بتحسن أحوال الطقس ودخول الربيع، وانسداد الطرق في وجه اللاجئين عبر طريق بحر إيجه واليونان بعد الاتفاق الأوروبي مع تركيا، تصبح الأنظار متجهة نحو جنوب المتوسط وسواحل إيطاليا.
أعاد إنقاذ آلاف المهاجرين القادمين من ليبيا خلال الأيام القليلة الماضية في البحر المتوسط إلى الأذهان شبح فتح جبهة جديدة من الهجرة غير الشرعية نحو أوروبا.
وقال الأميرال آلان كولديفي، مدير مجلة الدفاع الوطني في وقت سابق، إلى أن من الواضح أن الربيع سيحمل عددًا كبيرًا من المهاجرين على المجيء من ليبيا، وأوضح الأميرال “نشهد ابتداءً من الربيع محاولات للعبور تفوق محاولات الشتاء”، وأضاف “فيما نقوم بعقد اتفاق مع تركيا، ويشهد طريق الهجرة عبر اليونان صعوبات على الأرجح، ستكون الطريق الطبيعية والعادية للمهاجرين هي المرور عبر ليبيا، أن جنوب البحر المتوسط سيشهد تدفقًا مهمًا للمهاجرين، وسيستفيد تنظيم داعش من هذا الوضع بالتأكيد”.
وأنقذت سفن حربية أوروبية نهاية الشهر الماضي آلاف المهاجرين غير الشرعيين القادمين من سواحل ليبيا والقاصدين أوروبا، فيما تم انتشار العديد من الجثث، ويشكل تحسن الأحوال الجوية في البحر الأبيض المتوسط فرصة ملائمة نسبيًا للهجرة.
وذكرت مفوضية الأمم المتحدة للاجئين أن حوالى 12 ألف شخص وصلوا بحرًا إلى إيطاليا منذ بداية السنة، ويتحدر معظمهم من إفريقيا، مسجلاً بذلك ارتفاع عن عدد المهاجرين في نفس هذه الفترة من السنة الماضية، ففي الفترة نفسها أواخر آذار 2015، تمكن نحو عشرة آلاف مهاجر من العبور من ليبيا.
لذلك سجل عدد المهاجرين ارتفاعًا، لكنه ما زال غير ذي شأن، وعلى سبيل المقارنة، اجتاز اكثر من 143 ألف شخص بحر إيجه بين تركيا واليونان في الأشهر الثلاثة الأخيرة.
ويقول متابعون إن من شأن حدوث موجة هجرة جماعية من ليبيا أن يشكل كابوسًا جديدًا للمسؤولين الأوروبيين، يضاهي أزمة اللاجئين السوريين، وأشار وزير الدفاع الفرنسي جان – إيف لو دريان إلى الخطر الكبير لأن يعمد تنظيم داعش إلى تنظيم وصول مهاجرين إلى جزيرة لامبيدوزا الإيطالية من المناطق التي يسيطر عليها على الساحل الليبي.
وتقول أجهزة البحرية الأوروبية إن قسمًا كاملاً من الاقتصاد الليبي تحول نحو تهريب المهاجرين، وإن 50% من العائدات في بعض المناطق الساحلية يتأتى من عمليات الهجرة السرية.
وذكرت جريدة “ذا أوبزرفر” البريطانية أن ليبيا تحولت إلى منصة جديدة لانطلاق المهاجرين إلى أوروبا، عقب الاتفاق الذي وقعه الاتحاد الأوروبي مع تركيا، وتوقعت تدفقًا أكبر للمهاجرين إلى ليبيا خاصة مع تحسن أحوال الطقس في أشهر الصيف.
ولفتت الجريدة في تقرير لها نشر السبت إلى تفاقم الأوضاع داخل مراكز احتجاز المهاجرين إلى الحد الذي دفع نحو 200 مهاجر لتنظيم احتجاج محاولين الهرب، وعندها قام الحراس بفتح النار مما أدى لمقتل أربعة مهاجرين وإصابة عشرين آخرين.
وقالت الجريدة إن تلك الحادثة تسلط الضوء على الأزمة التي تواجهها الدولة، ومن المرجح أن تواجه ليبيا زيادة كبيرة في أعداد المهاجرين المقبلين على أراضيها للعبور إلى أوروبا مع إغلاق طريق بحر إيجه بين تركيا واليونان، وحذرت الجريدة من أن شبكات تهريب المهاجرين بدأت بالفعل في الانتشار داخل ليبيا لاستخدامها كطريق بديل، عقب الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي وتركيا والذي أغلق طريق بحر إيجه بين تركيا واليونان وبالتالي حوَّل المهاجرين إلى ليبيا.
ولفتت إلى استغلال تنظيم داعش أزمة المهاجرين لنقل مقاتليه إلى داخل ليبيا، حيث يدخل المقاتلون متخفين بين المهاجرين عن طريق دول إقليم الصحراء إلى طرابلس ثم يتجهون إلى مدينة سرت.
ونجحت شبكات التهريب في ليبيا في استيراد مراكب مطاطية وخشبية من أوروبا مما ساعد في زيادة نشاطها رغم دخول عملية “صوفيا” مرحلتها الثانية، وصادرت الجمارك المالطية نهاية العام الماضي شحنة من المراكب المطاطية والخشبية متوجهة إلى ليبيا.
وتهدف عملية “صوفيا” التي تشكلت في يونيو 2015 وأسهمت فيها 22 دولة من الاتحاد الأوروبي، في البداية إلى القيام بمهمات مراقبة للشبكات التي تعمل من السواحل الليبية.
وانتقلت في أكتوبر 2015 إلى مرحلة أكثر هجومية ما أتاح لها تفتيش السفن ومصادرتها، ولكن فقط في المياه الدولية، وكانت تسلم الأشخاص الذين يعملون على نقل المهاجرين إلى السلطات الليبية، وأطلق على العملية اسم “صوفيا” تكريمًا لولادة طفلة صومالية على متن سفينة إنقاذ ألمانية.
ويستخدم المهربون الليبيون في عمليات التهريب زوارق خشبية تعتبر أكثر أمانًا وسعة، ويحصل عليها المهربون من صيادي الأسماك الليبيين ومن تونس ومصر، ويأتي المهربون بالراغبين بالهجرة عبر شبكات التواصل الاجتماعي وعبر مكاتب شركات السياحة، ويسكن المهاجرون قبيل رحلتهم إلى أوروبا في بيوت خاصة قريبة من الساحل، حيث يُقسمون إلى مجموعات وتوزع عليهم قسائم مرقمة (تذاكر) لتنظيم عملية النقل.
ووفقًا لتقديرات مفوضية الأمم المتحدة للمهاجرين، يوجد نحو مئة ألف مهاجر داخل مدن وقرى ليبيا الواقعة على السواحل الغربية، ولا يقتصر المهاجرون على السوريين والعراقيين فقط، بل بينهم مهاجرين أفارقة هاربين من الفقر.
من جهتها حذرت فيدريكا موجيريني مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي في رسالة إلى وزراء خارجيته من احتمال هجرة نحو نصف مليون نازح داخل ليبيا إلى أوروبا ودعت إلى التحرك سريعًا تفاديًا لمزيد من التصعيد في أزمة الهجرة بالمنطقة.
وأشارت موجريني إلى أن مهربي البشر يعملون بحرية في ليبيا وقالت إن الاتحاد يسعى لإرسال بعثة أمنية مدنية لتعزيز الشرطة وقوات الحدود وعمليات مكافحة الإرهاب بالبلاد.
بدورها تتطلع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لعقد اتفاقية بين الاتحاد الأوروبي وليبيا لاستعادة اللاجئين، مماثلة للاتفاقية التي وقعها رؤساء الدول والحكومات الأوروبية مع تركيا في العشرين من مارس/آذار الماضي.
وقالت ميركل “نسعي الآن بكافة الوسائل للاتفاق مع ليبيا على تعاون مماثل لما تم مع تركيا، لأنه لا توجد أي وسيلة لتأمين الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي إلا من خلال اتفاقيات مع الدول المجاورة لأوروبا”.
وبدأت اليونان الإثنين الماضي تطبيق الاتفاقية الأوروبية التركية، بترحيلها اللاجئين الذين رفضت طلبات لجوئهم، والذين لم يتقدموا إليها بطلبات لجوء، إلى تركيا التي جاؤوا منها، حيث يوضعون هناك بمراكز تجميع ضحمة لحين بتّ السلطات التركية في مصيرهم.
ووفق اتفاقية استعادة اللاجئين التي يطلق عليها اسم “واحد مقابل واحد”، يستقبل الاتحاد الأوروبي لاجئًا سوريًا واحدًا من الموجودين منذ فترة بتركيا، مقابل كل لاجئ سوري تستعيده تركيا ممن غادروها بطريقة غير نظامية عبر بحر إيجة للجزر اليونانية.
وكان وزير التعاون الدولي الألماني غيرد موللر قال في تصريحات صحفية نُشرت الجمعة إن مئتي ألف من اللاجئين القادمين من دول إفريقيا جنوب الصحراء ينتظرون بليبيا لأخذ دورهم عندما تحين الفرصة لركوب البحر متجهين إلى أوروبا.
وتوقع وزير الداخلية الألماني توماس دي ميزير قدوم موجة ضخمة من اللاجئين من ليبيا إلى أوروبا خلال الفترة القادمة، ورأى أن تقدير وزير التعاون الدولي بوصول مئتي ألف لاجئ لأوروبا أقل بكثير مما سيأتي.
ووفقًا للتقديرات، وصل نحو 900 ألف مهاجر العام الماضي إلى أوروبا، بينهم 87% قادمون من اليونان، وبعد إغلاق الطريق بين تركيا واليونان، من المتوقع أن تتحول تلك الأعداد إلى ليبيا، وتبحث دول الاتحاد الأوروبي إرسال سفن بحرية إلى قرب الشواطئ الليبية لتعمل مع الدوريات الليبية لاعتراض قوارب المهاجرين.
من جانب آخر أعلنت وزارة الخارجية التونسية أمس الأحد أن كبار الموظفين في مؤسسات مالية دولية وإقليمية سيعقدون غدًا الثلاثاء المقبل اجتماعًا في تونس لبحث الدعم الدولي لليبيا، وأوضحت الوزارة في بيان أن ممثلين عن 15 مؤسسة مالية ومنظمة إقليمية ودولية متخصصة، وأربعين دولة عربية وغربية سيشاركون في هذا الاجتماع الذي تنظمه بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، وسفارة المملكة بليبيا والموجودة مؤقتًا في تونس.
وكانت حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج دخلت العاصمة الليبية طرابلس في الثلاثين من مارس، وسرعان ما حظيت هذه الحكومة بدعم سياسي كبير مع إعلان بلديات ومدن في الغرب وفي الجنوب الولاء لها، كما نالت تأييد المؤسسات المالية والاقتصادية الرئيسية، وهي المصرف المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط والمؤسسة الليبية للاستثمار في طرابلس.
وأعلن رئيس البرلمان في طبرق عقيلة صالح أمس أن المجلس سيجتمع “خلال الأسابيع القادمة” لمنح الثقة لحكومة الوفاق الوطني التي انتقلت إلى طرابلس، وفشل مجلس النواب المنعقد في طبرق في عقد جلسة له لنحو ثمانية مرات، بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني، خلال الفترة الأخيرة، من أجل المصادقة على ممارسة “حكومة التوافق الوطني” على أعمالها من طرابلس؛ ما دعا الأخيرة إلى التوجه إلى طرابلس قبل بضعة أيام، وبدء ممارسة مهامهم.