الرياض الحائرة بين مخاصمة أنقرة للقاهرة وحديث المصالحة مع تل أبيب!

لم يذهب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى القمة الإسلامية الثالثة عشر التي تبدأ أعمالها اليوم الخميس، 14 أبريل 2016م، وترأس وفد مصر بدلاً منه، وزير الخارجية سامح شكري، مما قطع المجال أمام جدل طال منذ أشهر طويلة، حول إمكانية ذهاب السيسي بصفته رئيسًا لجمهورية مصر العربية، إلى بلد يعلن صراحةً أنه يريد إسقاط السيسي ونظامه، ويحتضن رموز معارضيه الإسلاميين والليبراليين على حد سواء.
لم يكن متوقعًا بالإطلاق أن تحدث هذه الخطوة بالرغم من كل المحاولات السعودية الحثيثة من أجل تحقيق عربي إسلامي سُنِّي موحَّد، في إطار الصراع الراهن مع إيران، والذي بات عنصر استنزاف للرياض، وليس أدل على ذلك من المليارات التي تنفقها في الخارج، وعلى أزمات الإقليم وحلفائها، بينما تعاني من عجز كبير في الموازنة، وبدأت في الاستدانة من السوق المالية الدولية للمرة الأولى منذ عشر سنوات.
وعُرف ذلك ضمنًا، من خلال تصريحات مسؤولين ودبلوماسيين في إسطنبول، ومن بينها تصريح للأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، إياد بن أمين مدني، في مؤتمر صحفي عقده في إسطنبول، حول العلاقات التركية – المصرية؛ حيث إنه أكد على وجود “أزمات قائمة بين الدول الأعضاء”، وأن هناك محاولات لحلها، وأن المنظمة تنظر إلى العلاقات المصرية التركية من هذا المنظور، قبل أن يضيف أنه يأمل في فتح صفحة جديدة بين الدولتين “عقب انتهاء فعاليات القمة”.
الجملة الأخيرة التي قالها مدني تشير إلى أن الأمور لا تزال أمامها الكثير من الوقت والجهد من أجل تحقيق ما تصبو إليه الرياض فيما يتعلق بالجميع.
مبدئيًّا، كان من اللافت أن يقوم الملك سلمان بزيارتَيْه إلى القاهرة وأنقرة بشكل متوالٍ ومتصل؛ حيث لم يعد إلى الرياض بعد زيارته للقاهرة، وإنما ذهب إلى أنقرة مباشرةً، وقبل القمة الإسلامية ببضعة أيام، مجريًا مباحثات مطولة مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ومع رئيس الوزراء التركي، أحمد داوود أوغلو.
كان من بين أهم بنود هذه المحادثات، هو ملف المصالحة المصرية التركية، ويبدو ذلك من بعض المؤشرات التي لا يجب أن تمر على المتابع المدقِّق، ومن بين أهمها تأجيل القاهرة، حتى اليوم الأخير قبل القمة، لمستوى تمثيلها فيها؛ حيث غادر وزير الخارجية، سامح شكري القاهرة، مساء الأربعاء 13 أبريل، متجهًا إلى أنقرة.
كان هذا التأخير من جانب القاهرة، بحسب مصادر خاصة، في انتظار ما سوف ينتج عن لقاءات الملك سلمان في أنقرة، وفي إسطنبول، مع القادة الأتراك؛ حيث إن نتائج هذه المحادثات كانت سوف تحدد مستوى التمثيل المصري، بحسب رد أنقرة على مطالب القاهرة منها، وما نقله إليها العاهل السعودي.
رافق ذلك، حالة من الصمت التام من جانب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تحديدًا، فيما يتعلق بالموقف من القاهرة و”الانقلاب” و”النظام المجرم” فيها، مما دأب أردوغان في مثل هذه المناسبات على ترديده، بعد مواقف القاهرة التي أصرت على حزمة مطالبها من أنقرة، والمتعلقة بغلق القنوات الداعمة للإخوان، وتسليم القيادات المعارِضة المطلوبة للقضاء المصري المقيمة هناك، ووقف الحملات التحريضية ضد النظام المصري من جانب القيادة التركية.
كما أن هناك متابعين عدة لاحظوا أن هناك مستوى معين من التراجع في لغة الخطاب الذي تتبناه القنوات المحسوبة على الإخوان والمعارضة المصرية التي تُبث من تركيا، في الفترة الأخيرة.
وكان ذلك كله محل انتقادات نشطاء إسلاميين عدة في مصر، ولكنهم فسروها بأن الأمر يتعلق بإفساح المجال أمام زيارة الملك سلمان لكي تحقق نجاحًا فيما يتعلق بالعلاقات بين البلدَيْن، وعدم الإتيان بأمور قد تقود إلى إفساد الزيارة التي تركيا بحاجة شديدة إليها بسبب عزلتها الإقليمية المتزايدة حاليًا بسبب الموضوع السوري والأزمة مع روسيا، ومع أكثر من طرف في الشرق الأوسط.
ولكن، ولأسباب عدة مما لا مجال لمناقشته في هذا الموضع، رفضت أنقرة المطالب السعودية على ما يبدو؛ فكان سفر شكري – بحسب وزارة الخارجية المصرية – إلى تركيا لتمثيل مصر التي ترأس الدورة المنتهية من القمة الإسلامية، في القمة الجديدة ونقلها الرئاسة إلى تركيا.
تصريحات مدني المشار إليها تقول بأن الأمور بين القاهرة وأنقرة تدور حول ذات نقاط الخلاف، وأنه لا مجال للحديث عن مصالحة بين الجانبَيْن، ولكن ذلك لا يعني توقف السعوديين عن المحاولات، في ظل الاستمرار الراهن في الأزمة مع إيران، والتي تجد صداها في أكثر من موضع من الإقليم كما هو معروف؛ حيث أشار مدني إلى أن الجهود المبذولة في ذلك الاتجاه، سوف تستمر إلى مرحلة ما بعد القمة.
لا أحد يدري ما الذي دار في الكواليس خلال المؤتمر الوزاري الخاص بالإعداد للقمة، بين الدبلوماسيين المصريين والأتراك، ولكن أول ملاحظة هو أن شكري لم يذهب إلى تركيا إلا ليلة القمة، ولم يجتمع حتى الآن بأحد من المسؤولين الأتراك، ويبدو أن الأفق المصري مغلق تمامًا أمام تركيا، وأن مصر هي التي لا تسعى الآن إلى هذه المصالحة التي ترغبها الرياض.
إلا أنه يبدو أن ردود تركيا على السعودية – كذلك – قد أغضبت الرياض؛ حيث إنه، وبمراجعة سريعة لما كُتِب في الإعلام الرسمي السعودي، وكذلك صحف الداخل والصحف اللندنية، وهي مصادر موجَّهة بالدرجة الأولى، سوف يلحظ اختلافًا كبيرًا للغاية في تغطيات حدث زيارة الملك سلمان إلى تركيا، عن ذلك الذي تم مع زيارته مصر.
كما أنه، وفي إطار استمرار “احتفالات” الإعلام السعودي بغزوة سلمان الموفَّقة إلى مصر، وموضوع “استرداد” الجزيرتَيْن؛ كانت الرؤية المطروحة حول تركيا أكثر ميلاً إلى الاتجاه السلبي، وظهرت مقالات للرأي في صحف ومصادر سعودية ترى في السياسات التركية في الإقليم ما لا يبعث على الراحة.
وبينما كفَّت المصادر السعودية – بتعليمات رسمية كما ذكرت مصادر خاصة لنا في الوفد الإعلامي المرافق للملك سلمان – خلال زيارة العاهل السعودي إلى مصر، عن تداول أي شيء من شأنه تعكير صفو الزيارة، استمرت الصحف والمصادر الإعلامية السعودية المختلفة في تناول قضايا حقوق الإنسان والشأن السياسي التركي والملف الكردي، بشيء غير يسير من الانتقادات.
تركيا بين المصالحة مع إسرائيل والقطيعة مع مصر
ضمن الإطار الإعلامي السابق، أبدت بعض المصادر السعودية الكثير من الاستغراب من موقف أنقرة الرافض بشدة موضوع المصالحة مع مصر، بينما أعلنت الخارجية التركية قبل أيام رسمية، عن استئناف مفاوضات تسوية الأزمة السياسية الراهنة مع إسرائيل، وأن تطبيع العلاقات بين الحليفَيْن القديمَيْن بات وشيكًا.
وهو استغراب سعودي في محله في حقيقة الأمر، حيث إن التعاون الاقتصادي والعسكري بين أنقرة وتل أبيب لم يتوقف، حتى في ظل الحصار الإسرائيلي على غزة، وتبدو التقارير الأخيرة لرويترز ووكالات اقتصادية غربية عن أن تركيا ساعدت إسرائيل على الحفاظ على مرتبتها المتقدمة في سوق التقنيات العسكرية المتطورة، مثيرة للريبة في حقيقة الأمر.
المحلل الإسرائيلي بوعز بسموت، قال في “يسرائيل هايوم”، يوم 10 أبريل، ما يلي: “إن المصالحة التركية – الإسرائيلية التي نشاهد الإعداد لها، يجب أن توضع في هذا السياق بالضبط (سياق العزلة الإقليمية والدولية وأزمات تركيا الأمنية كما أشار)، يصعب على أنقرة أن تكون وحدها في الحي بدون أصدقاء: الإيرانيون لن يكونوا أبدًا شركاء حقيقيين، والعدو اللدود، الأسد، الذي كان مع قدمٍ ونصف في القبر، حظي بالحياة والحكم كهدية من بوتين الذي تحول منذ قضية الطائرة (السوخوي في نوفمبر 2013) إلى العدو الأكبر لأنقرة”.
ويضيف بسموت موضحًا أسباب إمكان إقبال تركيا على مصالحة مع إسرائيل: “أوروبا أيضًا، رغم الاتفاقات، ليست شريكة حقيقية لاسيما بعد اكتشافها أن داعش قد استخدمت المصفاة التركية من أجل عبور الحدود السورية نحو أوروبا من أجل تنفيذ العمليات، يُضاف إلى ذلك أن صفقات النفط بين تركيا وداعش، التي كشفت عنها روسيا، لا تساهم ولا تعمل على تحسين مكانة أنقرة في العالم”.
أما أخطر ما قاله بسموت فهو أن تركيا سوف تسعى لمصالحة مع إسرائيل لتفادي أن تقدم إسرائيل دعمًا للأكراد لإقامة دولتهم، اعترف الكاتب الإسرائيلي أن كيانه يقدمه منذ الخمسينات لأكراد العراق؛ حيث يقول: “لا شك أن مسألة استقلال كردستان هي مسألة مشروعة، ونحن لا نعرف لماذا توضع جانبًا (..) إحدى المشكلات الأساسية أمام اعتراف إسرائيل بكردستان، كانت التعاون بين إسرائيل وتركيا، وتصدُّع العلاقة بين إسرائيل وتركيا كان يمكن أن يدفع بإسرائيل إلى استكمال خطوة بدأت في الخمسينات في العراق، وفق المبدأ القائل: عدو عدوي هو صديقي، وقد يكون هذا هو سبب رغبة أردوغان في أن يكون صديقًا، لأنه يفهم أننا نعيش في عالم متغير”.
الأتراك يردون على ذلك، بأنهم في إطار مفاوضاتهم مع إسرائيل، فإنهم يعملون على تحقيق بعض المكاسب للفلسطينيين، ومن بين ذلك رفع الحصار عن قطاع غزة، وتنفيذ مشروع ميناء القطاع، وتحسين الظروف المعيشية للمواطنين هناك.
والصحافة العبرية قالت ذلك، فالهآرتس يوم 11 أبريل أيضًا، نشرت رؤية مهمة للمحلل تسفي بارئيل، قال فيها إن الأتراك في مفاوضاتهم مع إسرائيل، يسعون إلى رفع الحصار عن غزة.
كما أنه قارن فيها بين موضوع المصالحة بين القاهرة وأنقرة التي يقودها الملك سلمان، وبين الموضوع الإسرائيلي، وأهم ما ذكره من مرئيات إسرائيلية تتعلق بهذا الأمر، هو ما يتعلق بالترتيبات الإقليمية التي ترغب الرياض في تحقيقها، وتشمل الإخوان المسلمين في اليمن، وحركة “حماس”.
فيقول إن فالسعودية قلقة من عدم اندفاع مصر في موضوع إسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، ومن موقف السيسي “الغامض” من إيران، ومن مشاركة مصر التي وصفها بـ “المتواضعة جدًّا”، في الحرب في اليمن، وهناك أيضًا تحفظات للسيسي على سياسة السعودية، لاسيما أنه لا يمكنه تحمل العلاقة الحميمة التي نشأت في السنة الأخيرة بين الرياض وأنقرة، سنة حكم سلمان، التي تحولت فيها تركيا إلى حليفة ومكان للاستثمارات السعودية، بحسب بارئيل.
ويقول بارئيل إن السيسي كان يرغب في أن يطلب الملك سلمان من أردوغان الاعتذار عن التشهير به، وأن يتوقف عن دعم الإخوان المسلمين، وعن التدخل في شؤون مصر الداخلية، ولكن بدلاً من ذلك جاء الملك سلمان إلى القاهرة وأوضح للسيسي بأن الاخوان المسلمين هم شركاء في الصراع ضد الحوثيين في اليمن، وأن ضم “حماس” إلى التحالف العربي هو أمر حيوي من أجل كبح التأثير الإيراني، وأن تركيا هي الحليف الذي يجب على مصر التصالح معه.
ويضع بارئيل يده على العقدة المهمة التي تربط بين المصالحتَيْن، المصرية والإسرائيلية مع تركيا، فيقول إن التعاون بين إسرائيل ومصر، منح السيسي “الحق” في أن يطلب من تل أبيب توضيح ما إذا كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ينوي “خيانة” مصر، بحسب تعبير بارئيل، وأن يعانق أردوغان الذي يدافع عن الإخوان المسلمين.
بارئيل يشير إلى أن الملك سلمان قال لأردوغان، إذا كان يستطيع التصالح مع إسرائيل فلماذا لا يتصالح مع مصر؟ وكذلك فإنه سأل السيسي نفس السؤال، بحسب دبلوماسي تركي لصحيفة الهآرتس، كيف يُعقل أن يتعاون السيسي مع إسرائيل، ويقوم بقطع علاقته مع دولة إسلامية.
هذه الرؤية الإسرائيلية للحدث الذي لم يتم للآن، ويبدو أنه سوف يستغرق وقتًا أطول، سواء على جانب القاهرة أو جانب تل أبيب، مع أنقرة، يشير إلى أن أزمات المنطقة تعاني من الكثير من التشابك والتعقيدات، ولذلك فهي تتطلب الكثير من الحسابات التي تتطلب الوقت.. كل الوقت.