أغلقت السلطات الأردنية أمس الأربعاء، المقر الرئيسي لجماعة الإخوان المسلمين الأم، بقيادة المراقب العام للجماعة الدكتور همام سعيد، وطلبت من جميع الموظفين في داخله مغادرته، وفق الناطق الإعلامي باسم الجماعة المهندس بادي الرفايعة.
وقال الرفايعة ” إن قوات الدرك اقتحمت مقر الإخوان، صباح الأربعاء، وعملت على ختم مدخل المقر بالشمع الأحمر، مبينا أن نائب المراقب العام زكي بني ارشيد وعدد من أعضاء المكتب التنفيذي للجماعة، إضافة إلى عدد من الإداريين والموظفين كانوا داخل المقر.
ونفى الرفايعة قيام قوات الدرك باعتقال أي عنصر من عناصر الإخوان، أو مصادرة أي من مقتنيات أو حاجيات المقر، منوها إلى أن القوات طلبت ممن كان في داخل المقر المغادرة فقط، بناء على قرار من محافظ العاصمة خالد أبو زيد، بإغلاق المقر دون ذكر الأسباب.
وأشار الرفايعة إلى أن جماعة الإخوان، تتدارس القرار الأمني المفاجئ، مؤكدا على أن الجماعة ستصدر موقفها الرسمي من القرار استنادا إلى نصوص القانون.
وفي وقت لاحق من مساء اليوم أيضاً أغلقت الأجهزة الأمنية شعبة الجماعة في مدينة جرش (شمالاً)، كما سبق هذه القرارات إغلاق شعبة الجماعة في مدينة العقبة (جنوباً) قبل نحو شهرين.
الجماعة أصدرت بيانا صحفيا، أعلنت فيه “عزمها على اتخاذ كافة الإجراءات القانونية والسياسية لمواجه الضغوطات غير القانونية، التي أفضت أخيرا لإغلاق مقرها العام بالعاصمة عمّان”.
وقالت الجماعة في البيان: إن “هذا القرار يعيدنا إلى أيام الأحكام العرفية التي يتعطل فيها القانون والقضاء، فجماعة الإخوان المسلمين منذ تأسيسها وترخيصها عام 1945م عملت وفق القانون بما يخدم الوطن والشعب الأردني في شتى المجالات الدعوية والسياسية والخيرية والتنموية، وكانت دائماً في خندق الدفاع عن الوطن ومناصرة قضايا الأمة العربية والإسلامية”.
وأشارت الجماعة إلى أن “الإجراء مخالف للقانون بما يتضمن من تغول على القضاء من قبل الحكومة وأجهزتها التنفيذية بالرغم من القرار القضائي الذي صدر مؤخراً برد طلب إخلاء المركز العام”.
بدوره، عبر حزب جبهة العمل الإسلامي عن “أسفه واستهجانه الشديد لما أقدمت عليه الحكومة وأجهزتها الأمنية، من مداهمة وإخلاء وإغلاق المركز العام لجماعة الإخوان المسلمين بالشمع الأحمر، معتبراً أن هذا القرار سياسي ومخالف للأعراف والتقاليد القانونية”.
وللوقوف على رأي الحكومة، تواصلنا مع الناطق الإعلامي للحكومة الدكتور محمد المومني، لأخذ توضيح عن حيثيات وأسباب القرار، لكنها لم تحصل على إجابة لعدم الرد على الهاتف.
الخصاونة: قرار غير دستوري
في تعليق منه على قرار الإغلاق، رفض أستاذ علوم إدارة الحكومات الدكتور أنيس الخصاونة، قرار محافظ العاصمة بإغلاق مقر جماعة الإخوان المسلمين، واصفا القرار بأنه “غير قاوني وغير دستوري”.
وقال الخصاونة إنه “لا يحق للمحافظ إصدار قرار بإغلاق المقر، فقرار الإغلاق من عدمه يعود إلى القضاء، والقضاء قال كلمته سابقا في هذه القضية”، متسائلا : “بأي حق يتدخل محافظ عمان خالد أبو زيد في قرارات من شأنها أن يصدرها القضاة فقط؟”.
واعتبر الخصاونة أن “الإخراج الحكومي الأمني في هذه القضية، فاشل وغير صحيح”، داعيا أبناء الشعب إلى “الخروج إلى الشوارع للاحتجاج السلمي على القرار، وإظهار التضامن مع أعرق وأقدم كيان سياسي في المملكة”.
منشقون يرحبون ويشمتون
من ناحيته، رحب رئيس “جمعية جماعة الإخوان المسلمين” المرخصة من قبل الدولة مؤخراً، المحامي عبد المجيد ذنيبات والمنشق عن الجماعة الأم، عبر تصريحات محلية، بقرار إغلاق مقر الجماعة بقيادة الدكتور همام سعيد .
واعتبر الذنيبات أن “قرار الإغلاق جاء تطبيقا لقرار محافظ العاصمة ووزارة الداخلية، الملكفتان بتطبيق القانون على الجماعة غير المرخصة، التي تعمل دون سند قانوني”، واصفا المقر الرئيس لجماعة الإخوان بـ”الدكان غير المرخصة”.
ولم يؤكد الذنيبات فيما إن كانت الحكومة ستقوم بتسليم مقر الجماعة لجماعته ، التي تمتثل للقانون والدستور، وفق قوله.
أما على الصعيد القانوني، فقد وصف المحامي عبد القادر الخطيب قرار إغلاق المقر بالسياسي الارتجالي البعيد كل البعد عن المنطق القانوني، بل اعتبره تعديا صارخا على القانون.
وقال الخطيب إنه لا يحق لمحافظ العاصمة وفقا للقانون اتخاذ قرار الإغلاق، فالمحافظ يعد من أركان السلطة التنفيذية، وقرار الإغلاق معني به فقط السلطة القضائية”، داعيا الحكومة إلى “تدارك الخطأ وسرعة التراجع عن القرار”.
وبين الخطيب أن الدائرة القانونية في جماعة الإخوان، بصدد إقامة دعوى قضائية ضد محافظ العاصمة في المحكمة الإدارية لنقض القرار، لأنه ليس من صلاحيات المحافظ إصدار قرار إغلاق المقر، خاصة أن القضية ما زالت منظورة في أمام القضاء.
وكانت محكمة بداية عمّان ردت طلب الحراسة القانونية الذي تقدمت به “جمعية جماعة الإخوان المسلمين”، على أملاك جماعة الإخوان المسلمين ومقراتها، حيث أكد القاضي أن المستدعية لم تحل محل الجماعة لعدم ثبوت الصفة.
وكان محافظ مدينة العقبة فواز ارشيدات أمرَ سابقا بإغلاق مقر جماعة الإخوان المسلمين في المدينة، تفاديا لوقوع مشاكل بين الجماعة غير المرخصة والأخرى المرخصة، قبل نحو شهرين.
أحزاب ليبرالية تدين القرار
إلى ذلك، وفي ردود الفعل الرافضة لقرار إغلاق مقر الإخوان المسلمين، أصدر تيار التجديد بيانا أدان فيه قرار الإغلاق، معتبرا أن القرار لا يبشر بالخير ويدعو للقلق.
وقال التيار في بيان له: “إن تلك الإجراءات تشكل تراجعا خطيرا في مجال الحريات العامة وحقوق الإنسان، إذ إن ذلك لم يشهد حتى في أيام الأحكام العرفية، معربا عن أمله بعدم إغلاق نوافذ الحوار، والحرص على بقاء القنوات مفتوحة في إطار الحرص على مصالح البلاد العليا”.
ويضم التيار أحزابا سياسية مستقلة هي، حزب أردن أقوى ، وحزب حصاد وحزب التجمع الوطني الديمقراطي وحزب التيار الوطني وحزب الحياة وحزب العون الوطني.
حلفاء الأمس.. أعداء اليوم
مظاهر الخلاف بين النظام الأردني وجماعة الإخوان المسلمين بقيادة الدكتور همام سعيد، برزت عند طلب الحكومة من الجماعة عدم إجراء انتخابات مجلس الشورى الداخلية، التي أعلنت الجماعة عن انطلاقها في مطلع شهر نيسان/أبريل الحالي، ولكن الجماعة لم تمتثل للقرار، وقامت بإجراء الانتخابات في مقرات بعض الشعب الإخوانية ، وفي منازل عدد من قادة الجماعة.
وقد تعمق الخلاف بين النظام والجماعة ، بعد انشقاق المراقب العام الأسبق للجماعة المحامي عبد المجيد الذنيبات عن الجماعة الأم، وتقدمه بطلب ترخيص لجماعته الجديدة التي أطلق عليها اسم جمعية جماعة الإخوان المسلمين؛ ما أغضب جماعة سعيد، واعتبرته استهدافا لها وتضييقا عليها.
يذكر أن جماعة الإخوان المسلمين، وقفت وتحالفت مع النظام في ظروف سياسية وأمنية صعبة خلال فترة الخمسينيات من القرن الماضي.
حيث تحالفت الجماعة مع النظام في مواجهة حكومة سليمان النابلسي، المدعومة من الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، التي دخلت في صراع مع الملك الراحل الحسين بن طلال؛ تخللته محاولات انقلاب على النظام لضباط بالجيش في العام 1957.
كذلك لم يكن هناك صدامات مباشرة بين النظام وبين الجماعة التي لطالما كانت تعلن ولائها له، منذ تأسيسها في ذلك الحين، قبل نحو 70 عاماً، وحتى مطلع سنوات الربيع العربي، حيث دفع الإخوان ثمن مواكبتهم للحراك الشعبي، ليصلوا بالشعارات إلى حد المطالبة “بإصلاح النظام”، عبر تعديلات دستورية لتقليص صلاحيات الملك، إضافة إلى إلغاء نظام الصوت الواحد في قانون الانتخاب.
ويرى محللون أن الأيام القادمة للجماعة الأم ستكون أكثر صعوبة من سابقاتها، حيث من المتوقع أن يتم حل الجماعة بالكامل، وحظرها وربما تصنفيها بـ”تنظيم خارج عن القانون” ، كأخواتها التي سبقنها في دول عربية كثيرة، على رأسها مصر.
المصدر: أردن الإخبارية