ومع تسجيل الصين تحسنًا ملحوظًا في صادراتها خلال مارس بعد نحو 8 أشهر من التراجع المتواصل، باتت تظهر مؤشرات على استقرار ثاني أكبر اقتصاد في العالم، هذا التحسن مفاجئ وغريب في الحقيقة، لأن الارتفاع بنسبة 11.5% في مارس جاء بعد 8 أشهر من الهبوط، وكان التراجع قد وصل لذروته في فبراير بأكثر من 25% وهو أدنى مستوى للصادرات الصينية منذ 6 سنوات.
هذه الأرقام جعلت البعض يقول إن التشاؤم بشأن صحة الاقتصاد الصيني لم يعد في محله، لكن ذهب البعض أيضًا للحديث عن خدعة صينية حول هذه البيانات التي قد تكون مخالفه للواقع بعض الشيء.
عمومًا لم يهتم المستثمرون بهذا الرأي أو ذاك، فبعد أن كانت أخبار التباطؤ الاقتصادي تعبث في الأسواق المالية العالمية ودفعتها لهبوط حاد مطلع هذا العام، لهث المستثمرون وراء إشارات التحسن وبدأوا في الاحتفال على الرغم من ذلك، حيث ارتفعت المؤشرات الرئيسية للأسهم الصينية إلى أعلى مستوى لها في 3 أشهر وصعد اليوان وقفزت أسواق الأسهم اليابانية والأوروبية والأمريكية، بيد أن بعض خبراء الاقتصاد حذروا من أن البيانات التي نشرت الأربعاء ليست دليلاً على زيادة الطلب العالمي حيث تأثرت بقوة بعوامل أساسية وتغيرات موسمية نتجت عن السنة القمرية الجديدة في الصين.
لم تخل بيانات الصين من بعض التشاؤم، حيث قال هوانج سونغبينج المتحدث باسم إدارة الجمارك إن اتفاقات جديدة للتبادل الحر واستقرار سعر صرف اليوان الذي تراجع أمام الدولار مطلع العام ساهما في إعطاء دفع للصادرات، وتدارك “لكن الأوضاع الاقتصادية العالمية لا تزال تواجه تساؤلات عديدة” ووضع التجارة الصينية “معقد” ولا تزال أمامه “عقبات واضحة”.
إذًا ما زال القلق هو المسيطر في بكين حيث إن القطاع الصناعي (المحرك الأساسي لاقتصاد البلاد) لا يزال يتأثر بالطاقات الزائدة للإنتاج والديون الضخمة وزيادة الديون المتعثرة والإصلاحات البنيوية التي يفترض أن تعيد التوازن لنموذج النمو في البلاد.
وفي ظل زخم بيانات الصين لا يمكن إهمال تحذير صندوق النقد الدولي من أن العالم يواجه مخاطر “ركود منظم”، لكنه أشار إلى أن الصين تمثل البقعة المضيئة النادرة بين الاقتصادات الكبرى، وهذا توجه جديد في الحقيقة من ناحية النقد الذي كان يصول ويجول في العالم للتحذير من تباطؤ الصين، ما الذي حدث؟!
هل جهود الحكومة الصينية آتت ثمارها بهذه السرعة؟! أم أن النقد الدولي أدرك أخيرًا أن المبالغة بشأن تباطؤ الاقتصادي الصيني لم تجلب سوى الخسائر والتشاؤم للاقتصاد العالمي فقرر تغير سياسته تجاه الصين.
على كلٍ أنا لا أثق في البيانات الصينية بنسبة 100%، وأرى أنها قد تكون مخادعة بعض الشيء، لكن أيضًا أرى أن المجتمع الاقتصادي العالمي بالغ بشكل كبير في أمر تباطؤ الاقتصاد الصيني، وأيضًا أنا لا أؤيد من يقول إن حالة الضبابية التي غلفت آفاق النمو الاقتصادي الصيني، قد انقشعت.
يجب أن نعلم أن الصين تواجه أزمة بالفعل لن تمحيها هذه البيانات وكذلك الأزمة ليست بنفس الحجم الذي يحاول الإعلام الأمريكي والغربي تصويره للعالم، ولكن يجب أن ندرك أيضًا أن الزج بالصين نحو الهاوية لن يسقط الاقتصاد الصيني فحسب، بل ربما تتضرر بعض الدول أكثر من الصين ذاتها.
وكما قلت سابقًا فإن خلاصة الأمر، أن الاقتصاد الصيني مريض وقفزة الصادرات لا تدل على صحوته، بل مازالت بكين تحتاج إلى محاولات عالمية جادة لإنعاش اقتصادها وذلك لمصلحة العالم كله وليس لمصلحة الصين وحدها، فكل المعطيات والتوقعات حتى بعد هذه البيانات لا تبشر بالخير، فالضعف الاقتصادي، والذعر المالي، والاستجابة السياسية لهاتين المشكلتين بشكل غريب يجب أن يتوقف، ويجب أيضا أن نوقف تلك التوقعات السيئة التي أرى أنها تشكل النسبة الأكبر من الكارثة المرتقبة، فأنا في الحقيقة أتفق تمامًا مع مفهوم “الانعكاسية” الذي تحدث عنه رجل المال جورج سوروس قائلاً: “إن الأسواق المالية قادرة على خلق توقعات غير دقيقة ثم تغيير الواقع بحيث يتوافق معها”.