أطلقت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، مساء أمس الثلاثاء، “برنامج تحقيق الاستقرار في ليبيا”، عقب اجتماع بالعاصمة التونسية، شارك فيه عدد كبير من المؤسسات المالية والمنظمات الإقليمية والدولية وإضافة لممثلين عن عدة دول عربية.
ويشكل هذا البرنامج حسب بيان صادر عن بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عقب الاجتماع واحدة من مبادرات دعم حكومة الوحدة الوطنية الليبية، بدعم من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والمجتمع الدولي.
تعهدت ألمانيا بتقديم دعم إلى ليبيا بمبلغ قدره 10 مليون يورو لسنتين، والولايات المتحدة الأمريكية بمبلغ قدره 2 مليون دولار للسنة الأولى، من جانبها تعهدت إيطاليا بتقديم دعم إلى ليبيا بقيمة 2 مليون يورو للسنة الجارية، والمملكة المتحدة 1 مليون دولار للسنة الأولى، كما تعهدت قطر بمبلغ 2 مليون دولار، والنرويج بمبلغ مليون دولار، تليها سويسرا بـ 250 ألف دولار أمريكي.
وانعقد اجتماع كبار الموظفين حول الدّعم الدولي إلى حكومة الوفاق الوطني في ليبيا في تونس أمس الثلاثاء، بمشاركة ممثلين عن 15 مؤسسة مالية ومنظمة إقليمية ودولية متخصصة و40 دولة عربية وغربية، وأشرف على تنظيمه كل من بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا وسفارة المملكة المتحدة بليبيا.
ووفق البيان أعرب أعضاء المجتمع الدولي الآخرين بينهم الاتحاد الأوروبي وروسيا وكندا وهولاندا وكوريا الجنوبية، تأييدهم التام وأبدوا رغبتهم في المساهمة المالية دعمًا للمشروع.
ويطمح هذا البرنامج، وفق نص البيان، إلى دعم حكومة الوفاق الليبي لتقديم نتائج ملموسة إلى شعبها، ويتكفل البرنامج المرفق من أجل تحقيق الاستقرار في ليبيا بعمليات إعادة تأهيل البنى التحتية الحيوية التي دمرها النزاع للنهوض بمستوى تقديم الخدمات الأساسية على المستوي المحلي، وينفذ هذا البرنامج بقيادة ليبية حيث يترأس مجلس إدارة المشروع رئيس الوزراء الليبي أو من ينوب عنه بالاشتراك مع الأمم المتحدة، وأضاف ذات المصدر أن هذا البرنامج مقدم لخدمة جميع الليبيين، وسيعود بالفائدة على بلديات في المناطق الشرقية والغربية والجنوبية في القطر الليبي.
يمكن لهذا المشروع تمويل عمليات إعادة تأهيل البنى التحتية العامة وإصلاحها، بما فيها العيادات والمشافي ومراكز الشرطة ومحطات تصفية المياه وخدمات الصرف الصحي وشبكات ومحطات الطاقة الكهربائية، كما يمكن لهذا المشروع أيضًا أن يقدم الدعم للأعمال التجارية الحيوية التي دمرها النزاع في ليبيا، أو حتى تلك التي تعرضت للإهمال بالرغم من أهميتها الحيوية بالنسبة للمجتمع كالمخابز الكائنة في المناطق المتضررة، والتي اضطر الأهالي فيها لابتياع الخبز من مناطق أخرى.
يأخذ برنامج الأمم المتحدة الإنمائي على عاتقه تنفيذ العمليات التي تصب في مشروع تحقيق الاستقرار في ليبيا، بينما سيقع اختيار طبيعة الأعمال التي تتم ضمن هذا البرنامج بناءً على تقييم الحاجيات على أرض الواقع، وبموجب الاتفاق بين حكومة الوفاق الليبي والسلطات المحلية والمجتمع المدني والأهالي المعنيين بالمشروع يتم تحديد تسلسل الأولويات في الغرض.
في البدء سينحصر المشروع في محليات مختارة من المناطق الشرقية والغربية والجنوبية، ويمكن توسيع نطاق البرنامج حسب توفر التمويل ليشمل جميع المناطق الليبية، وفق المصدر ذاته.
من جانبه أكد نائب رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا علي الزعتري أن عدة دول قدمت مساعدات مالية إلى ليبيا، من ذلك إيطاليا وألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية، وبعض الدول العربية، لكن بلاده لم تحصل سوى على نسبة 11% من قيمة الدعم الممنوح لها، وقال على هامش الاجتماع الذي نظمته كل من بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، وسفارة المملكة المتحدة في العاصمة التونسية، أمس، إن الليبيين يأملون في إعادة تصدير النفط إلى كل دول العالم حتى تتمكن بلادهم من تجاوز أزمتها الاقتصادية، وكشف الزعتري أن هناك عدة صعوبات تعرقل الدعم الممنوح إلى ليبيا، من ذلك مشاكل تخص التمويل، مؤكدًا أن نجاح حكومة الوفاق الوطني في مهامها سيمكن من إيجاد حلول للأزمة الليبية.
وفي سياق متصل قال نائب رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية، موسى الكوني، الذي مثّل حكومة الوفاق في اجتماع تونس، أن “الدعم الشعبي الذي لقيه المجلس الرئاسي عند دخوله للعاصمة طرابلس، لن يتواصل إن لم يتم إيجاد حلول للأزمة الاقتصادية والإنسانية التي تعيشها ليبيا”، وأوضح أن التأييد الشعبي لـ “الوفاق” قد لا يستمر طويلاً إذا لم تنجح في تلبية الاحتياجات العاجلة لليبيين، داعيًا إلى التوجه لمعالجة الأوضاع الأمنية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد، حيث قال، خلال افتتاح الاجتماع، إن “التأييد الشعبي لحكومة الوفاق قد لا يستمر طويلاً إذا لم ننجح سريعًا في تلبية احتياجات الشعب الليبي، خاصة توفير الأمن، ودعم القطاعات التي تضررت بنيتها الأساسية في سنوات النزاع،” وتابع “يجب التوجه مباشرة لمعالجة الأوضاع الأمنية والاقتصادية الملحة وتحقيق المصالحة الاجتماعيّة ولم شمل الليبين واستعادة توحدهم.”
بدوره، قال وزير الخارجية التونسي، خميس الجهيناوي، إن “دعم ليبيا مستقبلاً يجب أن يراعي الحاجيات المستعجلة للشعب الليبي، ويجب أن يتم حصريًا تحت إشراف بعثة الأمم المتحدة للدّعم في ليبيا،” مضيفًا، خلال كلمة له في افتتاح الاجتماع، أن “الدعم الدولي لليبيا سواء على الصعيد الثنائي أو متعدد الأطراف ظل يشكو عدة نقائص، وذلك بسبب عجز الحكومات المتعاقبة على ليبيا في تحديد احتياجاتها وأولوياتها بصفة واضحة.”
باولو جنتيلوني في ليبيا
وفي أول زيارة لمسؤول غربي رفيع المستوى منذ دخول حكومة الوفاق إلى طرابلس، أعلن وزير الخارجية الإيطالي باولو جنتيلوني خلال زيارة أدها إلى العاصمة الليبية أمس الثلاثاء، أن أولوية المجتمع الدولي تتركز على مساندة حكومة الوفاق الوطني في الاستقرار، قبل البحث في مساعدة هذه الحكومة لمواجهة التهديدات الإرهابية.
وقال الوزير الإيطالي خلال مؤتمر صحافي في قاعدة طرابلس البحرية حيث مقر حكومة الوفاق الوطني إن “رسالة إيطاليا والدول الأخرى هي توفير الدعم الكبير والموحد، داخليًا وخارجيًا لهذه السلطة”، وأضاف جنتيلوني، أنه سيتم فتح الأجواء الإيطالية للطائرات الليبية لاستئناف الرحلات الجوية بين البلدين، كما أكد أن طرابلس ستشهد زيارات قريبة لمسؤولين دوليين دعمًا للوفاق الذي تم التوصل إليه، بدون أن يشير إلى شخصية أولئك المسؤولين.
وتابع “إيطاليا تدعم حكومة الوفاق الوطني لأن هذا الأمر سيفسح الطريق أمام استقرار ليبيا، وبعدها يمكننا أن نتعامل مع قضية تهريب البشر والمهربين والإرهاب، هدفنا مساعدة الحكومة في عملها على استقرار ليبيا”، وكانت إيطاليا قد علقت عمل سفارتها في طرابلس بسبب تدهور الوضع الأمني في شباط/ فبراير 2015، وكانت آخر سفارة غربية في ليبيا تسحب موظفيها، وأبدت دول غربية استعدادها لإعادة فتح سفاراتها بعد الهدوء النسبي الذي تشهده طرابلس منذ دخول حكومة الوفاق الوطني إليها.
من جهته، قال معيتيق إنه تم الاتفاق مع الجانب الإيطالي على عقد مؤتمر دولي في روما لدعم ليبيا في الفترة المقبلة، وإنه سيتم تفعيل الاتفاقات الليبية الإيطالية وإبرام عدد من الاتفاقات الاقتصادية بين البلدين وتسهيل دخول الليبيين إلى دول الاتحاد الأوروبي عبر إيطاليا.
ووصل عدد من موظفي بعثة الأمم المتحدة لدى ليبيا إلى العاصمة طرابلس عن طريق مطار معيتيقة، أمس الثلاثاء، وذلك لمباشرة أعمالهم من جديد في أحد المقرات التابعة للبعثة الأممية، حيث قال مصدر أمني أمس، إن عددًا من أعضاء البعثة الأممية وصلوا إلى العاصمة طرابلس لمباشرة أعمالهم من أحد المقارّ التابعة للبعثة الأممية في طرابلس، وأنهم غادروا المطار رفقة دوريات تابعة للأمن الدبلوماسي، لغرض تأمينهم ونقلهم إلى مقر إقامتهم.
وكانت بعثة الأمم المتحدة قد سحبت موظفيها من ليبيا لتدهور الأوضاع الأمنية، حيث صرحت وقتها بأنها ستعمل على إعادة موظفيها في حال عاد الهدوء إلى البلاد.
وخلال الأسابيع الماضية، تعثّر انتقال أعضاء المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق من تونس إلى العاصمة الليبية طرابلس لممارسة مهامهم؛ بسبب معارضة أطراف في حكومتي طرابلس (غربًا) والحكومة المنبثقة عن مجلس نواب طبرق (شرقًا)، قبل أن يصل رئيس الحكومة “فائز السراج” وعدد من أعضاء حكومته إلى طرابلس بالفعل قبل أسبوعين، ويعلن مباشرة حكومته لأعمالها.
البرلمان الليبي يصوت على منح الثقة لحكومة الوفاق
وأعلن نائبان ليبيان أمس الثلاثاء أن برلمان طبرق سيصوت يوم الإثنين القادم على منح الثقة لحكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج، على أن تكون جلسة التصويت “آمنة ومنقولة على الهواء.”
وقال النائب علي تكبالي إن رئيس المجلس النيابي عقيلة صالح ونائبه امحمد شعيب اتفقا على “عقد جلسة يوم 18 أبريل للتصويت على الحكومة، وعلى أن تكون الجلسة منقولة على الهواء وآمنة.”
ويحاول البرلمان عقد جلسة للتصويت على الحكومة منذ أسابيع، إلا أنه يعجز عن ذلك، بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني وسط مقاطعة من قِبل نواب يشتكون من تعرضهم “للترهيب” من قِبل نواب آخرين من أجل رفض الحكومة.
وذكر تكبالي أن الاتفاق بين رئيس البرلمان ونائبه ينص على أن يحضر المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني برئاسة السراج الجلسة، وعلى أن يكون التصويت “على كل وزير على حدة وليس على الحكومة مجتمعة“. وتابع أنه “إذا اعترض 40 نائبًا على وزير يتم إسقاطه، وإذا سقط 6 وزراء تسقط الحكومة.”
من جهتها أوضحت النائبة صباح جمعة أنه تقرر خلال الاجتماع بين صالح وشعيب “أن تتم المشاورات مع الكتل الرافضة للحكومة داخل المجلس هذا الأسبوع، على أن يكون يوم الإثنين القادم جلسة رسمية للتصويت على الحكومة”.
وبحسب تكبالي وجمعة، فإن الجلسة ستشمل أيضًا التصويت على دمج الاتفاق السياسي الموقع في المغرب، بالإعلان الدستوري الصادر في العام 2011.
وكان 100 نائب من بين 198 من أعضاء برلمان طبرق وقعوا في مارس الماضي بيان تأييد لحكومة الوفاق الوطني، بعدما فشل البرلمان في مناسبات عدة في عقد جلسة التصويت على الثقة.
وبموجب وساطة الأمم المتحدة وخطط مدعومة دوليًا لحل الصراع المدني في ليبيا، فإنه من المقرر أن تحل حكومة وفاق وطني برئاسة السراج، محل كل من الحكومة في طرابلس ومنافستها في مدينة طبرق الواقعة شرقي البلاد.
وتبقى المادة الثامنة الواردة في الملاحق الإضافية من الاتفاق السياسي المبرم في الصخيرات المغربية محل جدل بين الاطراف الليبية, وتنص هذه المادة على انتقال جميع صلاحيات المناصب العسكرية والمدنية والأمنية العليا، المنصوص عليها في القوانين والتشريعات الليبية النافذة إلى مجلس الوزراء، ويعتبر مجلس نواب طبرق أن عدم وجود ضمانات حقيقية بعدم المساس بالمؤسسات العسكرية، ستكون العائق أمام منح الثقة لحكومة الوفاق.
قال رئيس مجلس النواب المنعقد في طبرق شرقي ليبيا، عقيلة صالح، في هذا الشأن، إنه “متمسك بقيادة خليفة حفتر للجيش (المنبثق عن المجلس سالف الذكر)”، واصفًا الإجراءات التي اتخذها رئيس حكومة الوفاق الوطني، فايز السراج، بعد وصوله طرابلس، بـ”الباطلة ،”وأوضح صالح، المتواجد في القاهرة، في مقابلة متلفزة مع إحدى المحطات الخاصة بثت مساء أمس، أنه “متمسك بقيادة حفتر للجيش”، ويرفض “المساس بالقيادة العسكرية”، التي كان لها دور في مواجهة ما اعتبره “فوضى”، ورفض صالح، جميع الإجراءات التي اتخذها السراج منذ وصوله مؤخرًا لطرابلس، قائلاً: “هذه الطريقة مؤشر على أن هذه الحكومة مفروضة من الخارج للأسف”، وأضاف “ما تم في طرابلس إجراءات باطلة، ولا يجب أن تتم قبل حلف اليمين وكان يجب أن يتم التريث حتى نيل الثقة،” وتابع “إذا استشعرنا أن الحكومة مرفوضة، فلن نفرط بكرامة الشعب الليبي والسيادة الليبية”، في إشارة لرفض حكومة الوفاق الوطني.
وفشل مجلس النواب المنعقد في طبرق بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني، في عقد جلسة له لنحو ثمانية مرات، خلال الفترة الأخيرة، من أجل المصادقة على ممارسة حكومة التوافق الوطني أعمالها من طرابلس؛ ما دعا الأخيرة إلى التوجه إلى طرابلس قبل بضعة أيام، وبدء ممارسة مهامهم.
وتحت رعاية الأمم المتحدة، وقعت وفود عن طرفي الصراع في ليبيا، في 17 ديسمبر/ كانون أول الماضي، على اتفاق في مدينة الصخيرات يقضي بتشكيل ثلاثة أجسام تقود المرحلة الانتقالية في البلاد وهي: “حكومة الوفاق الوطني” برئاسة فائز السراج، و”مجلس أعلى للدولة” يتكون من 145 عضوًا من المؤتمر الوطني (البرلمان المنعقد في طرابلس) و”المجلس الرئاسي” المتكون من رئيس الحكومة ونوابه، إضافة إلى إبقاء مجلس النواب (البرلمان المنعقد في طبرق) كجهة تشريعية وحيدة.