كثيرًا ما استنجد الباجي قائد السبسي رئيس جمهورية تونس، بصورة الحبيب بورقيبة (الرئيس الأول لتونس بعد الاستقلال) واسمه وحتى بعض تصرفاته وخطبه، لتأكيد انتمائه لما يعرف في تونس بالمدرسة البورقيبية الحداثية، في مسعى منه لكسب ود التونسيين ورضاهم، فهو يعمل على أن يكون الوريث الوحيد لبورقيبة ومدرسته الإصلاحية، وكثيرًا ما يلجأ السبسي إلى بورقيبة في كل عثرة له أو إحساس منه بتقلص حضوره لدى التونسيين وتراجع ثقتهم فيه، حتى إن بورقيبة أضحى كسفينة سيدنا نوح يعبر بيها السبسي وجماعته الطوفان.
وما قراره الأخير، يوم عيد الاستقلال، بخصوص إعادة تمثال رئيس البلاد الراحل الحبيب بورقيبة، إلى مكانه السابق، في الشارع الرئيسي الذي يحمل اسم الأخير، وسط العاصمة تونس، إلا سيرًا في نفس النهج الذي انتهجه منذ عودته إلى السلطة عقب الثورة سنة 2011، بعد 20 سنة غياب عن الساحة السياسية.
والحبيب بورقيبة أول رئيس تونسي وتولى هذا المنصب منذ العام 1957 حتى العام 1987 حين عُزل عن الحكم بانقلاب قام به خلفه زين العابدين بن علي الذي أطاحت به ثورة يناير 2011.
ويعتمد السبسي على الذاكرة الانتقائية للشعب؛ ففي الفترات العصيبة ينزع الناس للجوء إلى الماضي، الذي يربط فيه البعض بورقيبة بتاريخ مجيد، فهو يستخدم صورة بورقيبة كبطل للاستقلال في استراتيجية نفسية هدفها كسب أصوات الجماهير استغلالاً لحالة القلق التي يعيشونها.
وتربع تمثال بورقيبة وسط العاصمة لمدة تزيد عن خمس وعشرين سنة، قبل أن يقرر الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي سنة 1988 نقله إلى منطقة حلق الوادي بالضاحية الشمالية للعاصمة التونسية واستبداله بساعة عملاقة تحيط بها نافورات وأضواء متنوعة.
ودشن الباجي قائد السبسي، بمناسبة الذكرى الـ 16 لوفاة الرئيس الأسبق لبلاده الحبيب بورقيبة وسط إجراءات أمنية مشددة، نصبًا تذكاريًا للراحل، في ساحة أطلق عليها اسم “بورقيبة” في مدينة المنستير مسقط رأس الأخير.
ويعتقد السبسي وحزبه الذي فشل في تحقيق أي إنجاز يذكر منذ توليهم السلطة في تونس، أن إعادة تمثال بورقيبة للشارع يمكن أن يحسب في ميزان حسناتهم السياسية كإنجاز؛ فهو كعادته يستغل حنين الشعب وتعاطفهم تجاه بورقيبة لإلهاء الناس وكسب قليل من شعبية ما فتئ يفقدها بمرور الوقت.
غير أن ما يقوم به الباجي هو بمثابة قفزة إلى الوراء لرجل سياسة لم ينجح في أن يدفع البلاد إلى الأمام، فإعادة تنصيب السبسي لتمثال بورقيبة لن يحقق أي فائدة للتونسيين في الحاضر ولا في المستقبل، فهو لا يعدو أن يكون إلا مجرد محاولة انتهازية من الباجي لتحويل رصيد بورقية إلى حسابه الشخصي.
إن استحضار السبسي لبورقيبة ليس حبًا فيه ولا اتباعًا له، وإنما هو رغبة باطنية لحب التملك والتسلط الذي عرف به بورقيبة، وحبًا في التقديس والزعامة على شاكلته.
كما أن انقسام حزب نداء تونس وخروج القيادي ورئيس حملة السبسي الرئاسية محسن مرزوق منه، إلا سببًا آخر في تقمص السبسي رداء بورقيبة الآن، فهذا الرداء أصبح محل نزاع بينه وبين مرزوق الذي ما فتئ يؤكد أن استقالته من الحزب مردها انحراف هذا الأخير عن نهج بورقيبة وأنه يعمل جاهدًا الآن إلى جانب المحيطين به على إعادة هذا “المشروع البورقيبي الحداثي” إلى الطريق من خلال حزبه الجديد “مشروع تونس”.
فصورة بورقيبة كأصل تجاري لم تعد حكرًا على السبسي فقط، لذلك لجأ إلى مغازلة اتباعه السابقين ورجاله الغيورين على بورقيبة من خلال إرجاع تمثال هذا الأخير إلى مكانه الأول في قلب العاصمة تونس لتأكيد وفائه لهم وعدم خيانته العهد كما يقولون في السر والعلن.