احتلت قطر على المستوى الدولي المرتبة الثالثة عشرة في قائمة التنافسية العالمية لعام 2015 والثانية عربيا بعد الإمارات بحسب تقرير الكتاب السنوي للتنافسية العالمية الصادر عن المعهد الدولي للتنمية الإدارية بسويسرا من بين 61 دولة معظمها من الدول المتقدمة.
كما أبدى الاقتصاد القطري مرونة جيدة، هي الأكثر بين أقرانه من الاقتصاديات الخليجية بعد هبوط أسعار النفط إذ استطاعت قطر تنويع إيرادات الميزانية والتخفيف من الاعتماد على إيرادات النفط والغاز، مع بقاء احتمال تأثرها في حال هبوط أسعار الطاقة العالمية أكثر.
و أكد مؤشر مراكز المال العالمية تقدما ملحوظا لقطر واحتلالها المركز الثاني عربيا وذلك من خلال معايير تقيس سهولة تأسيس الشركات واستقرار البيئة القانونية والقضائية ومدى قدرة الشركات على المساهمة في الاقتصاد المحلي وسهولة دخولها وتعاملها النقدي فضلا عن معيار الضرائب والهجرة وطريقة التعامل مع العملاء. وكذلك نالت قطر تصنيف الدولة التي تنعم بدرجة عالية من السلام.
وليس اخيرا شاع عن قطر اتباعها لنموذج الاقتصاد القائم على المعرفة في العقد الماضي، بعدما أصبح الاستثمار بالبحوث والتطوير وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والابتكار في كل المجالات محرك النمو الأساسي الذي تعتمد عليه الدول المتقدمة والنامية على حد سواء.
اقتصاد المعرفة
ظهر مفهوم الاقتصاد المعرفي بعد تبنيه من قبل هيئات دولية كبرى كالمفوضية الأوروبية والبنك الدولي والأمم المتحدة ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، كتوجه استراتيجي لتحقيق التنمية الشاملة على الصعيد الدولي، بعدما أصبحت المعرفة أحد أهم الأساسات لأي مشروع اقتصادي والذي يجب إدارته بكفاءة عالية للحصول على ميزة تنافسية.
المهم أن الاقتصاد المعرفي يهتم بالتجديد والابتكار المستمرين في المنتجات وأسلوب تقديم الخدمات وبات من أهم ما يميزه اليوم هو تسريع وتكثيف عمليات إنتاج واستخدام ونشر المعارف والتقنيات الجديدة.
ويُجمع خبراء الاقتصاد أن معايير التنافس الاقتصادي بين المدن التي تبنت هذا النموذج تعتمد على قدرتها على جذب المبدعين والموهوبين والاحتفاظ بهم وصهرهم في بوتقتها، وعلى الرغم من عدم وجود تعريف موحد للاقتصاد المعرفي إلا أن معظم أوصافه تعكس تدفق التكنولوجيا والمعلومات بين الأفراد والمؤسسات والجامعات والمؤسسات الحكومية. لذا من البديهي أن إنشاء أو اعتماد مثل هذا النظام يتطلب اتخاذ تدابير من شأنها تحسين الأداء في مجال البحث والتطوير والتعليم ونشاط المشاريع الخاصة وتدفقات المعلومات وهذا بمجموعه لو تم، فإنها ستسمح بتطبيق أي فكرة إلى مشروع تجاري.
وكان البنك الدولي قد حدد عدة نقاط تعتبر أساسا لبناء اقتصاد قائم على المعرفة، تتلخص بإنشاء مؤسسات عالية الجودة تساعد على تنمية مناخ الأعمال، وتنمية نظم التعليم والتدريب التي ترتكز على تعليم وإنتاج الكفاءات بناء على متطلبات السوق، وتطوير البحث العلمي والابتكار ودعم الشركات التي تعتمد على معامل البحث، وأخيرا اعتماد التفاوض والوساطة بين مختلف الأطراف كوسيلة لفض المنازعات.
هل فعلا تتبع قطر اقتصاد قائم على المعرفة؟
يظهر في رؤية قطر الوطنية لعام 2030 أن الحكومة حددت أهداف استراتيجية أهمها على صعيد ما نتكلم عنه، اعتماد اقتصاد متنوع يشارك فيه القطاع الخاص وتؤدي فيه الشركات الخاصة والمتوسطة على وجه الخصوص دورا محوريا في زيادة الابتكار وتنظيم المشاريع.
واجهت قطر عدة عقبات حدت من تطبيقها لاقتصاد المعرفة، فقد عانت خلال الفترة الماضية من ترويج الأفكار التجارية وجذبها للبيئة الاستثمارية القطرية، إذ لا تزال الشركات تواجه عقبات عند دخول السوق، واحتلت المرتبة 50 من أصل 183 بلدا من حيث سهولة ممارسة الأعمال التجارية وفقا لتقرير ممارسة الأعمال التجارية الصادر عن البنك الدولي لعام 2011.
ما يُظهر عدم اتساق في تصدير قطر نفسها في العقد الماضي عن اتباعها لاقتصاد المعرفة أن الأبحاث والأرقام الصادرة عن البنك الدولي أظهرت أن الإقراض المصرفي للمشاريع الصغيرة والمتوسطة لا يمثل سوى 0.5% من إجمالي القروض المقدمة في قطر، وهذا ما يجعل من قطاع الشركات الصغيرة وخصوصا الناشئة التي تعتمد على الإبداع والابتكار من المستحيل أن تنمو وتزدهر.
إلا أن قيام مؤسسات مثل “جهاز قطر للمشاريع الصغيرة والمتوسطة” و”صلتك” و”واحة العلوم والتكنولوجيا” هو تقدم يُحسب لقطر في سعيها نحو الاقتصاد القائم على المعرفة، ولكن هذا التقدم كان محدودا في السنوات الماضي. وساحة الابتكار الدولية والقيام بمشاريع وسياسات رأس المل البشري التي تربط المعرفة بالاحتياجات المحلية كلها تشهد تسارعا على مستوى العالم مما يتعين عليها الانتباه والإسراع أكثر في تنويع ساحة الابتكار.
التعليم
تعتبر سنغافورة في هذا المجال مثال حي وثري إذ عمدت إلى جذب مؤسسات البحث والتطوير الدولية إليها والاستفادة منها، وإدخال إصلاحات لتعزيز روح المبادرة والابتكار والكفاءة الإدارية في دعم وإنشاء الأعمال التجارية.
وفي ظل زيادة عدد الشباب في قطر فإن المطلوب منها توسيعا لخيارات التعليم ليس على مستوى الجامعات فحسب ولكن أيضا على مستوى التعليم الإبتدائي والثانوي. وبالفعل افتتحت قطر جامعات وطنية وتوسعت في المراكز البحثية العلمية وجذبت عدة فروع لجامعات أجنبية على أراضيها ومراكز أجنبية للبحث العلمي والتطوير.
وقد حققت قطر المرتبة الرابعة من حيث جودة التعليم بحسب المؤشر الصادر عن منتدى الاقتصاد العالمي في دافوس فيما حققت سنغافورة وسويسرا المركز الأول والثاني على التوالي، وتعد قطر من أكثر بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إنفاقا على التعليم إذ بلغ الإنفاق قرابة 4.1% من ناتجها الإجمالي أي ما يعادل 6.04 مليار دولار لقطاع التعليم وقدر خبراء أنها أنفقت على قطاع التعليم في العشر سنوات الماضية نحو 50 مليار دولار، وهي تسعى من خلال هذا الإنفاق العالي فضلا عن تحسين جودة التعليم إلى تحسين التحصيل الأكاديمي للطلبة وإعدادهم للمستقبل وتنمية قدراتهم على التعلم المستقل والمستدام. ومن أجل تعزيز دور العلوم والتكنولوجيا اللذين يعتبران المكونان الرئيسيان لاقتصاد قائم على المعرفة، لما تساعده في تعليم مهارات حل المشاكل المعرفية والمهارات التحليلية التي تعتبر ضرورية لتلبية احتياجات الاقتصاد القطري.
كأس العالم
استضافة قطر لكأس العالم 2022 وال 65 مليار دولار المخصصة لتطوير البنية التحتية تعتبر فرصة جيدة للحكومة لدعم الابتكار المحلي وقطاع الاعمال والمضي قدما في تطوير اقتصاد المعرفة. وهذا يمنح القطاع الخاص فرصة أكبر للعب دور في تحمل جزء من المشاريع التي تنوي الحكومة بنائها.
إذ ستبني خطوطا للسكك الحديدية بكلفة 36 مليار دولار، ومطارا جديدا بكلفة 11 مليار دولار، وميناء جديد بكلفة 5.5 مليارات دولار خلال خمس سنوات، وستنفق البلاد مليارات أخرى على 12 استادا لكرة القدم مكيفة الهواء، ما يزيد الحاجة إلى مزيد من طاقة توليد الكهرباء في بلد تتجاوز درجات الحرارة فيه 50 درجة مئوية في الصيف.
حجم هذه الاستثمارات الكبيرة يجب أن يستثمر في إظهار طاقات الشعب للابتكار وإعطائهم الفرصة لتحمل المسؤولية، فبدل أن تبني قطر مجسمات كبيرة تصبح عبئ عليها بعد انتهاء البطولة عليها إيجاد طرق ووسائل بديلة بالابتكار تحقق لها حلول للحصول على أقصى فائدة من هذه الأبنية، حيث تسعى الحكومة في قطر لترويج نفسها على أنها أرض المعارض والمؤتمرات وتعمل على جذب السياح إلىها أكثر، وستقوم ببناء جسر مع البحرين لتسهيل تنقل الزوار من وإليها، ومن المتوقع أن يزر قطر في البطولة قرابة 500 ألف مشجع من مختلف أنحاء العالم.
وقد ظهر تحدي مهم أمام قطر وهو ما أثارته المنظمات الدولية والحقوقية التي تعني بحقوق الإنسان، إذ أظهرت تقارير عديدة صادرة عن منظمة العفو الدولية تتكلم عن “إنتهاكات منهجية” بما في ذلك “العمل القسري للعمال المهاجرين في استاد خليفة”، حيث يستند تقرير المنظمة من 80 صفحة بعنوان “الجانب القبيح للرياضة الجميلة: استغلال العمال في موقع قطر لكأس العالم”، شمل الحديث مع 234 من المهاجرين حتى شهر شباط فبراير 2016 من الذين يعملون في استاد خليفة أو في تنسيق الحدائق في مجمع “اسباير زون” والتجاوزات شملت؛ معيشة العمال في أماكن قذرة وضيقة ومصادرة جوازات سفر العمال وتعرض العمال للتهديد لاعتراضهم على ظروف العمل واضطرار العمال إلى دفع ما يصل إلى 4300 ألف دولار لمن وفر لهم العمل في قطر وتأخر الرواتب. علما أن قطر رفضت كل هذه الإدعاءات واعتبرتها “صورة مضللة”، وهذا كله لا يليق بدولة تتبع اقتصاد المعرفة.
في النهاية لا نستطيع القول سوى إن قطر تتبنى اقتصاد المعرفة ولكن لم تصل إليه بعد.وحتى تصل أسرع عليها المضي قدما في تحويل البحوث العلمية إلى أنشطة تجارية قادرة على البقاء، ومنح جوائز للابتكارات للتشجيع على الابتكار أكثر، وتقديم حوافز مالية لكيانات رأس المال المغامر للاستثمار، أما المدارس والمعاهد والجامعات فعليها المساعدة في تعزيز تطوير الأعمال، فضلا عن ذلك على الجامعات التوسع في الابتكار في العلوم والتكنولوجيا وتطوير نظام التعليم في قطر من المرحلة الابتدائية إلى المستوى الجامعي لدعم وتلبية الاقتصاد الوطني لضمان الاستقرار والنمو على المدى الطويل. كما يمكن للقطاع الخاص فيها المساعدة في تنمية الاقتصاد القائم على المعرفة من خلال تحسين فرص الحصول على التمويل.