عمقت تصريحات العقيد المتقاعد أحمدو بمبه ولد بايه، أحد أبرز منفذي انقلاب 2008 ضد الرئيس ولد الشيخ عبد الله وأحد أقرب المقربين من الرئيس الحالي في برنامج تلفزي ، أول أمس، الداعية الى وجوب مراجعة بعض المواد المتناقضة في الدستور الموريتاني , في إشارة منه للمواد المتعلقة بمأموريات الرئاسة والتي ينص الدستور الحالي على تجميدها، من مخاوف الطبقة السياسية في موريتانيا ولا سيما المعارضة منها من امكانية قيام السلط الحالية بتعديل دستوري يسمح للرئيس محمد ولد عبد العزيز بولاية رئاسية ثالثة.
وسبقت هذه التصريحات تصريحات مماثلة لوزراء العدل والمالية والإعلام، حثوا فيها الشعب على دعوة الرئيس محمد ولد عبد العزيز إلى الترشح لمأمورية رئاسية جديدة. حيث صرح وزير العدل الموريتاني إبراهيم ولد داداه في البرلمان بأن على الموريتانيين أن يطالبوا الرئيس ولد عبد العزيز بزيادة ولاياته الرئاسية لاستكمال ما سماها إنجازات كبيرة استفاد منها الفقراء في الأحياء والمناطق الهشة. تلتها أخرى مماثلة صدرت عن وزير الاقتصاد والمالية المختار ولد اجاي تحت قبة البرلمان أيضا، وأخرى مشابهة من الناطق باسم الحكومة وزير العلاقات مع البرلمان محمد الأمين ولد الشيخ، معتبرا ان التعديل الدستوري “قناعة ومطلب لدى فئات واسعة من الشعب الموريتاني“.
و أكّدت هذه التصريحات المتتالية لمقربين من الرئيس الموريتاني ,حسب خبراء, رغبة هذا الاخير في ولاية رئاسية ثالثة رغم تأكيده مؤخرا بأنه لا ينوي تغيير الدستور كما يشاع وأنه سيرد على هذا الموضوع في أقرب خرجة إعلامية له.
وكان الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز قد وصل إلى الحكم عبر انقلاب عسكري نفذه عام 2008 وأطاح فيه بالرئيس المدني المنتخب سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله ودخلت موريتانيا إثر ذلك أزمة سياسية بين المجلس العسكري الأعلى والجبهة الوطنية للدفاع عن الديموقراطية استمرت إلى أن تمكنت وساطات دولية من التوصل لاتفاق وقع في داكار في حزيران/ يونيو 2009.
ونظمت انتخابات بموجب اتفاق داكار في تموز /يوليو 2009 أسفرت عن نجاح محمد ولد عبد العزيز لكن المعارضة شككت في نتائجها. وأعيد انتخابه رئيساً للبلاد عام 2014 في انتخابات رئاسية قاطعتها المعارضة وجرت في أجواء غير مسبوقة من الاحتقان السياسي بين النظام والمعارضة.
وكانت هذه التصريحات محل احتجاج واسع ، بدأ من قبة البرلمان إلى التظاهر أمام وزارة العدل، مرورا بإصدار بيانات من الهيئات السياسية المعارضة، وصولا الى شبكات التواصل الاجتماعي.
وترى أوساط المعارضة أن هذه الدعوات منافية لدستور البلاد والنهج الديمقراطي, ونكوصا عن مبادئ التناوب السلمي على السلطة حيث تنص المادة 99 من الدستور الموريتاني في فقرتها الأخيرة: “لا يجوز الشروع في أيّ إجراء يرمي إلى مراجعة الدستور، إذا كان يطعن في كيان يطعن في كيان الدولة أو ينال من حوزتها أراضيها أو من الصبغة الجمهورية للمؤسسات أو من الطابع التعددي للديمقراطية الموريتانية أو من مبدأ التناوب الديمقراطي على السلطة والمبدأ الملازم له الذي يحدد مدة ولاية رئيس الجمهورية بخمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، وذلك طبقا لما تنص عليه المادتان 26 و28 المذكورتان سالفا“.
وتنص المادة 26 و28 على ان “ينتخب رئيس الجمهورية لمدة خمس (5) سنوات عن طريق الاقتراع العام المباشر”. و”يمكن إعادة انتخاب الرئيس لمرة واحدة“.
كما ان أي تعديل للدستور سينافي قسم الرئيس عند توليه الحكم فهو يقسم على “أقسم بالله العلي العظيم ألا أتخذ أو أدعم بصورة مباشره أو غير مباشرة أية مبادرة من شأنها أن تودي إلى مراجعة الأحكام الدستورية المتعلقة بمدة مأمورية رئيس الجمهورية وشروط تجديدها الواردة في المادتين 26 و28 من هذا الدستور.”
و تجد المعارضة الموريتانية في حيثيات الدستور ضمانة لتخلصها من نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز الذي تعتبره منبثقاً في الأصل من انقلاب عسكري كما تعتبر تسييره للبلاد تسييراً كارثياً.
وتركز اهتمامها بالحفاظ على الدستور بصيغته الحالية إلى أن تجري في ظله انتخابات 2019 التي تريدها المعارضة انتخابات حقيقية تقطع الطريق أمام مرشحي السلطة أو مرشحي الجيش بحيث تعود موريتانيا بعدها للسكة الديمقراطية الصحيحة التي حادت عنها بعد انقلاب 2008.
ويخشى متابعون استغلال الرئيس و اتباعه التناقضات الموجودة في الدستور الموريتاني، فقد نصت المادة 99 من الدستور في فقرتها الأولى على أنه: “يملك كل من رئيس الجمهورية وأعضاء البرلمان مبادرة مراجعة الدستور“.
فرئيس الجمهورية يمكن أن يقوم بمبادرة مراجعة الدستور بطريقتين: إما أن يعرض تلك التعديلات على الشعب مباشرة عن طريق الاستفتاء؛ أو يعرض تلك التعديلات على البرلمان مجتمعا في مؤتمر, إذ تنص المادة 101على أنه: “لا يقدم مشروع المراجعة للاستفتاء إذا قرر رئيس الجمهورية أن يعرضه على البرلمان مجتمعا في مؤتمر. وفي هذه الحالة لا يصادق على مشروع المراجعة ما لم يحصل على أغلبية ثلاثة أخماس (3/5) من الأصوات المعبر عنها.
ويشهد الوضع السياسي في موريتانيا على مدى العقدين الاخيرين الكثير من الهزات، أسهمت في تعقيداته تنامي ظاهرة الإرهاب والقطيعة بين النظام والمعارضة. وخلال هذه الفترات ظهرت عديد الدعوات للحوار بين المعارضة والسلطة الحاكمة, الا انه لم يبارح مكانه نتيجة الاتهامات المتبادلة بين الاطراف المختلفة في هذا البلد العربي.