تنازل النظام المصري الحالي عن جزيرتي “تيران وصنافير” في البحر الأحمر لصالح المملكة العربية السعودية بعد زيارة للملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز إلى القاهرة، وهو ما استدعى حالة من السخط الشعبي في الأوساط المصرية المعارضة التي رفضت تنازل النظام المصري عن جزء من الأراضي المصرية عليه خلاف مع السعودية.
بدأ الرفض من مواقع التواصل الاجتماعي التي نددت بتعامل النظام مع القضية بكل هذه السهولة دون النظر لحق مصر التاريخي في هذه الأراضي، وهو الأمر الذي انتقلت معه حملات مناوئة لتنازل النظام عن الجزيرتين، بالإضافة إلى تضامن العديد من النشطاء والشخصيات العامة مع هذه الحملات.
تنازل يضرب في شرعية نظام السيسي
هذا التنازل لا يعد قرارًا سياسيًا عابرًا يخضع لأمر الاختلاف بين المعارضة والنظام بل إن تبعاته على القائمين في سدة الحكم هذه المرة كان أشد من القرارات السياسية السابقة التي استطاع النظام ترويجها للقطاعات الشعبية المختلفة.
فالأمر لاقى رفضًا من جانب المعارضة المصرية بشتى تياراتها بداية من تلك التي تتعامل مع النظام بنوع من الحمائمية ونظرية الإصلاح من الداخل إلى تلك التي ترفض وجود النظام رفضًا باتًا وقاطعًا.
هذا الإجماع النادر اعتبر ضربة في شرعية النظام الذي يقوده السيسي بعدما حطم كافة نظريات الأمن القومي التي يتحدث عنها دائمًا والتي تتضمن الحفاظ على وحدة الوطن وسلامة أراضيه، ولكن بعد هذا التنازل بدأ الجميع يشكك في تلك المقولات، الأمر الذي جعل السيسي يخرج إلى وسائل الإعلام بصورة غاضبة بعد أن انقلب عليه الحلفاء القدامى بعد موقف التنازل عن الجزيرتين.
احتجاج سياسي
أرادت المعارضة في مصر أن تبلور هذه الحالة من الرفض إلى احتجاج شعبي سياسي ضد قرار النظام بالتنازل عن أراض مصرية متنازع عليها، فانطلقت دعوات للتظاهر تحت شعار “جمعة الأرض”.
أعلنت المعارضة من نشطاء وأحزاب وحركات عن مشاركتها في هذه التظاهرات بشعارات واضحة ومحددة اليوم الجمعة أبرزها: “الأرض هي العرض” الذي رفعته قوى يسارية كالاشتراكيين الثوريين، وشعار “على جثتي” الذي رفعته حركة 6 أبريل المعارضة، و شعار “مصر فوق الجميع” الذي أعلن عنه اليوم “التحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الانقلاب” المقرب من جماعة الإخوان المسلمين، فضلاً عن الشعار الأبرز الذي انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي “عواد باع أرضه”.
فيما رفضت هذه التظاهرات قوى مرتبطة بالنظام الحالي كحركة تمرد وخرجت تحذيرات من وزارة الداخلية المصرية للمواطنين مما أسموه “الخروج على الشرعية” بالاستجابة لدعوات التظاهر اليوم الجمعة، في الوقت الذي أغلقت فيه قوات الأمن محطة مترو الأنفاق المعروفة باسم “السادات” المؤدية لميدان التحرير وسط القاهرة.
واتهمت وزارة الداخلية جماعة الإخوان المسلمين في بيان رسمي لها بالوقوف وراء “دعوات تحريضية منظمة تستهدف إثارة الفوضى ببعض الشوارع والميادين واستثمارها في خلق حالة من الصدام بين المواطنين وأجهزة الأمن.”
فيما تشهد الآن العاصمة القاهرة إجراءات أمنية مشددة، وانتشار للآليات العسكرية، والقوات الخاصة على مداخل ومخارج الميادين خشية لهذه التظاهرات.
بينما أصرت القوى المعارضة على إعلان خريطة تظاهراتها في هذا اليوم ونقاط انطلاقها وقد كان أبرزها ميدان التحرير بوسط القاهرة، التي دعت قوى معارضة عدة للاحتشاد فيه، وكذلك ميدان طلعت حرب، بوسط القاهرة، الذي دعا فنانون وأدباء للاحتشاد فيه بوقفة مسائية بمحيطه.
كما أكد تحالف دعم الشرعية أن التظاهرات ستكون في قرى وأحياء وشوارع رئيسية بالقاهرة والمحافظات، دون الإعلان صراحة عن أماكن التجمع، وانطلقت دعوات أخرى على مواقع التواصل الاجتماعي للخروج من مساجد عدة في القاهرة والمحافظات.
وجاءت دعوات من المعارضين في الخارج للتجمع أمام السفارات والقنصليات المصرية في البلدان المختلفة نزولًا على دعوات التظاهر ضد النظام في هذا اليوم.
جناح من الإخوان أعلن مشاركته في التظاهرات
صدر بيان رسمي باسم جماعة الإخوان المسلمين عن طريق موقع تديره أحد أجنحة الجماعة المتصارعة يعلن فيه نية الجماعة المشاركة في التظاهرات ضد النظام الذين لا يعترفون بشرعيته من البداية، ردًا على اتفاقية ترسيم الحدود الأخيرة بين النظام والسعودية الذي تنازلت بموجبه السلطات المصرية عن جزيرتي “تيران وصنافير”.
فيما لم يعلن الجناح الآخر من الجماعة موقفًا محددًا حتى الآن تجاه النزول في هذه التظاهرات، وهو ما يُثير العديد من التساؤلات حول مدى قدرة الجماعة على الحشد في مثل هذا الحدث الهام خاصة في ظل الانقسام الذي تعاني منه وانعكاساته على الحراك المعارض، بحيث لم تعد تعلن الجماعة موقفًا واحدًا تجاه الأحداث بينما أصبح من الطبيعي أن تتناول جماعة الإخوان المسلمين كل حدث بوجهتي نظر من داخلها.
اختبار حقيقي للمعارضة المصرية
ردت قوى سياسية مصرية معارضة على إعلان جناح من جماعة الإخوان المسلمين بالمشاركة في تظاهرات اليوم برفض تام له، معتبرين أن هذا التحرك ينبئ بفشل الحراك ضد النظام، خاصة وأن النظام أوجد ذريعة لمواجهة التظاهرات بسبب وجود اسم جماعة الإخوان المسلمين بين الداعين لها.
انقسمت أطياف المعارضة بين مؤيد لحق جماعة الإخوان المسلمين في المشاركة وبين معارض تام لهذا الأمر، حيث أكد محللون أن الجماعة جزء من النسيج المصري ولديها كامل الحق في المشاركة في أي قضية مجتمعية طالما ستلتزم بشعارات اليوم المحددة دون تسييس للحراك بوضع شعارات أخرى عليه، بينما ردت بعض القوى على هذا الرأي بالرفض التام معتبرين إعلان الجماعة ضربة للحراك مطالبين بعدم تصدر الجماعة للمشهد تحت أي ظرف كان.
اشتعل السجال على مواقع التواصل الاجتماعي والذي يمكن أن يقال عنه أنه اختبار حقيقي لمدى قدرة المعارضة المصرية على تجاوز خلافاتها الداخلية التي تطغى دائمًا على القضايا الهامة.
فبينما يؤكد البعض أن موقف النظام في هذه المرة أضعف من المواقف السابقة، تصر أطياف المعارضة المصرية التقليدية منها والشبابية على عدم تجاوز إرث الخلافات الضخم الذي ينهاز عمره خمس سنوات من التخوين وانعدام الثقة بين الأطراف، وهو ما يؤكد محللون أن المستفيد الأول والوحيد منه هو النظام المصري الذي يلعب على هذه التناقضات بين أطراف معارضته.
لتبقى حالات الضعف هذه التي يمر بها النظام غير مستثمرة من قبل المعارضة بشتى أطيافها، وتظاهرات اليوم هي اختبار جديد على قدرة هذه المعارضة على مجابهة النظام بنوع من الحراكات التراكمية الشعبية، إلا أن الإصرار على هذه الحالة من التشرذم يشكك في مسألة جدية المعارضة في خلق احتجاج حقيقي أمام النظام المصري.