جسر الملك سلمان بن عبد العزيز كما أطلق عليه الرئيس السيسي في المؤتمر الصحفي الذي أعلن فيه الملك سلمان نية السعودية بناء جسر يربط مصر من منطقة منتجع شرم الشيخ مع رأس حميد في منطقة تبوك شمال السعودية عبر جزيرة تيران ويبلغ طوله 50 كيلومترًا، من المخطط أن يتم تنفيذه خلال 7 سنوات بتكلفة تصل إلى 4 مليارات دولار، يحتوي على ممرات للسيارات وسكة قطارات لشحن السلع والمنتجات.
حتى الآن لم يصدر الشكل النهائي للجسر وكيف سيكون، وما تم نشره لشكل الجسر هو من قبيل التكهنات للعديد من المخططات الهندسية التي من الممكن أن تعتمدها الشركة التي ستقوم بتصميم الجسر، وحسب موقع سكاي نيوز أفرد 3 مخططات من المتوقع لأحدها أن يتم تبنيه وهي:
المخطط الأول وهو الأشهر من بين المخططات التي طرحت للتنفيذ نظرًا لطوله البالغ 50 كيلومترًا ومدة عبوره القصيرة، حيث سيمر الجسر عبر مضيق تيران بمدخل خليج العقبة في مصر عبر البحر الأحمر ليمتد إلى منطقة رأس الشيخ حميد في تبوك شمالي السعودية.
فيما اقترح مخطط ثانٍ أن يمر الجسر من منطقة تبوك إلى جزيرة صنافير ثم مضيق تيران ثم إلى منطقة النبق وهي أقرب نقطة في سيناء.
أما المخطط الثالث فيظهر مرور الجسر من منطقة تبوك إلى جزيرة صنافير ثم مضيق تيران ثم يحفر نفق إلى سيناء، حتى لا يؤثر على الملاحة.
علمًا أن الجسر رُفِض في زمن مبارك لأسباب تفيد أن إقامة الجسر ستؤثر على المنتجعات السياحية في مدينة شرم الشيخ وتلحق الضرر بالمشاريع السياحية وتفسد الحياة الهادئة والآمنة هناك مما سيدفع السياح لمغادرة المكان.
فوائد الجسر الاقتصادية
يعد الجسر نقطة الوصل بين العالم العربي الإفريقي والعالم العربي الآسيوي؛ فهو أول ممر بري بين إفريقيا وآسيا، لذا سيكون محط أنظار الجميع من دول إفريقيا وآسيا والخليج بشكل خاص، وبهذا تحصل السعودية على منفذ اقتصادي مهم لها مع دول افريقيا من خلال حليفتها مصر، وسيغذي مصر بالمنتجات السعودية المتنوعة البترولية على وجه الخصوص، ويوسع قاعدة المملكة التجارية في الأسواق الإفريقية حيث سيفتح أسواق إفريقيا أمام المملكة ويزيد حجم التبادل التجاري معها، لذا يعتبر الجسر بالنسبة للمملكة استثمار استراتيجي مهم.
سيؤمن الجسر حركة أفضل وأسرع للمسافرين الذين يستخدمون العبّارات في الوقت الحالي للتنقل بين مصر والسعودية، كما أن حركة السياحة من السعودية إلى مصر ستزيد بفضل الجسر، حيث بلغ عدد السياح السعوديين الذين زاروا مصر العام الماضي 2015 نحو 433 ألف سائح بزيادة عن العام الذي سبقه 2014 قدرها 23.7%، وزار نحو 139 ألف كويتي و46 ألف إماراتي مصر في العام الماضي كذلك، لذا من المتوقع أن يزيد عدد السياح الخليجيين إلى مصر وخصوصًا إلى منتجعات شرم الشيخ، حيث سيوفر لهم الجسر وسيلة تنقل سريعة بين مصر والخليج (السعودية) بالبر عوضًا عن الطائرة والعبّارة، وهذه الزيادة في عدد السياح السعوديين إلى مصر سيكون لها نتائج إيجابية على قطاع السياحة المصري، وستخفف من التكاليف التي يدفعها السائح السعودي أثناء مجيئه إلى مصر فبدل المجيء بالطائرة قد يأتي بسيارته الخاصة.
فيما سيسلك الحجاج المصريون جسر سلمان البالغ عددهم في عام 2014 نحو 72 ألف حاج مصري قادمون من مصر، باتجاه الأماكن المقدسة مكة والمدينة، وتخفيف الضغط على النقل الجوي، هذا بالإضافة للمعتمرين الذين يأتون على مدار العام ويقدر عددهم أيضًا بعشرات الآلاف، ومن الوارد ازدياد عدد المعتمرين لسهولة وسرعة الوصول التي سيوفرها الجسر، لذا سيشكل الجسر طفرة على صعيد حركة الحجاج والمعترمين إلى الأماكن المقدسة ليس فقط من مصر بل ومن الدول الإفريقية الأخرى.
الحركة التجارية الكبيرة المرتقبة بين البلدين من هذا الجسر ستكون من عبور البترول ومنتجاته، إذ كانت السعودية قد تعهدت بمد مصر بالمواد البترولية لمدة خمس سنوات، وبحسب رويترز ستوفر شركة أرامكو السعودية لمصر 700 ألف طن شهريا لمدة خمس سنوات من المواد البترولية بواقع 400 ألف طن سولار و200 ألف طن بنزين و100 ألف طن مازوت شهريا، ستبلغ قيمة العقد 23 مليار دولار بفائدة سنوية قدرها 2% وسيتم السداد على مدة 15 سنة مع فترة سماح لمدة 3 سنوات.
الجسر سيسهم في زيادة التبادل التجاري بين مصر والسعودية؛ فبحسب التقديرات الصادرة سيصل حجم التجارة التي سيخدمها الجسر إلى قرابة 200 مليار دولار سنويًا، وهذا يضع مصر في تموضع إقليمي استراتيجي مهم لأنها ستصبح معبر تجاري بين أوروبا وإفريقيا وآسيا، بالإضافة لقناة السويس، وقد بلغت الصادرات المصرية لأسواق المملكة العربية السعودية بنهاية العام 2014 نحو 14.71 مليار جنيه، وتصدّرت السلع الهندسية والإلكترونيات قائمة الصادرات المصرية للسعودية تليها مواد البناء والصناعات الغذائية والحاصلات الزراعية وغيرها، لذا من المتوقع أن يزيد تنوع وحجم الصادرات المصرية إلى السعودية أكثر بعد الانتهاء من الجسر.
تعتمد السعودية في تأمين احتياجاتها الغذائية من الخارج بنسبة 50% ووجود هذا الطريق البري مع مصر سيؤمن أسعار أكثر انخفاضًا للمنتتجات الغذائية القادمة من مصر إلى السعودية وهذا سيمنح فرصة تجارية وافرة للمزارعين والمصدرين في مصر من خلال زيادة صادراتهم الزراعية إلى المملكة.
ومن الفوائد الاقتصادية المترتبة على بناء الجسر والتي ستجنيها كلا البلدين الفرص الوظيفية التي سيخلقها أثناء عملية البناء والتي تقدر بعشرات الآلاف خصوصًا للجانب المصري، وما سيعقبه من فتح باب لمشاريع تجارية متوسطة ومتنوعة ومناطق حرة في بداية ونهاية الجسر، كما أن الجسر سيسبب طفرة عقارية في شرم الشيخ من خلال شراء السعوديين لبيوت لقضاء العطلات فيها.
شهد حجم التبادل التجاري بين مصر والسعودية ارتفاعًا بنحو 1.5 مليار دولار بنسبة 32% ليبلغ 6.2 مليار دولار في عام 2014 مقارنة بـ 4.7 مليار دولار في عام 2011، وقد بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين في النصف الأول من العام الماضي 3.2 مليار دولار، واحتلت الشركات السعودية المؤسسة في مصر (3302 شركة) المرتبة الأولى من بين الشركات الأجنبية في مصر حسب إحصائيات عام 2014 برأسمال يقدر بنحو 33 مليار دولار في قطاعات مختلفة.
ما يعزز فرضية زيادة الحركة التجارية على هذا الجسر في المستقبل، فبحسب محسن صلاح رئيس شركة المقاولون العرب المصرية فإن طرق التجارة البحرية أصبحت أكثر خطورة حاليًا، حيث أصبح النقل البحري يمثل خطورة حاليًا من جراء الخلافات والحروب بين الدول في الوقت الحالي.
الفوائد الاستراتيجية
بالنسبة للسعودية فهذا الجسر يعد الثاني من نوعه الذي يربط المملكة مع دولة عربية كما هو حاصل مع مملكة البحرين من خلال جسر الملك فهد، والذي يعتبر منفذ حيوي لكل من السعودية والبحرين، حيث شكل الجسر نقلة نوعية للبلدين بزيادة أعداد السياح بين البلدين حيث يستخدمه آلاف سكان المنطقة الشرقية في إجازة نهاية الأسبوع.
وقد لجأت إليه السعودية أثناء حملة درع الجزيرة لمساعدة الحكومة البحرينية في تقليل حدة الاضطرابات التي اندلعت لعدة عوامل منها تحريض إيران للشيعة في البحرين ضد أعمدة الحكم.
لذا إلى جانب الأهمية التجارية والتي تعود بالنفع على اقتصاد كل من مصر والسعودية في بناء الجسر يعد الجسر أيضا ممرًا محتملاً لأي تدخل بري من قِبل القوات العسكرية لكلا البلدين، وبالتالي هو تعزيز لمنظومة الأمن السعودية في المنطقة وربط الفاعل المصري العسكري بأمن وحماية السعودية، حيث تمتلك مصر أكبر جيش على مستوى الدول العربية ويعول عليه في حماية أمن الخليج من أي تدخل سافر من قِبل أعدائها في مقدمتهم إيران، والدولة الإسلامية داعش.
يذكر أن مصر ضمن التحالف الإسلامي العسكري الذي أسسته الرياض وضم العديد من الدول العربية والإسلامية والذي أعلن عنه في 15 ديسمير كانون الأول 2015 بهدف محابة الإرهاب بجميع مكوناته في المنطقة.
موقف إسرائيل من الجسر
من جهة إسرائيل فقد عارضت أيام مبارك فكرة إقامة الجسر بين مصر والسعودية متذرعة بأن الجسر سيشكل تهديدًا أمنيًا عليها، حيث سيمر الجسر فوق جزيرتي تيران وصنافير الواقعتين عند مدخل خليج العقبة.
لم يصدر حتى اللحظة موقف رسمي من إسرائيل بشأن الاتفاق الجاري بين مصر والسعودية على بناء الجسر، ولكن الصحافة الإسرائيلية رفضت بشكل مباشر الخطوة لإنه يمثل خطرًا على أمن إسرائيل.
أضف أن إسرائيل لا يروقها أي تقارب عربي عربي على حدودها أيًا كان شكله ونوعه، والجسر سيولد تقاربًا بين مصر والسعودية على الصعيد السياسي والاقتصادي والعسكري وهو أخطر شيء بالنسبة لإسرائيل، فهذا التقارب سيودي إلى اختلال في توازن القوى الذي تفرضه إسرائيل في المنطقة من حولها، وإلى مواقف عربية موحدة تجاه القضية المركزية عند العرب وهي الصراع العربي الفلسطيني.
ولكن عدم خروج الحكومة الإسرائيلية بأي تصريح رسمي حتى الآن يظهر شكوكًا باحتمالية أن السعودية ومصر أخذتا الضوء الأخضر منها لإتمام الاتفاق وبناء الجسر، والأيام القادمة ستكشف ما خفي في هذا الاتفاق.
موقف الأردن من الجسر
بحسب خبراء أفادوا أن الجسر يحتاج لموافقة كل من الاحتلال الإسرائيلي ومملكة الأردن (دولتي الجوار)، لعدم إعاقة الملاحة البحرية في خليج العقبة، وتعمل الأردن على دراسة جدوى للآثار المترتبة على المشروع وانعكاساته على الاقتصاد الأردني، وجاء على لسان أيمن حتاحت وزير النقل أن “الأردن ترحب بأي مشروع نهضوي تنموي يربط بين الدول العربية بعضها ببعض”، لذا سيحظى مشروع الجسر بمباركة أردنية في حال ثبت أنه لن يؤثر بشكل سلبي على الاقتصاد الأردني، في حين وقع 30 نائبًا في البرلمان الأردني يطالبون الحكومة بسرعة التحرك للتفاوض مع السعودية ومصر لوضع آلية للاستفادة من مشروع الجسر.
الجدير بالذكر أن خليج العقبة يعتبر المنفذ البحري الوحيد للملكة الأردنية على البحر للبضائع والركاب والسياح، حيث تنقل الشركات العاملة في الخليج عشرات آلاف الشاحنات التجارية والركاب من وإلى الأردن، وبحسب أحد الخبراء في القانون الدولي يقول إن الجسر يعد مشروعًا قوميًا تجاريًا بامتياز ويحق للدول الأخرى المجاورة الاعتراض عليه في حال أعاق حركة الملاحة البحرية.