدول العربية آنذاك، وبعد مفاوضات طويلة دامت قرابة أربع سنوات تم توقيع اتفاقية 1976 تعطي السعودية ملكية كاملة على الشركة خلال الأربع سنوات اللاحقة، وفي العام 1980 أعلنت المملكة بالفعل أنها استكملت شراء أصول شركة أرامكو بنسبة 100%.
أصبحت الشركة منذ ذلك الوقت تسمى “الشركة الوطنية للبترول في المملكة العربية السعودية أرامكو”، وصدر أمر ملكي في عام 1988 أُعلن فيه الاسم الجديد للشركة “أرامكو السعودية”، علمًا أن الشكوك لا تزال إلى الآن تدور حول ملكية الشركة إذ تدعي أن الشركة الأمريكية لا تزال تحتفظ بجزء من أسهم الشركة.
ما هو حجم إنتاج شركة أرامكو؟
في يناير 2015 نشر تقرير حول أكبر 10 شركات للنفط ومكثفات الغاز في العالم وجاءت شركة أرامكو التي يقع مقرها في الظهران، الأولى عالميًا بإنتاج يقدر بـ 12 مليون برميل يوميًا وهي الطاقة القصوى للإنتاج، وعدد موظفين يقدر بـ 56 ألف موظف ولو تم حساب الشركات التي تتم التعاقد معها من أجل الحفر والتنقيب فسيصل عدد الموظفين إلى قرابة 300 ألف موظف.
جاء في المراكز الأخرى شركات أمريكية وصينية وأوروبية واحتلت الشركة الكويتيتة المركز العاشر، فيما حلت الشركة الروسية غاز بروم في المركز الثاني بحجم إنتاج 8.1 مليون برميل يوميًا يقع مقرها في موسكو وتأسست عام 1989 ويعمل بها قرابة 393 ألف موظف.
هل ستتأثر أرامكو والعاملون بها؟
بحسب المرسوم الملكي الصادر عام 1988 فإن الشركة وطنية وتعود ملكية أصولها للحكومة السعودية بنسبة 100%، حيث تعمل الحكومة على إدارة التنقيب والحفر والإنتاج والتكرير والتوزيع، وتعود أرباحها بشكل كامل لخزينة الدولة وقرار مجلس الإدارة هو قرار وطني بالدرجة الأولى، وبيع أسهم الشركة للمستثمرين الأجانب سيدخل إلى المملكة أموال كثيرة، فالكل سيتهافت على شراء الأسهم، صناديق استثمارية ومؤسسات مالية وبنوك وشركات، فأرامكو لا تقيم فقط على أصولها بل أيضًا في الحقول النفطية التي تعمل بها والتي تعوم على بحر من النفط والغاز يقدر باحتياطيات ضخمة، بالإضافة إلى أن تكلفة الاستخراج منخفضة جدًا. وسيؤدي البيع أيضًا إلى تنوع مجلس الإدارة الذي سيغير من قواعده وهو ما يعود بالربح على حامل الأسهم، لذلك أول ما سيواجهه الموظفون هو استراتيجية جديدة في العمل قد يتم فيها رفع سعر البترول إلا إذا أبقت الحكومة السعودية الدعم قائم بدفع المبالغ المستحقة من الخزينة، والأمرالثاني أن مواجهة الأزمات بعد هذا سيفضي لقرارات تقشفية على الشركة من قبيل التخلي عن مناصب وظيفية وفصل موظفين وإلغاء مشاريع ورفع سعر المنتجات وأمور أخرى لتخفيض التكاليف المترتبة على الأعمال.
ماذا ستستفيد المملكة من هذا الإجراء؟
المملكة تواجه في هذا الوقت عوز مالي كبير بسبب متطلبات النمو والحرب التي تشنها على عدة جبهات، وبعد انخفاض أسعار النفط إلى مستويات متدنية جدًا، بدأت المملكة تفكر بتنويع مصادر دخلها وتخفيف الاعتماد على إيرادات النفط وحتى لا تتأثر عملية النمو الحاصلة في المملكة، ظهر فكر الأمير محمد بن سلمان في هذه المرحلة وفق أمرين: الأول، أن ترفع المملكة نسبة الاستثمارات العالمية من 5% إلى 50% وبهذا تقي نفسها خطر انخفاض إيرادات النفط بتعويضها بإيرادات الاستثمارات العالمية المتنوعة، وثانيًا، جذب أموال أجنبية للمملكة لتمويل المشاريع والاستثمارات بتشجيع القطاع الخاص على المشاركة في عملية النمو أكثر في المملكة بما يسمى “الرافعة المالية”؛ وبهذا تخفف المملكة السحب من احتياطيتها الأجنبية، وتعد شركة الصناعات الكهربائية السعودية مثال حي على ذلك حيث تم طرح 30% من أسهم الشركة في البورصة السعودية واستثمرت فيها شركات وبنوك أجنبية من شتى أنحاء العالم.
هل الخصخصة قرار صحيح في الوقت الحالي؟
المملكة تعاني من مشاكل كثيرة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، ولم تستطع خلال الفترة الماضية تطوير نموذج خاص بها لإدارة إيرادات النفط بما يعود بالفائدة على المواطنين من خلال خلق وظائف أكثر وتخفيض نسبة الفقر والمضي قدمًا في مسيرة التنمية المستدامة، وفي ظل مصاريف المملكة العالية الآن ربما لم يعد لديها سوى هذا الخيار.
ثم إن المملكة بالنسبة لغيرها من الدول تعتبر متأخرة؛ فدبي بنت اقتصادها من خلال جذب رأس المال الأجنبي وبناء المؤسسات والشركات بفضل تلك الأموال التي أدراها القطاع الخاص.