منذ التطورات السياسية التي شهدتها المغرب منذ خمس سنوات، يشهد الوضع الاجتماعي في البلاد تحركات احتجاجية تتبنى مطالب اجتماعية مُلحة، لكن المشكلة الوحيدة التي تواجهها هذه الثقافة الاحتجاجية الجديدة هي التنسيق والمشاركة السياسية الفاعلة.
ووفقًا لمراسل صحيفة “ميديابار” في المغرب، وحسب الأرقام الرسمية المعلنة عنها في يناير/ كانون الثاني، من قبل وزير الداخلية، أن المغرب تشهد قرابة خمسين مظاهرة يومية، حيث اعتبرت هذه الأرقام مؤشر ديمقراطي جيد في ذلك الوقت، لكن بعد خمس سنوات من الاحتجاجات من حركة شباب 20 فبراير/ شباط، التي طالبت بالتغيير الاجتماعي السياسي والعميق، والتي انضمت إليها مجموعات من إيديولوجيات وثقافات مختلفة، آلت هذه الاحتجاجات إلى اضمحلال نسبي.
ومن بعض المفارقات الغريبة والموجودة في المغرب، أنه في الظاهر يبدو الأمن مستتبًا في كامل أرجاء البلاد، لكن هذا لا يعني عدم وجود ثقافة حقيقية احتجاجية متفشية في كامل البلاد، من ريفها إلى مدنها، حيث توجد العديد من الحركات الاجتماعية المُنظمة والعفوية تطمح إلى تحقيق تغيير حقيقي ومع ذلك، فهي معزولة، ممّا يجعل السلطات المغربية تستغل نقطة الضعف هذه وتقوم بتضييق الخناق على هذه الاحتجاجات السلمية، عن طريق التفاوض بشكل منفصل مع كل الأطراف المحتجّة.
وفي هذا السياق، يقول الأمين العام لمنظمة الشفافية في المغرب، فؤاد عبد المومني، إن “هذا الواقع المغربي مثير للجدل، فعندما كان هناك شعارات مُنددة بالفساد والاستبداد، بدأت الدولة بإخماد هذه الحركات الاجتماعية، من خلال التفاوض مع كل فئة منفصلة، محاولة تلبية طلبات كل فئات المجتمع المغربي وفصائله، من خلال تقديم الكثير من الوعود والقيام بزيادة في الأجور، التي لم تكن تتوقعها النقابات العمالية في ذلك الوقت”.
كما أضاف، فؤاد عبد المومني أن بهذه الطريقة تقول لنا الحكومة المغربية نحن نشتري تواطؤكم، نحن نشتري صمتكم، لتحقيق السلام الاجتماعي، وبهذه الطريقة تقوم الدولة بإعاقة تقدمنا وإضعاف قوتنا وكسب المزيد من الوقت، لكن هذه النجاحات التكتيكية للحكومة تتعارض مع المصالح الاستراتيجية للبلاد ومع الفكر المعاصر التغييري الذي يطمح إلى زوال مثل هذه الممارسات.
ووفقًا لعضو سابق من الحركة الماركسية اللينينية، محمد بولايش، فإن الوضع الذي آلت له الحركة النقابية كان بسبب حملة ممنهجة تشويهية تعرضت لها، أدّت في نهاية المطاف إلى خمولها وجمودها.
مضيفًا أن تعدد وتنوع هذه الحركات النقابية كان عائقًا رئيسيًا أمام تقدمها وتوحدها، في أغلب الأحيان كان توحدها غير مجدٍ وغير مثمر أو يكون لإثارة الرأي العام أو إحداث بلبلة اجتماعية فقط، ولذلك بالنسبة له، تتمثل الوحدة النقابية حجر الأساس لبناء مستقبل ديمقراطي.
وعلى الرغم من هذا المناخ المشحون بالعديد من الضغوط، استطاعت العديد من الحركات الاحتجاجية البروز واحتلال الصفحات الأولى من الصحف المحلية وتنشيط شبكات الإنترنت، ولكن سرعان ما تسقط هذه الحملات الاحتجاجية في بحر النسيان.
مؤخرًا، كان خروج آلاف الأشخاص في شوارع طنجة احتجاجًا على ارتفاع فواتير المياه والكهرباء ضد شركة أمانديس، محور حديث ومحط أنظار العديد من الجهات النقابية، لكن سرعان ما قامت هذه الشركة بإعادة النظر في بعض القوانين، كما وعدت بتركيب عدادات فردية وتوفير عدادات الكهرباء مسبقة الدفع.
أما في تشرين الثاني/ أكتوبر الماضي، قام بعض السكان بقطع التيار الكهربائي بصفة متعمدة، كما قاموا بالخروج إلى الشوارع حاملين الشموع بأيديهم، محتجين بصفة غير مباشرة على ارتفاع الأسعار، وقد تواصلت هذه الوقفة الاحتجاجية لعدة أسابيع، وعلى إثر ذلك، قام رئيس الحكومة ووزير الداخلية بالتنقل إلى عين المكان محاولين العثور على حل للخروج من هذه الأزمة.
وفي نفس هذا السياق، قام العديد من الطلاب من كلية الطب بتنظيم إضراب عام في السنة الماضية، دام لمدة شهرين تقريبًا، بهدف تعديل مشروع الخدمة الصحية الإلزامية وزيادة مخصصاتهم.
وقد تمثلت آخر حركة احتجاجية مغربية، تلك التي قام فيها عدد من المدرسين المتربصين بإدانة اثنين من القرارات الوزارية التي تهدف إلى تقليل من فرص حصولهم على الخدمة العامة، في حين أن القرار الثاني، كان يهدف إلى تخفيض المنحة التدريبية، من 2400 درهم إلى 1200درهم، حيث أدّت هذه الإجراءات الوزارية إلى خروج الآلاف من المواطنين إلى شوارع الدار البيضاء، يوم 20 آذار/ مارس 2016.
وفي هذا السياق، نقلت الصحيفة موقف مؤسس حركة شباب 20 فبراير، وعضو جمعية أطاك المغرب، حسن أكرويد، والذي مفاده أن “هذه الحركات الاجتماعية موجودة وعديدة، ولكنها للأسف منقسمة، كما أن هناك ديناميكية حقيقية تأجج هذه الحركات الاحتجاجية، ولكنها تفتقر إلى مفهوم التضامن الحقيقي، الذي سيكون مفتاح تطوّرها ونجاحها في تحقيق مساعيها”، مضيفًا أنه، ستساعد صعود الليبرالية الجديدة في نمو هذه الثقافة الاحتجاجية، المطالبة بالمحافظة البيئية والمدافعة عن الحق في الصحة والسكن.
منذ سنة 2011، لم يتمكن أي منتدى إقليمي من توحيد هذه الحركات الاحتجاجية ومن تأمين تواصلهم، لكن تمكنت حركة شباب 20 فبراير من ضخ زخم حقيقي في هذه الحركات، حتى إنها استطاعت إدماج الفئات الرافضة للمشاركة في مثل هذه التظاهرات الاحتجاجية السلمية وكذلك تمكنت من التنسيق بين الخريجين العاطلين عن العمل، الذين يسعون إلى حصولهم على وظيفة فقط، رافضين التعبير عن أي مطالب سياسية.
وفي هذا السياق، يقول حسن أركويد، “تعتبر المطالب السياسية أقل أهمية من المطالب الاجتماعية في هذه الحركات، نظرًا لضعف تنظيمها وقيادتها، ونستطيع أن تكتشف هذا الضعف التنظيمي من خلال طريقة الاحتجاجات وطبيعة المطالبات، وفي أغلب الأحيان، كانت أغلب الشعارات التي يهتف بها المتظاهرين مستمدة من حركة شباب 20 فبراير ومن حركات احتجاجية أخرى، رغم أن المطالب كانت اجتماعية بحتة”.
كما يقول عبد المومني، إنه لم تكن أهداف ووجهات نظر هذه التظاهرات الاحتجاجية مُوحّدة أو حتى منظمة، لكي تستطيع تحقيق تغييرات جذرية في المبادئ التوجيهية للدولة أو في سياسة البلاد المعتمدة، سواء كان ذلك في البرلمان أو الحكومة، كما أضاف عبد المومني، “أن الحركات الاجتماعية المتواجدة على الساحة المحلية تفتقر بالأساس إلى منظور سياسي ثاقب”.
وبالتالي، مع كل هذه الحركات المبعثرة، إذا كيف نستطيع تقييم حرية الاحتجاج وحرية التعبير، أي الحقوق المنصوص عليها في الدستور الذي اعتمد في عام 2011، وعلى ضوء هذه التناقضات السياسية المغربية، أصبحت هذه المظاهرات الاحتجاجية التي يقوم بها الطلاب، الناشطين في مجال حقوق الإنسان والعاطلين عن العمل، في الرباط غير مجدية.
نظرًا لتواتر العديد من المظاهرات، لم تعد تكتسي طابعًا جديًا، حتى إن عنف الشرطة المسلّط ضد المتظاهرين، أصبح أمرًا عاديًا في شوارع المغرب.
ولكن تحت إشراف حركة 20 فبراير، وفي غضون بضعة أسابيع، تمّ توحيد صفوف العديد من الجمعيات المغربية وتنسيق عملية التواصل بينها التي نجد منها؛ جمعية أتاك المغرب والجمعية المغربية لحقوق الإنسان.
أما في الوقت الراهن، أعرب النشطاء الحقوقيون أن الوعود بتحقيق مطالبهم كانت زائفة، ولكنهم متفقون أن جدار الخوف قد سقط، وهذا بحد ذاته يعتبر إنجازًا كبيرًا، حيث أصبح الناس يجرؤون على المطالبة بحقوقهم، وبالنسبة لهم، يعتبر هذا هو بداية الطريق نحو الوعي السياسي وتحقيق المواطنة الفعالة.
وفي هذا السياق، يقول الناشط في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، محمد جعيت، إنه يهنئ المغرب على هذا المكسب الحقيقي المتمثل في حرية التعبير والذي جاء ثمرة موجة من الاحتجاجات، التي صمدت في وجه كل المحاولات القمعية وكانت قادرة على الدفاع عن حقوقها من دون تفويض أي وسطاء حزبيين أو نقابيين، ويعتقد جعيت أن الفضل يرجع لتجربة 20 فبراير.
منذ ثلاث سنوات، اندلعت شرارة الثورة في إقليم ميدلت، عندما قام مدعي عام في المحكمة الابتدائية بإهانة ميكانيكي وتجمع 5000 شخص محتجين على هذه الإهانة، تصدرت هذه الحادثة الصحف والشبكات الاجتماعية في تلك الأيام، واعتبرت هذه الحادثة “روح 20 فبراير”.
كما وضّح منسق الشبكة الوطنية للعمال والمسؤول عن الجمعية المغربية لحقوق الاقتصادية والاجتماعية، عبدالله لفناطسة، أنه يعمل على تعميق الوعي المدني للعمال بضرورة النقابة العمالية، كما صرح أنه كان مسؤولاً في عقد العديد من الاعتصامات والاحتجاجات، مؤكدًا أنه لم تحقق أي من مطالبه، ولكنه لم يستسلم.
وفي الختام، أعرب لفناطسة أن السلطات تحاول تعميق الفكر القمعي والخوف في اللاوعي المغاربي، مشيرًا أن الوضع الاجتماعي الراهن محتاج لشرارة أخرى، مثل تلك التي صارت في 20 فبراير، مؤكدًا أنها ستحصل، لأن المناخ العام في المغرب سانح والثروة مازالت محتكرة من قِبل أقلياتٍ من الشعب المغربي.
المصدر: ميديابار / ترجمة من الفرنسية: إيوان 24