تعيش جزيرة قرقنة شرق تونس على وقع إضراب عام ينفذه أهالي الجزيرة منذ صباح اليوم للمطالبة بحقهم في التنمية والتشغيل، حيث تعطلت الحركة التجارية وأغلقت المؤسسات التربوية في الجزيرة التونسية التابعة لمحافظة صفاقس، اليوم الثلاثاء، استجابة لدعوة الاتحاد المحلي للشغل للدخول في إضراب كامل للمطالبة بحق الجزيرة في التنمية والتشغيل، وتم تقليص عدد الرحلات البحرية باتجاه الجزيرة إلى سفرتين اثنتين فقط.
وتشهد جزيرة قرقنة منذ فترة احتقانًا اجتماعيًا وصل حد تنظيم العديد من الاحتجاجات واتهامات من هيئات حقوقية بوجود تجاوزات من طرف قوات الأمن.
وأكد الكاتب العام المحلي للاتحاد العام التونسي للشغل في جزيرة قرقنة محمد علي عروس في تصريحات إذاعية على أن تعليق الإضراب العام لن يكون إلا بإطلاق سراح الموقوفين والإفراج عنهم، ويخيم التوتر على المدينة منذ حوالي أسبوع إثر اعتقال عدد من المعتصمين المطالبين بالانتداب في شركة بيتروفاك النفطية.
وندد عدد من النواب ومنظمات المجتمع المدني في وقت سابق باستعمال قوات الأمن التونسية للقوة في فض الاعتصام، ودعا النائب الهادي قديش عن كتلة نداء تونس رئاسة البرلمان إلى التدخل في جزيرة “قرقنة” وكذلك دعا السلطات إلى الإفراج عن الموقوفين، فيما دعا النائب عن محافظة صفاقس شفيق عيادي عن كتلة الجبهة الشعبية (ائتلاف أحزاب يسارية) قوات الأمن للانسحاب من المنطقة.
وأصدر اتحاد الشغل بيانًا عبر فيه عن رفضه المطلق لاستعمال القوة من قِبل قوات الأمن في الجزيرة، معتبرًا أن هذا الأسلوب الاستبدادي أنهته الثورة وولى إلى غير رجعة، كما طالب الحكومة بإطلاق سراح المعتقلين واللجوء إلى الحوار مع المحتجين ومنظمات المجتمع المدني للوصول إلى حلول تنموية شاملة تخرج المنطقة من عزلتها وتقطع مع سياسة التهميش والإقصاء التي عانت منها لعقود.
فيما نددت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، بالأسلوب الذي اعتمدته قوات الأمن في فض الاعتصام، مشيرة إلى أنه تمت مهاجمة المحتجين من قِبل قوات الأمن في الطريق العام وداخل المناطق السكنية بمنطقة مليتة (التابعة للجزيرة) بعد أن أخلى المحتجون محيط شركة “بيتروفاك”، وقد تم الهجوم الأمني بصفة مباغتة في ساعة متأخرة من الليل وتحديدًا الساعة الواحدة صباحًا دون تفاوض، وأضافت في بيان أصدرته الخميس “استعمل الأمن القنابل المسيلة للدموع بطريقة التصويب المباشر نحو المواطنين على مستوى الرأس والصدر، ونحو المساكن ما أدى إلى حدوث إصابات بعضها يكتسي درجة من الخطورة كالكسور العظمية والجروح العميقة وحالات الاختناق خاصة في صفوف النساء المسنات اللواتي جوبهن بالسب والكلام البذيء عندما حاولن الخروج من منازلهن لاستنشاق الهواء”.
فيما قالت وزارة الداخلية في بلاغ لها يوم السبت الماضي إن القوات الأمنية التي تحولت إلى الشركة كانت لأجل “فك الاعتصام وتمكين العمال بها إلى العودة إلى عملهم ضمانًا لمبدأ حرية الشغل”، وأن الأمن تدخل بعد تعمد حوالي مئة شخص وضع حواجز وأكوام من الحجارة وعوارض حديدية وحرق عجلات مطاطية.
وأضاف البلاغ “استعمل الأشخاص في مليتة والذين كان يبلغ عددهم حوالي مئة شخص الحجارة والعجلات المطاطية والمسامير الحديدية، وحاولت الوحدات الأمنية إقناعهم بالتحاور والتفاوض بشتى الطرق لمدة فاقت الخمس ساعات، لفتح الطريق وتشتيت التجمهر، وأمام تعنتهم اضطر أعوان الأمن إلى الاستعمال غير الكثيف للغاز المسيل للدموع بغاية تفريقهم والتمكن من مواصلة مهمتهم إلا أنهم هاجموا الأمنيين والسيارات الإدارية مما نتج عنه تهشيم حافلتين وسيارتين أمنيتين وجُرح أحد الأمنيين على مستوى الوجه”.
بدوره اعتبر الناطق باسم الحكومة خالد شوكات أن التدخل لفض الاعتصام باستخدام القوة العامة “طريقة صحيحة مئة في المئة، بل إنها جاءت متأخرة لأن واجب الحكومة حماية فرض القانون وحماية مناطق العمل والإنتاج”، وأضاف في تصريح إذاعي “الحوار لم ينقطع مع المحتجين، والحكومة أبلغتهم أن من حقهم الاعتصام ولكن ليس عبر غلق مواطن الشغل، كما أن الحصول على وظيفة يجب أن يتم عبر المشاركة في المناظرات (مسابقات التوظيف)”.
وكانت الحكومة حذرت قبل أيام من أن صمتها إزاء الاعتصامات وتعطيل العمل بمناطق استخراج الثروات الطبيعية لن يتواصل، مشيرة إلى أنها ستتصرف بكل ما يتيحه لها القانون من إمكانيات لحماية العمل وأماكنه وضمان استمراره.
وشهدت الجزيرة حصول مواجهات بين قوات الأمن ومحتجين، بعد أن عمدت قوات الأمن في ساعة متقدمة من صباح الإثنين الماضي إلى فك اعتصامهم أمام شركة بتروفاك وإتلاف خيام المعتصمين بمنطقة مليتة بالقوة، وعرفت المنطقة منذ ليلة الأحد، وصول تعزيزات أمنية كبيرة، إضافة إلى تشكيلات متنوعة من الأمن معززة بآليات للجيش الوطني.
من جهة أخرى، أصدرت وزارة الداخلية صباح الأحد بيانًا، أكدت فيه على أن “مجموعة من الأشخاص عمدوا إلى قطع الطريق أمام الوحدات الأمنية بمنطقة مليتة المؤدية إلى شركة بتروفاك بجزيرة قرقنة”، وأضاف البيان “أنه حصلت مواجهات بعد فشل التفاوض، استعمل فيها المحتجون الحجارة والمسامير الحديدية وأحرقوا العجلات المطاطية، وهو ما نتج عنه تهشيم حافلتين وسيارتين أمنيتين وجرح أحد الأمنيين على مستوى الوجه”، وفق نص البيان.
وعقب فك اعتصام المحتجين أمام الشركة البترولية بتروفاك، نظم أهالي الجزيرة، الثلاثاء، مسيرة شعبية جابت شوارع منطقة الرملة احتجاجًا على ما وصفوه بـ “عسكرة المنطقة” والمطالبة بحرية التنقل وإطلاق سراح الموقوفين، وطالب المحتجون بتحقيق التنمية للجهة وتسوية وضعية المعتصمين أمام شركة بيتروفاك والالتزام بمحضر الجلسة الذي كانت وقعت عليه الحكومة والشركة، والذي يقضي بانتداب عدد من المعطلين عن العمل من أبناء الجهة.
وحمّلت التنسيقية المحلية لاتحاد أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل بقرقنة في بيان أصدرته الإثنين، الحكومة مسؤولية الاحتقان والغليان الذي أمست عليه الجزيرة جراء التدخل الأمني السافر وجراء تراجعها عن الاتفاقات التي أبرمتها مع التنسيقية المحلية ومع الاتحاد العام التونسي للشغل بحسب نص البيان، وطالبت محلية اتحاد أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل بقرقنة في ذات البيان بإطلاق سراح الموقوفين على خلفية التدخل الأمني في الليلة الفاصلة بين 3 و4 أبريل الجاري لفك الاعتصام الذي نفذه عدد من العاطلين عن العمل أمام شركة بيتروفاك وإيقاف كل التتبعات العدلية والقضائية ضدهم ومحاسبة كل من باشر وساهم في تعذيب وتعنيف الموقوفين فضلاً عن سحب التعزيزات الأمنية التي وصفها بغير المبررة حتى تستعيد الجزيرة حياتها الطبيعية.
كما دعت التنسيقية المحلية لاتحاد أصحاب الشهائد المعطلين عن العمل السلطات الجهوية والمركزية إلى القيام بإجراءات فعلية للتنمية بجزيرة قرقنة بعد إجراء حوار جدي مع مختلف مكونات المجتمع المدني بالجزيرة وعلى رأسهم بحارة الجزيرة، وهيكلة الشركات البترولية المنتصبة بها من خلال إحداث صندوق تنمية ينتفع به كل أهالي الجهة، إضافة إلى تطبيق الحكومة لالتزامها تجاه العاملين بمنظومة العمل البيئي وإدماجهم في مواقع عملهم.
وأصدر حزب حراك تونس الإرادة، الذي يرأسه الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي، بيانًا قال فيه “إن ما وقع يؤكد قصور المقاربة التنموية للدولة فيما يتعلق بالاستجابة لمطالب الشباب المعطل ولاسيما أصحاب الشهائد العليا”، منتقدًا التعاطي الأمني مع المعتصمين، ولافتًا إلى أن سبب مثل هذه الاحتجاجات الاجتماعية هو “الفساد”، وطالب الحزب بـ “خلق ديناميكية اقتصادية قادرة على إحداث مواطن شغل مستدامة ومحاربة الفساد بمنح صلاحيات تقريرية للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد والرشوة ودعم دورها في ملفات شائكة مثل ملف الثروات الطبيعية والتصرف فيها، ووجود قضاء مستقل فاعل وناجز يبت بسرعة في آلاف قضايا الفساد المالي المتراكمة لدى القطب القضائي المختص”.
وتعيد حالة الاحتقان التي تعيشها جزيرة قرقنة التونسية والتصدي الأمني للاحتجاجات السلمية هناك، ما شهدته العديد من الجهات والمحافظات التونسية خلال شهر يناير 2016 من احتجاجات شعبية مطالبة بالتنمية والتشغيل واجهتها السلطات بالقمع الأمني.
شهدت نسبة البطالة في تونس خلال الثلث الثالث من العام الماضي ارتفاعًا إلى حدود 15.3% مقابل 15% خلال الثلث الأول من نفس السنة بحسب ما كشف عنه المعهد الوطني للإحصاء، وأبرزت نتائج المسح الوطني حول السكان والتشغيل للثلث الثالث من سنة 2015 أن عدد العاطلين عن العمل يقدر بـ 612.3 ألف عاطل من مجموع السكان النشطين الذي بلغ عددهم 3 ملايين و392 ألف.
أما بخصوص بطالة حاملي الشهادات العليا فقد بلغ عددهم حوالي 242 ألف في الثلث الثالث لسنة 2015 مقابل 222.9 ألف في الثلث الأول لسنة 2015 بازدياد نحو20 ألف عاطل ضمن هذه الشريحة، وتقدر بذلك نسبة البطالة في هذه الفئة 32%.