نشرت وكالة وطن 24 الإخبارية مقطع فيديو، يستطلع آراء عينة من الشباب – ذكورًا وإناثًا -، فيما إذا كانوا يرغبون بالهجرة من قطاع غزة إلى جهة أخرى، وفي إطار مجموعة الأزمات التي يمر بها القطاع، حيث تصل نسبة البطالة إلى أكثر من 40%، وتندر الكهرباء والتي تصل إلى 4- 8 ساعات وصل، كل 12 ساعة قطع وفصل، إضافة إلى نقص أشياء تتعلق بحرية الحركة والاتصال بالعالم الخارجي.
كنا قد فهِمنا من إجابات المستطلعة آراؤهم، من أن القطاع ليس صالحًا للعيش، بحيث لم يذكروه بحسنةٍ واحدة، وأن التفكير في فرارهم إلى الخارج، هو الضمان الوحيد بالنسبة لمستقبلهم، وفهمنا أيضًا بأنهم غير ملتزمين بأي شيء تجاه وطنهم عمومًا، (فلسطينيًا وقوميًا)، ولا حتى بمساقط رؤوسهم (فضلًا وانتماءً)، وربما لا ينتابهم أي فخر بالنسبة إلى كونهم فلسطينيين، وهذا يعني أن الأحاديث عن الهجرة من القطاع، ستكون أكثر جدية مما كانت في الماضي، فيما لو سمحت الظروف باتجاهها.
وبالمناسبة، هناك نقطتين أخرتين سيئتين أيضًا، وهما: أن أغلبية الفلسطينيين المتواجدين في الخارج، يعتبرون بأن لهم (شانص- حظ) كبير، في أنهم يعيشون في الخارج، والأمر الأصعب، هو أنهم لا يُفكرون في العودة إلى فلسطين حتى فيما لو أنبتت ذهبًا، وباقتران أنهم ليسوا على استعدادٍ للدفع لصالح القطاع كما يجب.
وأما الثانية فتتلخص في أولئك الأفراد، الذين تم جلْبهم بواسطة السلطة الفلسطينية، وتبوأوا مناصب رفيعة داخل مؤسساتها، أو أقل قليلًا، ثم ما لبثوا أن غادروا وعلى جناح السرعة، في أعقاب إتمام مشاغلهم، بغية استكمال حياتهم خارج البلاد، حتى في الوقت الذي كان فيه القطاع، يرفل بالسعادة ورغد العيش.
وإذا افترضنا أن الاستطلاع الذي أوردته الوكالة كان صحيحًا، باعتباره تم كما أصول الاستطلاعات وقواعدها الصحيحة المتبعة، فإن هذا يعني أن الشباب الفلسطيني، وهم عماد المستقبل وقدوة الأجيال، قد فقدوا صوابهم، باعتبارهم أسهموا في النجاحات الإسرائيلية، في شأن إيصالهم لهذه النقطة، بعد أن تمكنت على مدار الفترة الفائتة، من تهجير آلافٍ منهم، بطريق أو بأخرى، وسواء عبر البر أو البحر، بعد أن طمِعوا في صبغِ جلودهم بأصبغةٍ أخرى.
نحن نأسف على سماع مثل تلك الإجابات، حتى برغم أنها ليست دقيقة ولا صحيحة أيضًا، والتي بدت تأخذ النسبة 100% باتجاه الهجرة، بسبب أن الجهة المستطلِعة – مع الاحترام – وكأنها اختارت إجابات محددة لتقوم بنشرها، كما أن الإجابات كونها تكونت – على أكثر تقدير – من طلاب ينتمون لجامعة تعليمية واحدة فقط، إذ لو تم إشراك جامعات أخرى وفي غير المكان أيضًا، لكان اختلف الأمر.
لدينا دليل آخر، والذي يبدو مُهمًا، وهو أن جملة التعليقات التالية على الاستطلاع، كانت مُعاكسة تمامًا للعينة الواردة ومُخالفةً لها بمقدار 180 درجة، وصلت إلى التهكم بأصحابها وخذلانهم، وبالتقليل من وطنيتهم وعروبتهم وانتمائهم أيضًا، باعتبارهم طالبي قشور وأشياء لا تُغني ولا تُسمن من عوز، في مُقابل العزة والكرامة والمدافعة عن الحقوق.
وفي ظل أن القطاع المذموم لديهم، ليس سيئًا إلى هذه الدرجة، وفي ضوء تواجد من يُعاصرون الأزمات بجملتها، وحالهم يبدو أكثر محنة، لكنهم لم يصلوا إلى تلك المرحلة من الهلاك، وإذا كانت هناك أزمات أو نواقص ما، فهي متواجدة في كل أنحاء الدنيًا، بما فيها الولايات المتحدة وكندا وأستراليا والدول الغربية بشكلٍ عام.
وكيفما كان، فإنه وكما يحق للفلسطينيين أن يغتموا أكثر من المُعتادً، بسبب أن تلك النتيجة تُعتبر من خسائرهم الجسام، فإنه يحق لإسرائيل أن ينشرح صدرها، بمجرد استماعها لتلك العينة، وفي ضوء أنها أصبحت الآن، تُمارس الحدود الدنيا باتجاه دعواتها الخاصة باستجلاب يهود جُدد إلى إسرائيل، بسبب أن اليهود المتواجدين في أنحاء العالم وخاصة لدى الدول الكبرى والمتقدمة، لا يحتاجون لأي دعوة للقدوم إليها، سيما وأن مُرادهم الأكبر، هو العيش في الأرض المقدسة والموت في ترابها.
حتى برغم عِلمهم، بأن العيش في إطارها، لن يكون مُكتملًا، بل وأكثر عُرضة للخطًر، وسواء على مصالحهم أو حياتهم كحدٍ أقصى، وأما من يتأخر منهم في الصعود إلى إسرائيل – باعتباره نجاةً وفوزًا في ذات الوقت -، فإنما يعود لارتباطهم بمصالح اجتماعية واقتصادية وعوارض أخرى، وبالتعويض عن ذلك من خلال اهتمامهم بدعم إسرائيل ماديًا ومعنويًا.
هذه العينة لم تأخذ في حسبانها، أن هناك مخططات – استراتيجية – إسرائيلية مُسبقة، لتهجير القطاع أو لتخفيض كمية سكانه على الأقل، ونُود هنا لفت النظر، إلى أن من يتكلم في الهجرة ويُصر عليها، فليستعن عليها بالستر وليس بالجهر، وليسارع إلى تسجيل اسمه في المواقع الإسرائيلية، وهي تلك التي لا تفتر عن توجيه الدعوة على مدار الساعة إلى مغادرة القطاع برمته، وتتعهد بدعم الراغبين، والأجدر به ألا يكتفي بإعلان استعداده بتنفيذها فقط، بسبب أن ذلك يشكل اشمئزازًا وحسب.
وختامًا، فإنه ليس بالوسع ولا بأي حال، منع أي شخص من سعيه باتجاه تنفيذ أفكاره التهجيرية هذه، ولكننا نستطيع أن ندعوه للعدول عنها باعتبارها ضارة وسواء بالنسبة للمكان أو الزمان، وفي حال أصر أحدهم وختم على إصراره، فعندها يلزمنا أن نقول له جميعًا: بالسلامة والقلب داعيلك.