بداية عزيزي القارئ إذا كُنت أحد أعضاء الأولتراسات المقدِّسة لكيانات أو أشخاص ولا تتقبّل الهجوم والنقد فأنصحك بإغلاق نافذة المقال والزَّود عن نفسك وكيانك المقدس ولتأخُذ بالحكمة البائسة “المقال إللي يجيلك منه الريح اقفله واسترِيح”.
لا تنتصر لحقك بالباطل
في جلسة جمعتني، وشباب آخرين، بصانع الأفلام العبقري الأستاذ أسعد طه، لفتت انتباهي جملة رددها أكثر من مرة في أكثر من معرضٍ للحديث ولأكثر من سبب، نتيجة أكثر من قصة حكاها: “لا تنتصر لحقك بالباطل”.
بكل تأكيد كان يقصد عدم التهويل في نشر الأخبار لإثبات أمرٍ ما يبدو لنا فيه أنه الحق، وفي لحظتها، قفز في ذهني سؤال عجزت عن إجابته، كيف لحقٍ أن يُنتصر بباطل، بل وكيف لأحدٍ يردد أنه يسعى خلف الحق، أن يروج لهذا الحق بالكذب والزيف والادعاء؟ وسبب العجز عن إجابة هذا السؤال، أني رأيت اليوم، من أعتقد أن قضيته عادلة يروج لهذه القضية بالباطل، وأعجز أن أجعل هذا الباطل، في سياقٍ منطقي مقبول! كيف؟!
أعلم أن منطقة هذه الأشياء أمرٌ غاية في “السفه”، لكن من باب التمس لأخيك سبعين عذرًا، أحاول أن أصيب بعض هذه السبعين، لكنني أفشل في كُل مرة، خصوصًا، وأننا اليوم أصبحنا نرى أن فكرة التهويل في وصف شيء والدلالة عليه، أمرٌ لا يذكر، بجانب ما يتعايش عليه الآن “أنصار الشرعية” وأصبحت تلك الأكاذيبِ هي قوت يومهم السياسي وزادهم على طريق كسر “الانقلاب”، واسمحوا لي أن أهاجمهم قليلًا.
فعلى ما يبدو أن هؤلاء لا يتعلمون أبدًا، فبعد، السيسي مات، ومرسي راجع، والجيش الثاني الميداني منحاز “للشرعية”، مازالوا يصدقون هذه الترهات، بل ويروجون لها ويصنعون حولها استراتيجيات وخططًا!
كما أن هؤلاء أيضًا، من متابعي وسائل الإعلام الرافضة لنظام السيسي لم يتعلموا أي شيء، سواء من التأكد من صحة الخبر أو التصريح من مصادر موثوق بها أو حتى إعمال العقل فيما ينشر.
فمن قرأ الخبر الذي انتشر، أن الملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز، موجود في مصر ليقوم بمقابلة الرئيس محمد مرسي في سجنه، كيف لعاقلٍ أن يصدق هذا؟ أو كيف لغير عاقلٍ حتى أن يصدق هذا؟
لا أحب نظرية المؤامرة ولا حتى أعرف كيف تكون معادلتها، لكن وبعد خمس سنواتٍ من الثورة، وظهور عدد كبير ممن كنا نثق بهم على حقيقتهم، وخداعنا مراتٍ ومرات، أصبحت لا أثق في أشياءٍ كثيرة، ويمكنني بسهولة أن أشك في أي شيء يُنشر في هذا الصدد، ويمكنني أيضًا أن أشك فيمن يقوم بنشر هذا الكلام.
أحد الأصدقاء بعد مذبحة فض رابعة، سأل عن مصدر معلومة وقوف الجيش الثاني الميداني بجانب مرسي، فكانت الإجابة أن مصدرها هو الجيش نفسه، أترك لك التعليق عزيزي القارئ، فسياسة الموقع هنا لا تتسع لردود الفعل “البذيئة”.
وعلى كُل حال، فهذه الرواية لا تُعتبر كارثيةً بجانب ما ذكره لي صديق آخر عن نفس الموقف، في معرِض حديثه مع أحد قيادات الجماعة أثناء اعتصام رابعة، عن سبب استخدام المنصة هذا التوجه غير المبرر، فكانت الإجابة أنه لا مشكلة من “بعض” الكذب على الناس مقابل تحفيز.
الدين بيقول إيه يا شيخ حسن؟
صغيرًا، ضربتني أمي حتى أوجعتني لاستخدامي “تكنيك” التعريض بالكلام، كنت أقوم به للخروج من بعض المشاكل كأي طفل، فكان العقاب، لأن هذا يعتبر من مقدمات الكذب، ثم حفّظتني، ما ثبُت عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يُكْتَبَ صِدِّيقًا. وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ كَذَّابًا» رواه البخاري ومسلم.
وصغيرًا أيضًا، حفظت في كُتّاب قريتنا، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا}، وكنت أتفاخر بين إخوتي حينها، إني أعرف الرواية الأخرى، لكلمة فتبينوا، فتثبّتوا.
فالدين والإسلام والأخلاق والمروءة والعقل والمنطق وكُل شيء أخلاقي، ينهى عن الشائعات والكذب، فكيف لأشخاصٍ يدعون أنهم يسعون لتحكيم دين الله وشرعه، أن يكونوا هم مصدر هذه الشائعات؟
يخلص ما أردت أن أقوله في هذه الفقرة، ما قرأته تعليقًا لأحد المتابعين، عن مقالٍ كتبته في فكرةٍ شبيهة منذ أكثر من عام، “أنه حتى لو كنت معارضًا للانقلاب، فالكذاب حرام في كل الحالات”.
هل المشكلة تتوقف عند غاسلي الأدمغة؟
وعمليًا، وبعيدًا عن الحكم الشرعي، فإن إطلاق الشائعات وترويجها والاستعانة بها في اتخاذ مواقف أو وضع خطط أو أهداف، هو أقصر الطرق وأسرعها إلى الفشل، بسرعة الصاروخ، وهو الطريق البسيط لتزييف وعي الناس وفكرهم، فمن الثابت روايته عن مؤسس فن “غسيل الأدمغة” جوزيف جوبلز، مقولته: “كلما سمعت كلمة (مثقف) تحسست مسدسي”، في إشارةٍ لأهمية الوعي الذي يقاوم الشائعات.
وبناءً عليه، يمكن القول والتأكيد على أنه إذا لم يجد مروجو المخدرات الفكرية، جمهور ومتابعين سعداء من هذه الطريقة، فسيتوقفون، لأنه لا جدوى من كذبهم، لكنك حينما ترى أن خبرًا يقول إن زويل سينضم لقناة من القنوات الرافضة للسيسي، وتجد أن الخبر تمت مشاركته أكثر من 7 آلاف مرة على الفيسبوك فقط، فإن المشكلة الحقيقية تكمن في عقول المتابعين، فلولاهم، ما وجدت هذه السلع طريقها للانتشار.
وأيضًا من المؤسف، أن تجد أناسًا يُفترض بهم العقلانية والحكمة يقومون بالترويج لهذه المنصات وهذه المواد التي لا تُخرب سوى العقول ولا تساعد إلا على تخدير المتابعين، بل وتجد بعضهم يدافع عنها رغم علمهم بزيف ما تقدمه هذه الوسائل.
إن ما يقوم به العاملون في هذه المواقع، لا يقل خطورة عما تقوم به اليوم السابع والوطن وقنوات الفلول، بل إن هذا أخطر بكثير، فقد أيقن الناس بكذب اليوم السابع وتبعية جريدة الوطن للأجهزة الأمنية، أما هؤلاء فيتخفون خلف الصبغة الإسلامية، التي تجعلهم قريبين من المتابعين، المتدينين بطبعهم.
وهنا مربط الفرس، المتابعون هم القادرون على نشر هذه الأكاذيب وهم أيضًا القادرون على وقف نشرها وتداولها.
بيت القصيد في الناس، بيت القصيد في الجهل، بيت القصيد في علاج إدمان المخدرات الفكرية.