شهدت السنوات الماضية للمنطقة العربية اهتمامًا متزايدًا بشركات المشاريع الصغرى والناشئة، إدراكًا من الحكومات أن مفتاح النمو في المنطقة العربية هو الاستثمار في هذا النوع من الشركات في ظل الركود الذي اجتاح الأسواق المالية العربية والعالمية بعد الأزمة المالية عام 2008.
خاصة أن مشاريع الشركات الناشئة تعتمد على الإبداع والتطوير والتميز في تقديم السلعة والخدمة بشكل جديد في السوق، وتعاني معظم الاقتصاديات العربية من نقص حقيقي من هذا النوع من الشركات لعوامل لا تتمتع بها الدول العربية لقيام هكذا شركات أهمها الاستقرار السياسي والاقتصادي وسهولة الحصول على تمويل للمشروع والتشريعات القانونية في البلد لتأسيس الشركة وترخيصها، وقلة مراكز البحث والتطوير العلمي في البلدان العربية والتأخر التكنولوجي.
وفي ظل هبوط أسعار النفط العالمية إلى عتبة 30 دولارًا للبرميل بات توجه الدول العربية عامة والخليجية خاصة نحو الاستثمار بالمشاريع الصغيرة والناشئة بكل مجالاتها حتى بات المسؤولون في الحكومات العربية على يقين تام أن هذه المشاريع هي التي ستخلصها من عبء تأمين الوظائف للشباب في القطاع الحكومي، لذا العديد من الدول العربية في مقدمتها الخليجية التي تعاني من ارتكاز ميزايناتها على إيرادات النفط عملت على تأمين الدعم اللازم للمشاريع الصغيرة والناشئة وأبرز الأمثلة على ذلك، تأسيس الكويت لصندوق المشاريع الصغيرة والمتوسطة الذي يتولى تأسيس جزء كبير من قيمة المشاريع للشباب الكويتي، وقيام قطر بإنشاء جهاز خاص يدعم ويمول المشاريع الصغيرة وإرسال الشباب للمشاركة في دورات تدريبية في المؤسسات العالمية، واعتماد الحكومة السعودية على الشباب أكثر في قيادة وتنفيذ مشاريع كبرى وتشجيعها لهم على الاستثمار أكثر.
وقد وصل عدد الشركات الصغيرة والمتوسطة في الكويت حتى نهاية عام 2014 إلى نحو 25 ألف مؤسسة صغيرة ومتوسطة الحجم تعد المساهم الرئيسي في النشاط الاقتصادي في الكويت، وفي الأردن تشكل هذه الشركات نسبة 99.4% من إجمالي الشركات الأردنية ويصل عددها إلى 156 ألف منشأة تشكل 40% من الناتج المحلي الإجمالي وتستحوذ على 70% من حجم العمالة، وتعد التجارة الإلكترونية لها نصيب الأسد من الشركات الصغيرة والناشئة في العالم العربي في ظل الازدهار الكبير في عدد مستخدمي الهواتف الذكية وشبكة الإنترنت في جميع أنحاء العالم.
وليس عجيبًا أن نرى المستثمرين يهربون من الاستثمار في البورصات إلى الاستثمار في القطاع الخاص والمشاريع الصغيرة ذات العائد المالي المستقر، والمعروف أن هذا النوع من الشركات يستهلك عمالة أكثر من الشركات الكبيرة وتعتمد عليه معظم الدول في التخفيف من معدل البطالة.
إذا كنت شابًا في المنطقة العربية ولديك فكرة عمل وتريد أن تكون من رواد الأعمال في العالم العربي فعليك معرفة ما هي الدول الأصلح لتأسيس شركة ناشئة أو مشروع صغيرة، هذا التقرير سيفيدك في معرفة البلد الأكثر استقرارًا سياسيًا واقتصاديًا وسهولة الحصول على رأس مال لتأسيس الشركة وكلفة إيجار للشركة مع ما يرافقها من تجهيزات وتوفير العمالة اللازمة ورواتبهم، علمًا أن البلدان التالية لم ترتق بعد لاحتضان شركات ناشئة ذات دور ابتكاري تنافس فيه الشركات العالمية ومجمعاته والتي يعد أهمها وادي السيليكون في أمريكا.
السعودية
بلد مستقرة سياسيًا على الرغم من الحروب التي تخوضها الحكومة على عدة جبهات عربية ولكنها لم تؤثر على الوضع السياسي الداخلي، اقتصاديًا المملكة تعاني من مشكلة اعتماد ميزانيتها على النفط بشكل كبير وهي تسعى من خلال خطة التحول الوطني إلى الانتقال نحو عالم الاستثمار أكثر والانفتاح أكثر على المشاريع والاستثمارات الأجنبية من خلال تأسيس صندوق سيادي سيعد الأكبر في العالم.
تتميز الرياض بمرونة تأسيس الشركة الفردية وبساطة الإجراءات وعدم التقيد بحد أدنى لرأس المال وهذا يجعلها مدينة جاذبة لرواد الأعمال العرب ممن يملكون أفكارًا خلاّقة تحتاج لمكان لتطبيقها وتبنيها من قِبل العديد من المؤسسات المالية والمصارف العاملة في المملكة وهي كثيرة، كلفة استئجار مكتب تصل إلى حوالي 5 آلاف دولار وتصل تقديرات التجهيزات إلى 4 آلاف دولار، وتتوفر في المملكة العمالة الضرورية كونها بلدًا مستقبلاً للعمالة.
الإمارات العربية المتحدة
تعد دبي واجهة دولة الإمارات وقبلة الاستثمارات العربية والأجنبية تتمتع الدولة بالاستقرار السياسي والاقتصادي ويتمتع اقتصادها بالتنوع النسبي بعيدًا عن إيرادات النفط، وحازت على مراتب متقدمة في مؤشرات المنافسة العالمية وستستقبل دبي معرض إكسبو في عام 2020.
تأسيس شركة في الإمارات لا يتطلب رأس مال محدد، فالدولة لا تلزم الشركات التجارية بحد أدنى لرأس المال لتوفير المرونة اللازمة في تأسيس الشركات، وبالنسبة لكلفة استئجار مكتب في دبي مثلاً مرتفعة حيث تصل إلى 4500 دولار شهريًا وتكاليف التجهيزات المكتبية بحدود 5 آلاف دولار، تحتوي دبي على مناطق حرة مثل جبل علي يتيح حوافز مغرية لأصحاب الشركات، فالمستثمر الأجنبي يمكنه تملك 100% من أسهم الشركة وإعفاء كامل من ضرائب الاستيراد والتصدير إلى جانب إعفاء الشركة من ضرائب الأرباح لمدة 15 سنة وعدم فرض ضرائب على الدخل الشخصي، بالنسبة للعمالة فهي متوفرة بكثرة في الإمارات فهي أيضًا بلد مستقبل للعمالة من جنسيات مختلفة.
قطر
دولة قطر تتمتع بالاستقرار السياسي والتشريعات الاقتصادية الملائمة لرؤوس الأموال وهي مصنفة في المركز الثاني عربيًا بعد الإمارات في قائمة مراكز المال العالمية بفضل البيئة الصالحة للاستثمار والمناخ المتنوع بالاستثمارات، وبات السوق القطري يمثل ثالث أكبر ناتج قومي في المنطقة، وستستضيف بطولة كأس العالم في العام 2022.
مع العلم أن قطر تعتمد في اقتصادها على المعرفة بشكل كبير، لذا إذا كان المشروع الذي تفكر فيه له علاقة بالمعرفة فقطر خيار جيد لما تحتويه من شركات إعلامية ومراكز بحوث أكاديمية، على العموم فالحكومة القطرية تسهل كثيرًا على المستثمرين في مجال تأسيس الشركات إذ تتيح تأسيس شركات الشخص الواحد لتجنب تعقيدات الشركات المساهمة التي تتطلب أكثر من مساهم.
لتأسيس الشركة يتوجب إيداع مبلغ 55 ألف دولار تقريبًا كحد أدنى لتأسيس الشركات، علمًا أن هذه الكلفة عالية نسبيًا ولكن التمويل متوفر في قطر لدى مؤسسات عديدة كالمصارف وحاضنات الأعمال التي تسهل عليك تأسيس الشركة والتمويل اللازم للمشروع، وبالنسبة لاستئجار مكان في الدوحة فمكتب مساحة 100 متر مربع تقدر تكلفته ب 2750 دولار، والتجهيزات المكتبية في قطر ليست غالية الثمن فمبلغ 4 آلاف دولار كافية لهذا الغرض، وبخصوص الأيدي العاملة فقطر بلد مستقبل للعاملة تتوفر فيها عمالة من مختلف الجنسيات والتخصصات.
الأردن
بلد مستقر سياسيًا مع ما يعانيه من توتر على حدوده مع سوريا، إذ تنعكس الأحداث الجارية هناك على الوضع الاقتصادي الأردني؛ فقد تم استقبال قرابة مليون لاجئ سوري في مخيمات لجوء منتشرة في المملكة يعيش جُلهم خارج تلك المخيمات بسبب الظروف المعيشية الصعبة فيها، الاقتصاد الأردني محدود الموارد ويعتمد بشكل رئيسي على قطاع الخدمات والتجارة والسياحة وعلى بعض الصناعات الاستخراجية كالأسمدة والأدوية والفوسفات والملح.
الحكومة الأردنية توفر من خلال شبكة قوانينها المالية تأسيس شركة فردية ولكن تحتاج إلى سداد قرابة 42 ألف دولار، تترواح متوسط قيمة إيجار المكتب في شوارع عمان بين 700- 850 دولار شهريًا والتجهيزات المكتبية من 4 إلى 5 آلاف دولار، العمالة المحلية متوفرة في الأردن وأكثر ما يميزها أن تكلفتها منخفضة مقارنة مع غيرها من الدول الأخرى.
الجزائر
دولة الجزائر مستقرة سياسيًا إلا أنها تعاني من ارتباك في ميزانيتها المالية بسبب اعتمادها بنسبة كبيرة على النفط والغاز لذا تأثرت بعد انخفاض أسعار النفط العالمية، وهي تحاول الآن التوجه نحو الطاقات المتجددة كبديل عن الطاقة الأحفورية للتخفيف من العجز الذي خلفه انخفاض أسعار النفط.
القانون الجزائري لا يتيح تأسيس شركة فردية ويشترط وجود مساهمين لتأسيس شركة ذات مسؤولية محدودة، علمًا أن الحد الأدنى لتأسيس الشركة في الجزائر هو 1052 دولار وهو مبلغ قليل، كما أن الإيجارات رخيصة تتراوح بين 400 و600 دولار والتجهيزات المكتبية 4 آلاف دولار تقريبًا، وتتوفر في الجزائر جامعات جيدة تخرج دفعات طلابية لسوق العمل وهي دولة غير مستقبلة للعمالة.