نشرت صحيفة النيويورك تايمز في عددها الصادر في 10 أبريل مقالة رأي من تحرير الكاتبة لارا فريدمان، تطرح فيها إشكالية دفاع وحماية الرئيس الأميركي باراك أوباما عن إسرائيل بشكل سري وخفي تحت عنوان “حامي إسرائيل غير الممجد: أوباما”.
افتتحت الكاتبة المقال بالإشارة إلى تنامي الإحباط داخل إدارة أوباما في عامها الأخير بالحكم في خضم محاولاتها الفاشلة لإحياء محادثات السلام ما بين فلسطين وكيان الاحتلال الإسرائيلي، لدرجة قد تلجأ معها إلى وضع خطوطها العريضة لاتفاق السلام ما بين الطرفين بشكل قرار يصدر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
حدوث ذلك سيسفر، وفقًا للمقال، عن صدور ردي فعل محددين، أولهما معارضة رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، لذلك القرار، وثانيهما هيجان جوقة من السياسيين والمعلقين الأميركيين الذين سيشيرون إلى أن دعم قرار في مجلس الأمن تعارضه إسرائيل، بدلاً من نقضه، سيكون سابقة تاريخية في سجل السياسة الأمريكية.
تؤكد فريدمان وجهة نظرها السابقة من خلال الإشارة إلى الوقت الذي انتشرت فيه تقارير مماثلة تتحدث عن دعم أميركا لقرار يتعلق بالقضية الفلسطينية – الإسرائيلية في مجلس الأمن في الربيع الماضي، ليصرّح بعدها السيناتور جون ماكين قائلًا: “إن مثل هذا الإجراء يخالف السياسة الأمريكية التي انتهجها آخر10 رؤساء للولايات المتحدة على أقل تقدير”، كما أصدر رئيس كتلة الجمهوريين رسالة احتجاج بالاشتراك مع مسؤول ديمقراطي رفيع المستوى في لجنة الشؤون الخارجية بالكونجرس جاء فيها “إن الولايات المتحدة استخدمت لعقود حق الفيتو في مجلس الأمن لحماية إسرائيل من الضغوط غير المبررة في المنظمة الدولية”، فضلًا عن اتفاق مجموعة من الحزبين من أعضاء مجلس الشيوخ على وجوب طلب تأكيدات توضح بأن هذه السياسة لن تطبق.
وفي هذا السياق، ألمحت فريدمان ضمن المقال بأنه من الملفت للنظر بأن تلك الاحتجاجات، التي تشير إلى أن عدم اعتراض أوباما على أي قرار في مجلس الأمن يتحدى الإجراءات أو مواقف الحكومة الإسرائيلية يرقى لمستوى الخيانة غير المسبوقة للعلاقات الأمريكية- الإسرائيلية، لم يتم مناقشتها أو الاعتراض عليها.
المفارقة هنا، كما يشير المقال، هو أنه وعلى مدى أكثر من سبع سنوات من حكمه، لم يسمح أوباما بمرور أي قرار حاسم في مجلس الأمن يخص إسرائيل على وجه التحديد، بينما توضح الدراسة المتأنية للسجل الأميركي منذ عام 1967، بأن كل رئيس أميركي آخر سمح، أو حتى صوّت باسم أمريكا، لصدور قرارات عن مجلس الأمن تدين إسرائيل وسياساتها تجاه الفلسطينيين وجيرانها العرب الآخرين؛ فخلال إدارة ليندون جونسون، صدر عن مجلس الأمن سبعة قرارات من هذا القبيل، وفي عهد ريتشارد نيكسون صدر 15 قرارًا على الأقل، وتحت حكم جيرالد فورد صدر قرارين، وفي فترة جيمي كارتر صدر 14 قرارًا.
لحظت المقالة في ذات السياق ارتفاع هذا العدد إلى 21 قرارًا خلال فترة حكم إدارة رونالد ريغان، حيث صوتت الولايات المتحدة في عام 1981 لصالح قرار يدين الهجوم الجوي الإسرائيلي على المفاعل النووي العراقي، ويدعو كيان الاحتلال لوضع المواقع النووية الخاصة به تحت ضمانات دولية، كما تضمنت القرارات الأخرى التي تم تمريرها في مجلس الأمن في عهد ريغان قرارات تدين ضم إسرائيل لمرتفعات الجولان، أنشطتها العسكرية في لبنان، عملياتها ضد منظمة التحرير الفلسطينية في تونس، وأنشطتها في الأراضي المحتلة، وكان الطابع المتكرر في عدة قرارات صدرت عن مجلس الأمن دون اعتراض يتمثل بتأكيدها على أن اتفاقية جنيف الرابعة التي اُعتمدت في عام 1949، تنطبق على الأراضي المحتلة وتشمل القدس بشكل واضح، حيث تنص تلك الاتفاقية على أن دولة الاحتلال “يجب أن تمتنع عن ترحيل أو نقل جزء من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها”، وفي الواقع، سمحت الولايات المتحدة حينها بمرور قرارات تعتبر جميع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس الشرقية انتهاكًا للقانون الدولي.
أما في عهد جورج بوش الأب، فتشير الكاتبة إلى أن أميركا سمحت بصدور تسعة قرارات تنتقد إسرائيل، بما في ذلك قرار يدين قوات الأمن الإسرائيلية إثر استشهاد أكثر من 20 فلسطينيًا وإصابة 150 آخرين جميعهم من المدنيين في الحرم الشريف بالقدس، وتضمنت القرارات الأخرى التي سمحت إدارة بوش الأب بمرورها من مجلس الأمن قرارًا يدين تهجير إسرائيل للفلسطينيين واختطافها لزعيم ديني لبناني.
انخفض عدد هذه القرارات إلى ثلاثة فقط خلال فترة رئاسة بيل كلينتون، والتي تميزت، على حد تعبير المقال، بجهود الوساطة الواعدة التي مارستها أمريكا للوصول إلى اتفاق سلام ما بين إسرائيل وفلسطين، ومن ثم ارتفع عدد هذه القرارات إلى 6 في عهد جورج دبليو بوش، وهي الفترة التي شهدت زيادة في العنف مع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية؛ حيث يوضح المقال بأن أحد هذه القرارات التي صدرت في مايو 2004 أدان إسرائيل لهدمها منازل الفلسطينيين في غزة، وقرار آخر صدر في مارس 2002، دعا لوقف إطلاق النار ولسحب إسرائيل لقواتها التي دخلت مدنًا فلسطينية جديدة بزعم وقف الانتفاضة.
توضح الكاتبة فريدمان بعدها بأن الرئيس أوباما، وعلى النقيض من أسلافه، حمى إسرائيل من القرارات التي تدينها في مجلس الأمن، وهذه الحقيقة تبدو صارخة بشكل أكبر بالنظر إلى أن فترة رئاسته تزامنت مع صعود حكومات إسرائيلية تعد الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل.
يدلف المقال بعدها لإيضاح التبريرات التي تسوقها إدارة أوباما فيما يخص سياستها تجاه إسرائيل ضمن مجلس الأمن؛ ففي عام 2011 وعندما استخدمت أمريكا حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار متعلق بالمستوطنات الإسرائيلية، أشارت سوزان رايس، سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة حينئذ، بأن الإدارة نقضت القرار ليس لأنها تعارض مضمونه، بل بسبب المخاوف من أن صدروه قد يسمم جهود تعزيز مفاوضات السلام، وبعبارة أخرى، كانت إدارة أوباما تأمل بأن الاعتراض على القرار من شأنه أن يشجع حكومة نتنياهو على الانخراط بصورة بناءة في جهود السلام، ولكن هذا لم يحدث، وسياسات نتنياهو، كلماته وأفعاله، وخاصة استمرار التوسع الاستيطاني واحتلال إسرائيل لأراضٍ جديدة، أثبتت بأن تكتيك أوباما لم يكن مجديًا، لا بل ربما أتى بنتائج عكسية أيضًا، كما توضح الكاتبة.
يشير المقال بأن أنصار السلام الإسرائيلي-الفلسطيني يحذوهم الأمل في أن أوباما، وبعد خروجه خاوي الوفاض من سياسته في حماية إسرائيل، أضحى مستعدًا اليوم لتبني إجراءات في مجلس الأمن تتعلق بالنزاع الإسرائيلي الفلسطيني، وهو الأمر الذي تأمله الكاتبة فريدمان أيضًا، موضحة بأن دعم قرار الدولتين هو الإرث الأكثر أهمية الذي قد يتركه أوباما قبل مغادرته المعترك الدولي، وزاعمة أنه وبغية تحقيق ذلك، يجب أن يكون أوباما مستعدًا للمقاومة والمواجهة، بدلًا من تسامحه مع تنمر إسرائيل وبعض الأمريكين ضد إجراءات السلام، مبديًا استعداده للدفاع عن مصالح أمريكا في التوصل للسلام في الشرق الأوسط، والوقوف مع حلفاء أمريكا في مجلس الأمن في دعم حل الدولتين، على حد زعم المقال.
يختتم المقال أخيرًا بالقول بأنه ومن خلال انتهاج أوباما لهذا المسار، لن يكون خائنًا لإسرائيل، بل صديقًا حقيقيًا لها، فضلًا عن أنه سيسير على خطى جميع رؤساء أميركا الثمانية الآخرين منذ عام 1967، الديمقراطيين منهم والجمهوريين.