جاء اعتراف الحكومة المصرية المدوِّي، بأن جزيرتَيْ تيران وصنافير، اللتين تضمنهما الاتفاق المصري – السعودي الأخير لترسيم الحدود البحرية بين البلدين؛ لكي يضع على المحك السياسي والإعلامي والقانوني، واحدة من أهم قضايا الأمن القومي بالنسبة لأي بلد، وهي السيادة على ترابها الوطني.
الإعلان الحكومي الذي جاء خلال زيارة العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، إلى مصر، وقدم فيها حزمة مساعدات اقتصادية جديدة إلى مصر، من بينها مجموعة من الأمر التي تُعتبر من صميم عملية إسناد النظام المصري الحالي، في مواجهة سلسلة من الأزمات والإخفاقات في المجال الاقتصادي.
اهتم الإعلام المصري في الترويج لاتفاق ترسيم الحدود البحرية الجديد بين مصر والسعودية بالترويج لـ”لإنجازات التاريخية” المتحققة خلال زيارة الملك سلمان، وخصوصًا فيما يتعلق بمشروع الجسر البري الذي سيربط بين مصر والسعودية، عبر الجزيرتَيْن، وتصوير الأمر على أن مسألة الجزيرتَيْن سوف يتم تحويلها إلى نموذج على التكامل والتضامن الاقتصادي والاجتماعي العربي.
مبدئيًّا مجلس الوزراء المصري، صرح بأنه سوف يتم – بموجب الدستور – عرض الاتفاقية على البرلمان للنظر فيها، ولكن البيان الصادر عن المجلس؛ اجتزأ الأمر؛ حيث إن المادة (151) من الدستور الحالي في مصر، تنص على أنه:
“يمثل رئيس الجمهورية الدولة في علاقاتها الخارجية، ويبرم المعاهدات، ويصدق عليها بعد موافقة مجلس النواب، وتكون لها قوة القانون بعد نشرها وفقًا لأحكام الدستور، ويجب دعوة الناخبين للاستفتاء على معاهدات الصلح والتحالف وما يتعلق بحقوق السيادة، ولا يتم التصديق عليها إلا بعد إعلان نتيجة الاستفتاء بالموافقة، وفي جميع الأحوال لا يجوز إبرام أية معاهدة تخالف أحكام الدستور، أو يترتب عليها التنازل عن أي جزء من إقليم الدولة”.
ويعني ذلك أن موافقة البرلمان، سوف تكون خطوة أولى، يجب بعدها عرض الأمر على استفتاء شعبي عام، لأن الأمر يتعلق بعمل من أعمال السيادة؛ حتى لو زعمت الحكومة أن الجزيرتين ليستا في الأصل، جزءًا من إقليم الدولة، وأن التاريخ القريب الواضح، يقول بأن الملك السعودي الراحل، فيصل بن عبد العزيز آل سعود، قد قام بتأجيرهما لمصر.
فالأمر في النهاية، يتعلق بشكل لا لبس فيه بعمل من أعمال السيادة، وبالتالي؛ فإنه يجب عرضه على استفتاء شعبي عام، ولو رفض الشعب هذه الاتفاقية؛ فإن حتى موافقة البرلمان عليها؛ لن يكون لها أية قيمة، وسيكون من الواجب إلغاء الاتفاقية، وتصبح أية نتيجة تترتب عليها هي والعدم سواء، بحسب تعبير القانونيين.
اعتراضات لها وجاهتها
مبدئيًّا، وقبل طرح التطور التاريخي لتبعية صنافير وتيران لمصر؛ فإن اعتراض الغالبية من المصريين الذين رأوا في الاتفاقية افتئاتًا على حقوق السيادة المصرية، لا يعود فقط لبواعث وأدلة قانونية أو تاريخية، وإنما يعود الأمر لديهم إلى الصورة التي تم بها، والتي لم تراعي، من وجهة نظرهم اعتبارات وزن مصر وتاريخها.
كما يشيرون إلى أن الموقف قد دُبِّر بليلٍ؛ حيث إن مجلس الوزراء المصري قال في بيانه المتقدم، يوم التاسع من أبريل، إن الاعتراف بسعودية الجزيرتَيْن جاء كنتيجة لـ11 جلسة تفاوض بين الجانبين، وهو ما لم يتطرق إليه الإعلام المصري إطلاقًا، لا في الإعلام القومي ولا في الصحف المعارضة.
الأمر اللافت أن إسرار – من السرية – الحكومة المصرية لأمر هذه المفاوضات، وتطوراتها، لا يتعلق بأمر يخص الأمن القومي أو الموقف الحربي للبلاد، فالجزيرتَيْن من الأصل ليست في حوزة لا مصر ولا السعودية بالكامل؛ حيث إنهما وبموجب البروتوكول العسكري لاتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية، تقعان تحت سيطرة قوات حفظ السلام الدولية.
إذًا؛ فهذا الإسرار في هذا الأمر من جانب الحكومة المصرية؛ يتعلق بتأكد صانع القرار في مصر أنه لا يقوم بشيء سليم أو مقبول من الناس، ويدلل على ذلك أن مختلف الجلسات الخاصة بمجلس التنسيق المصري – السعودي، وتفاصيل الاتفاقيات التي سوف يوقعها الملك سلمان عند زيارته لمصر؛ كان هناك شفافية كاملة فيها في إعلام البلدَيْن، عدا ما يتعلق باتفاق ترسيم الحدود، وموضوع الجسر البري.
ويرى هؤلاء أن ما تم إنما هو “استغلال من جانب السعودية لضعف النظام القائم في مصر، وسفهه وتعطشه للمال أو للشرعية، للحصول على ميزات منه على حساب الدولة المصرية وترابها وسيادتها وحقوق شعبها”، بحسب بيان صدر عن عدد من السياسيين المصريين المعارضين للنظام، ومن بينهم ثروت نافع، وسيف عبد الفتاح، وعبد الرحمن يوسف، وحاتم عزام، وعمرو دراج، وطارق الزمر، وأيمن نور، وإيهاب شيحة ويحي حامد، ومحمد محسوب.
ورأى كثيرون من غير المعارضين للاتفاقية والاعتراف المصري بـ”سعودية الجزيرتَيْن”، أن السياق الذي تم فيه الأمر، لم يراعي اعتبارات الكرامة المصرية، لمجرد حسابات خاصة بالنظام، أو الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، من دون وضع الشعب في الصورة.
وهو ما عبر عنه ببساطة، الدكتور محمد نور فرحات، أستاذ القانون بجامعة الزقازيق والفقيه الدستوري والقانوني المصري المعروف، في تصريحات لصحيفة “الشروق”، بتاريخ 10 أبريل، عندما طالب الدولة بالكشف عن الوثائق والخرائط التي تثبت أحقية المملكة العربية السعودية في الجزيرتَيْن؛ قائلاً: “هذا حق الشعب على الحكومة والرئيس”.
التسلسل التاريخي للموضوع
بحسب الخُطَط للمقريزي؛ فإن الجزيرتَيْن تقعان في نطاق إقليم الحجاز، وفي وقت المقريزي (وُلد وعاش في القاهرة، في الفترة ما بين العام 1364م، والعام 1442م)؛ فإن الجزيرتَيْن كانتا تتبعان إقليم الحجاز، والذي كان في ذلك الوقت، يتبع مصر، ولذلك كان تقليد “المَحْمَل” الشهير، الذي كان يخرج من مصر، إلى الحرمَيْن لإطعام الحجيج، والذي توقف في مطلع القرن العشرين، والتكية المصرية هناك كانت شاهدة على ذلك، قبل أن يهدمها آل سعود ضمن توسعات الحرم الأخيرة.
وبالتالي؛ فإنه الأصوب تاريخيًّا القول بأن السيادة على الجزيرتَيْن، بحسب تبعية إقليم الحجاز السياسية، أي أنهما الآن من المفترض أن تكونا في حوزة المملكة.
وفي موسوعته المهمة، “تاريخ سيناء القديم والحديث وجغرافيتها، مع خلاصة تاريخ مصر والشام والعراق وجزيرة العرب”، يقول المؤرخ والدبلوماسي المصري، نعوم بك شقير، الذي كان سكرتير اللجنة المشاركة في ترسيم الحدود بعد أزمة طابا بين الدولة العثمانية وبريطانيا التي كانت تحتل مصر في ذلك الوقت، عام 1906م، إن جزيرة “فرعون”، التي تبعد عن “بر سينا” كما يطلق على الكتلة الصلبة لشبه جزيرة سيناء، بحوالي 250 مترًا، هي ضمن “بر سينا” أو “بر سيناء”.
ولكنه لم يتكلم عن جزيرتَيْ “تيران” و”صنافير” سوى أن قال إنهما “قفر بلقع”، بينما هو يسرد عدد الجزر الواقعة في خليج العقبة؛ حيث قال إن هناك ثلاثة جزر، هي: تيران وسنافر أو صنافر أو صنافير كما هو الحال الآن، وذكر أن كلتيهما “قفر بلقع”، ثم أشار إلى أن جزيرة فرعون “جزء من بر سينا”.
ولعل أهم ما قيل في صدد الجوانب التاريخية للموضوع، هو ما قاله المقريزي في خططه، لما أشار إلى تبعية الجزيرتَيْن إلى إقليم الحجاز، لسبب تاريخي مهم، وهو أن المملكة العربية السعودية كدولة ذات سيادة وحدود، لم تتأسس سوى في العام 1932م، وكانت من قبل تسمى “مملكة نجد والحجاز وملحقاتها”، وتم ضم الحجاز بالأماكن الحرام فيه في منتصف العشرينيات من القرن الماضي، وهو أمر سوف نعود إليه تفصيلاً فيما بعد.
أي أن القول بأحقية تاريخية ما لـ”الدولة السعودية” في الجزيرتَيْن أمر غير دقيق بالمعنى القانوني والسياسي والتاريخي.
الدقيق هو أن ترسيم حدود مصر البحرية في تلك المنطقة، تم في العام 1906م، عندما تم التوقيع على الاتفاقية المعروفة باتفاقية العام 1906م، بين مصر (أو بمعنىً أدق دولة الاحتلال البريطاني في ذلك الحين ممثلة عنها)، وبين الدولة العثمانية، وهي كانت في ذلك الحين دولة قائمة سياسيًّا وقانونيًّا، ولها إقليم معترف بسيادتها عليه دوليًّا، بعد أزمة طابا الأولى؛ حيث تم وضع خط الحدود بين مصر وإقليم فلسطين في ذلك الوقت، شرق طابا، وغرب أم الرشراش التي تحولت إلى إيلات بعد نكبة العام 1948م، وفي الشمال كان قطاع غزة ضمن الأراضي المصرية.
قصة اتفاقية 1906م ومملكة نجد والحجاز وملحقاتها
تعود هذه الاتفاقية في خلفيتها إلى العام 1840م، عندما اجتمعت الدول الكبرى في ذلك الحين، على وقف توسع محمد علي باشا الكبير في الإقليم، وتم تحديد حدود الدولة المصرية في مصر بحدودها الحالية، بالإضافة إلى جزء من السودان، وجزء من إقليم برقة (في ليبيا حاليًا)، وإقليم الحجاز بالكامل حتى جنوب شبه الجزيرة العربية، وبلاد الشام، حتى شمال سوريا، بما في ذلك فلسطين والأردن ولبنان الحالية، بالإضافة إلى قبرص، على النحو الذي تبينه الخريطة.
وظل هذا الوضع قائمًا حتى الاحتلال البريطاني لمصر؛ حيث أصبحت حدود مصر، بحكم الأمر الواقع، تشمل مصر والسودان بالكامل، فقط، بعد احتلال بريطانيا، لكامل السودان، بعد حادثة فاشودة الشهيرة، عام 1898م، والتي انتهت بهزيمة فرنسية أمام بريطانيا، سيطرت بموجبها الأخيرة على السودان.
وفي العام 1906م، أثارت الدولة العثمانية أزمة بشأن حدود مصر الشرقية؛ حيث أرادت سلخ العقبة (في الأردن حاليًا) وأم الرشراش (إيلات حاليًا) رغم أنهما ضمن الأراضي المصرية بموجب اتفاقية العام 1840م.
وبموجب موافقة شعبية ضمنية، تخوفًا من المصريين من أن تستغل بريطانيا الموقف لاحتلال فلسطين والحجاز، استولى الجيش العثماني على العقبة وطابا، وسط أزمة مع بريطانيا، أفضت إلى أن يوافق الطرفان على تواجد قوة مصرية في طابا، باعتبار أن مصر في الأساس جزء من الدولة العثمانية، حتى بموجب اتفاقية 1840م، والتي منحت مصر ومحمد علي ونسله وضعية سياسية خاصة، ولكن في إطار السيادة العثمانية.
ولما استمرت الدولة العثمانية في إثارة أزمات في هذه المنطقة، تم إبرام اتفاقية العام 1906م، بين مصر (ممثلة في بريطانيا)، وبين الدولة العثمانية، وتم فيها تسوية مسألة الحدود الشرقية لمصر، وهي أساس الحدود الرسمية بين مصر وفلسطين المحتلة إلى الآن.
بموجب هذه الاتفاقية؛ فإن “تيران” و”صنافير” و”أم الرشراش”، دخلتا نطاق السيادة المصرية، فيما تم فصل العقبة والساحل الآسيوي لخليج العقبة عن السيادة المصرية.
في تلك الفترة التاريخية، وقبل اتفاقية “سايكس – بيكو”، 1916م؛ فإنه لم يكن هناك أية كيانات باسم: الأردن، أو حتى إمارة شرق الأردن، أو السعودية، أو المملكة العربية السعودية.
ولم يصدر أي موقف عما كان يُعرف وقتها بـ”إمارة جبل شمر”، أي تعقيب على الأمر، باعتبار أن حدودهم تقف عند الحدود الشرقية لإقليم الحجاز.
واستمر هذا الوضع خلال السنوات التالية، مرورًا بالحرب العالمية الأولى، والتي أعلنت فيها بريطانيا الحماية على مصر، في بدايتها، عام 1914م، ثم احتلت فلسطين في نهايتها، عام 1918م، مرورًا باتفاقية “سايكس – بيكو”، عام 1916م، التي قسَّمت المشرق العربي ومصر إلى مناطق نفوذ بين روسيا وفرنسا وبريطانيا، ولم تلبث روسيا أن تركت مجالها الحيوي فيها، بعد الثورة البلشفية عام 1917م.
حتى هذه المرحلة، وبالرغم من ظهور كيانات جديدة مثل إمارة شرق الأردن، ومساعي الشريف حسين لتأسيس دولة عربية كبرى في نجد والحجاز، لم يكن هناك أي خلاف بين مصر وبين حُكَّام شبه الجزيرة العربية، على الجزيرتَيْن.
نصل إلى نقطة الافتراق، وهي عام 1926م، عندما ظهر كيان جديد باسم “مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها”، بعد أن قامت سلطنة نجد وملحقاتها التي أسسها عبد العزيز آل سعود، بضم مملكة الحجاز أو إقليم الحجاز؛ حيث تم تنصيبه ملكًا على الحجاز، في الحرم المكي، يوم 8 يناير من العام 1926م، ثم غير مسمَّى الدولة الجديدة، يوم 29 يناير من العام 1927م، أعلن نفسه ملكاً على نجد أيضًا بدلاً من لقب السلطان، بعد معاهدة “جدة” بين مملكة نجد والحجاز وملحقاتها، وبين بريطانيا في العام 1927م، واعترفت فيها بريطانيا بعبد العزيز ملكًا على الكيان الجديد المسمى بـ”مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها”.
هنا نعود إلى ما قاله المقريزي؛ حيث إنه في خططه ذكر كلا الجزيرتَيْن أنهما تابعتان للحجاز، وبالتالي؛ فإن تبعيتهما أو السيادة عليهما، تكون لمن يتبعه الإقليم، والإقليم منذ العام 1926م، يخص “مملكة نجد والحجاز وملحقاتها”، قبل أن تصبح المملكة العربية السعودية، في العام 1932م.
هنا يمكن فهم لماذا جاءت المطالب السعودية التالية بالجزيرتَيْن؛ حيث استندت إلى هذه الحقيقة التاريخية، ولكن اتفاقية 1906م، وضعت الجزيرتَيْن في حيازة الإقليم المصري في حينه، وهنا بالفعل تبرز مفارقة أن كلا الطرفَيْن على حق في مطالبته بها.
ولكن وفق قواعد القانون الدولي؛ فإن الاتفاقية أقوى من الثوابت التاريخية، وبالتالي؛ فالجزيرتَيْن مصريتَيْن قانونًا، ولكنهما سعوديتان بحكم التاريخ!
ولذلك يمكن فهم لماذا يقول البعض بأن وثائق وخرائط موجودة في مكتبة الكونجرس الأمريكي، تضم الجزيرتَيْن إلى السعودية؛ فهي لا تشير إلى السعودية تحديدًا، وإنما تبعية الجزيرتَيْن لإقليم الحجاز، ولما انسلخ عن مصر بعد الاحتلال ثم الحماية، ثم تفكك الدولة العثمانية؛ صار تابعًا للدولة السعودية الجديدة.
عودٌ على بدءٍ
نعود إلى سياقنا التاريخي، ففي فبراير من العام 1949م، وقعت الحكومة المصرية اتفاقية “هدنة رودس”، مع الدولة العبرية، وتضمن خط الهدنة، يتضمن حدود اتفاقية العام 1906م، عدا قطاع غزة.
وفي العام 1950م، طالب الملك عبد العزيز آل سعود، بالجزيرتَيْن، وكانتا تحت الإدارة المصرية، ولكن مصر رفضت، ولم تتحرك السعودية لعدم وجود سلاح بحرية وقتها لديها، لحماية الجزيرتَيْن اللتَيْن وقعتا في منطقة حساسة خلال سنوات الحرب مع إسرائيل.
وفي العام 1951م، أعلنت الحكومة المصرية أن الجزيرتَىْن “جزر مصرية ولابد من إخطار مصر قبل العبور منها”، وذلك لأنها حظرت مرور السفن الإسرائيلية فيها، وظل هذا الوضع قائمًا حتى العام 1957م، عندما أدت أحداث العدوان الثلاثي إلى فتح خليج العقبة أمام الملاحة الإسرائيلية.
وهنا لابد من توضيح سريع لقضية الممرات الملاحية في خليج العقبة وموضع الجزيرتَيْن فيها، فالجزيرتان تصنعان معًا ثلاثة ممرات بحرية من وإلى خليج العقبة، الأول منها يقع بين ساحل سيناء وجزيرة “تيران”، ولكنه أقرب إلى ساحل سيناء، وهو الأصلح للملاحة ويبلغ عمقه 290 مترًا، ويسمى بممر “إنتربرايز”، والثانى يقع أيضًا بين ساحل سيناء وجزيرة “تيران”، ولكن أقرب إلى الجزيرة، ويسمى بممر “جرافتون”، ويبلغ عمقه 73 مترًا، في حين يقع الثالث بين جزيرتَيْ تيران وصنافير، ويبلغ عمقه 16 مترًا فقط، وهو غير صالح للملاحة بالإطلاق.
في العام 1954م، توجهت مصر إلى الأمم المتحدة بوثائق تتعلق باتفاقية العام 1906م، وما يثبت وجود قوات مصرية في “تيران” و”صنافير”، منذ الحرب العالمية الثانية.
احتلت إسرائيل الجزيرتَيْن “ضمن احتلالها لشبه سيناء” – وهو ملحظ مهم للغاية؛ حيث إنه في كل مرات احتلال إسرائيل لسيناء؛ كانت تحتل الجزيرتَيْن – في العدوان الثلاثي عام 1956م.
وفي مارس من العام 1957م، انسحبت إسرائيل “من سيناء وجزيرتَيْ “تيران” و”صنافير”” – نفس الملحظ السابق – بعد الاتفاق على وجود قوات حفظ سلام دولية فيها لضمان حرية الملاحة في مضيق تيران وخليج العقبة، وأقرت الأمم المتحدة بذلك ضمنًا بمصرية الجزيرتَيْن، ولكنها لم ترد على مذكرة سعودية اعترضت فيها الرياض على ذلك.
كرس هذا الوضع توقيع مصر على اتفاقية البحار، التي تلزم مصر بحرية الملاحة للسفن الإسرائيلية في خليج العقبة.
نفس الموقف تكرر في عدوان يونيو من العام 1967م، عندما أكملت إسرائيل في العاشر من يونيو 1967م، احتلال سيناء باحتلال جزيرتَيْ “تيران” و”صنافير”، وكما حدث بعد ترتيبات الدوان الثلاثي؛ فإن اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية الموقعة في 26 مارس 1979م، وضع الجزيرتَيْن في إطار المنطقة (ج) المنزوعة السلاح، كامتداد لسيناء، وبقيت فيها قوات حفظ سلام دولية.
في العام 1982م، وبعد استعادة مصر لكامل تراب سيناء عدا طابا، أصدر وزير الداخلية في ذلك الحين، اللواء حسن أبو باشا، قرارًا برقم 422 لسنة 1982م، بإنشاء نقطة شرطة مستديمة في جزيرة “تيران”، تتبع قسم شرطة سانت كاترين بمحافظة جنوب سيناء، ويشمل اختصاصها جزيرتَيْ “تيران” و”صنافير” (نص القرار من الجريدة الرسمية “الوقائع المصرية” في الصورة)
وفي العام 1983م، تم إعلان الجزيرتَيْن ومنطقة رأس محمد، الحد الجنوبي للخط الفاصل بين المنطقتَيْن (ب) و(ج) في البروتوكول العسكري لاتفاقية السلام، كمحميات طبيعية، تابعة للدولة المصرية.
وذات الوضع اعترف به تقرير الأمم المتحدة فيما يتعلق بقضية طابا، ولذلك لم تعقب مصر مباشرةً على خريطة رسمية سعودية، صدرت في العام 1989م، تظهِر الجزيرتَيْن ضمن الأراضي السعودية.
ولكن في العام 1990م، صدر القرار الجمهوري رقم (27) لسنة 1990م، بشأن خطوط الأساس لتعيين الحدود البحرية لمصر، وضعت الجزيرتَيْن في الحيازة المصرية.
………….
هذه هي باختصار قصة “تيران” و”صنافير”، فما تلا ذلك معروف في كل الأوساط، ففي العام 2010م، أصدرت المملكة مرسومًا لتحديد خطوط الأساس البحرية لها في البحر الأحمر وخليج العقبة، وفي الخليج العربي، تضمن السيادة على الجزيرتَيْن.
على الإثر قامت القاهرة بإصدار إعلان، وضعته لدى الأمم المتحدة، ذكرت فيه أن خطوط الأساس المذكورة في المرسوم الملكي الذي صدر عن الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود في ذلك الوقت، في المناطق المقابلة للساحل المصري، في مياه البحر الأحمر، شمال خط عرض 22 الذي يمثل الحدود الجنوبية لمصر، “لا يمس أو يغير في الموقف المصري في المباحثات الجارية مع الجانب السعودي لتعيين الحدود البحرية بين البلدَيْن”.
ومن حينه، بدأت جولات المفاوضات الـ11 “السرية أو الخفية”، التي تحدث عنها بيان مجلس الوزراء المصري، بين البلدَيْن، والتي أسفرت عن اعتراف القاهرة بتبعية الجزيرتَيْن للمملكة.
وتبقى الإشارة إلى أمرَيْن؛ الأول أن الرياض لن تغير الوضع القائم في الجزيرتَيْن؛ حيث إنه بموجب ما تسرب عن الاتفاق الجديد بين مصر والسعودية لترسيم الحدود البحرية؛ سوف تظل مصر تدير الجزيرتَيْن، نظير مليارَيْ دولار سنويًّا، وربع عائدات النفط والغاز في المناطق المتاخمة للجزيرتَيْن.
الثاني، هو أن الاتفاق لن يصبح نافذًا إلا بعد خطوة الاستفتاء الشعبي، وإلا أصبح الاتفاق غير دستوري كما تقدم، ويمكن الطعن فيه أمام القضاء الإداري، وهو مأزق ضخم لو أجادت المعارضة المصرية توجيه الاستفتاء؛ حيث إن رفض المصريين للاتفاق؛ يعني إسقاطه؛ فكيف سوف يكون الحال فيما يتعلق بمغانم غزوة الملك سلمان الأخيرة إلى مصر؟!.. الأيام وحدها هي التي سوف تجيب إجابة وافية عن هذا السؤال الضخم الذي يساوي عشرات الريالات السعودية!